سياسة
.
عقب عدم تمكن أي من مرشحي الرئاسة التركية من حسم الانتخابات من الجولة الأولى بالحصول على أكثر من 50 بالمئة من أصوات الناخبين، اتجهت الأنظار نحو سنان أوغان المرشح الذي خالف التوقعات والاستطلاعات حاصداً أكثر من 5 بالمئة من أصوات الناخبين وفارضاً نفسه كلاعب أساسي غير مباشر في الجولة الثانية الحاسمة وهو ما منحه لقب "صانع الملوك" الجديد في السياسة التركية.
وفي الوقت الذي يسعى كلاً من الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو للحصول على أصوات داعمي أوغان في الجولة الثانية المقررة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، بدأت تتضح مطالب مرشح اليمين المتطرف والتي اختزلت في مطلب واحد أساسي يتمثل بالموافقة على طرد 10 مليون لاجئ ومقيم أجنبي من الأراضي التركية.
وعلى الرغم من أن هدف طرد اللاجئين هو وعد انتخابي معلن من الحزبين، إلا أن التسريبات كشفت عما هو أخطر من ذلك بالحديث عن أن كمال كليتشدار أوغلو الذي هاتف أوغان وينوي لقاءه مع زعيم تحالفه اليميني المتطرف أوميت أوزداغ قدم عرضاً يتمثل في تحويل رئاسة الهجرة المعنية بشؤون الأجانب في تركيا إلى وزارة ومنحها إلى أوغان من أجل كسب دعمه في الجولة الثانية من الانتخابات.
لا يوجد إحصائيات دقيقة حول أعداد الأجانب في تركيا، إلا أن الإحصائيات الرسمية تؤكد وجود 3.7 مليون لاجئ سوري، ومئات آلاف من العراق وفلسطين ودول عربية أخرى، وقرابة مليون أفغاني، في حين تقول المعارضة إن عدد الأجانب في تركيا وصل إلى 10 مليون منهم 5 مليون لاجئ سوري وأكثر من مليون عربي آخر إلى جانب الأفغان والأجانب الآخرين بشكل عام.
في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الرابع عشر من الشهر الجاري، حصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على 49.5٪ من أصوات الناخبين، في حين حصل منافسه الأول كمال كليتشدار أوغلو على 44.9٪ من الأصوات، في حين فجر المرشح الثالث سنان أوغان مفاجأة من العيار الثقيل عندما حصل على 5.2٪ من الأصوات رغم أن استطلاعات الرأي لم تكن تمنحه أكثر من 2% في أحسن الأحوال.
ومع فشل أردوغان وكليتشدار أوغلو في حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات رسمياً الانتقال إلى جولة ثانية حاسمة الأمر الذي حول الأنظار نحو أوغان المتوقع أن يمثل دعمه لأحد المرشحين إلى تعزيز احتمالات فوزه في الجولة الثانية.
وفي خطوة استباقية، وبلغة غير مسبوقة، بادر كليتشدار أوغلو لرفع مستوى خطابه القومي متوعداً بطرد اللاجئين في حال فوزه بالانتخابات، وذلك في خطوة فسرت على انها "عربون مقدم" قبيل بدء المباحثات مع أوغان لكسب وده ودعمه في الجولة الثانية من الانتخابات.
وقال: "إردوغان، لم تقم بحماية الحدود وشرف البلاد.. أدخلت عمدا أكثر من 10 ملايين لاجئ إلى هذا البلد.. فور وصولي إلى السلطة، سأعيد كل اللاجئين إلى بلدهم".
سنان أوغان هو سياسي تركي مغمور لم يكن معروفاً قبيل اختياره من قبل تحالف يميني صغير (تحالف الأجداد) لخوض الانتخابات الرئاسية، ولم يكن يمتلك أي شعبية تذكر في الشارع التركي إلا أن الظروف التي أفرزتها الانتخابات وخاصة انسحاب محرم أنجي من السباق ووجود شريحة من الناخبين غير الراضين عن أردوغان وكليتشدار أوغلو كلها ظروف منحته قرابة 3 مليون صوت.
وسنان المغمور ما هو إلا واجهة للسياسي المخضرم أوميت أوزداغ الذي يتبنى منذ سنوات خطاباً عنصرياً غير مسبوق في السياسة التركية ويحمل لواء طرد كافة اللاجئين والأجانب من الأراضي التركية وبنى حملته الانتخابية بشكل كامل على ملف طرد الأجانب من تركيا.
تشير التطورات المتلاحقة في الأيام والساعات الماضية إلى أن سنان أوغان يبدو أقرب للإعلان عن دعمه كمال كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية من الانتخابات حيث جرت سلسلة مباحثات معلنة وسرية بين الجانبين كان آخرها اتصال هاتفي بين كليتشدار أوغلو وأوغان أعقبه اتفاق على عقد لقاء ثلاثي بحضور أوميت أوزداغ أيضاً، في المقابل لم يعلن حتى الآن عن أي لقاء لأوغان مع أردوغان أو مسؤولي حزبه وتحالفه الانتخابي.
وفي خضم هذه المباحثات كشف مصادر إعلامية تركية مختلفة عن أن كليتشدار أوغلو يسعى لاستقطاب أوغان من خلال تقديم إغراءات سياسية مختلفة له كان أبرزها الحديث عن وعد بان يتم تحويل رئاسة الهجرة إلى وزارة ومنحها لأوغان في حال الفوز بالانتخابات الرئاسية وهو ما يعني تسليمه مصير 10 مليون لاجئ ومقيم في تركيا معظمهم من العرب.
وبالفعل وفي حال فوز كليتشدار أوغلو بالرئاسة ومنحه أوغان وزارة شؤون الهجرة الموعودة فإن سيناريو كارثي ينتظر مصير ملايين العرب والأجانب المقيمين في تركيا في ظل وعود قطعية من الجانبين بطرد كافة الأجانب في حال الفوز بالانتخابات والوصول إلى السلطة، لكن يبقى السؤال عن فرص كليتشدار أوغلو بالفوز حتى ولو أعلن أوغان دعمه بالجولة الثانية من الانتخابات.
حصل أوغان على 5.2 بالمئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى بواقع 2.8 مليون صوت، في حين تقدم أردوغان على كليتشدار أوغلو بواقع أكثر من 2.5 مليون صوت، أي أن أردوغان بحاجة إلى نسبة طفيفة من أصوات أوغان كي يفوز بالجولة الثانية من الانتخابات لكن كليتشدار أوغلو بحاجة إلى كافة أصوات أوغان للفوز بالجولة الثانية، وهو ما يفتح الباب أمام السؤال الأهم: هل جميع من صوتوا لأوغان سوف يصوتون لكليتشدار أوغلو في الجولة الثانية؟
صوت لأوغان بدرجة أساسية أنصار محرم إنجي الذين لم يجدوا خياراً لهم عقب انسحاب مرشحهم وهذه الشريحة لا يمكنها أن تصوت لكليتشدار أوغلو المتهم الأول المتهم بتدبير واقعة المقاطع الإباحية التي أجبرت إنجي على الانسحاب من السباق الانتخابي وعلى العكس يمكن أن يصوتوا لأردوغان للانتقام من كليتشدار أوغلو.
وفي ظل التعقيدات السياسية والحسابية لاحتمالات الفوز والخسارة في الجولة الثانية، تبدو حظوظ أردوغان أكبر بكثير من حظوظ كليتشدار أوغلو بغض النظر عن قرار أوغان بدعم أحد المرشحين أو البقاء على الحياد، وهو ما يعني ان الوعود بمنح أوغان المتطرف وزارة الهجرة ستبقى على الأغلب حبراً على ورق ولن ترى النور.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة