سياسة
.
تأنيب الضمير دفع العجوز الإسرائيلي الثمانيني يائير باراك لخوض رحلة للمسجد الأقصى يوم الأحد الماضي للمرة الثانية في حياته.
زيارته السابقة كانت قبل 56 عاماً عندما جاء للحرم كمحتل مع جنود الجيش الإسرائيلي وعمره آنذاك نحو 24 عام.
دخل يائير من بوابة المغاربة، ولكنه لم يتجول في ساحة الحرم كغيره من الزوار، ولم يحاول أداة الصلوات التوراتية كالإسرائيليين المتدينين والمتطرفين.
اتجه دون تردد برفقة موظف وقف مسلم وصحفيان إلى مكتب الشيخ عزام الخطيب، مدير الوقف العام. صافحه والشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى وأعطاهم مفتاحا قديما لباب المغاربة خبأه معه منذ عام 1967 والتقط معهم الصور التذكارية.
الجندي المظلي السابق شرح لمديري الوقف والمسجد أنه عندما دخلت كتيبته رقم 71 من القدس الشرقية في حرب الستة أيام، مشى وحده بعد الاستيلاء على المدينة إلى أن وصل لبوابة المغاربة. "رأيت هذا المفتاح معلقًا على الجانب الأيسر. خلعته - لقد سرقته بالفعل.
ذهبت للبوابة، ووضعته في ثقب المفتاح، وأدرته وأغلقت القفل ثم فتحته، وفتحت البوابة ونزلت. ثم احتفظت بهذا المفتاح. لقد أردت إعادته عدة مرات، لأنه ليس لي - إنه للوقف، وقبل شهر قررت أن أفعل ذلك"، هكذا أخبر يائير الشيخ الخطيب.
"كما أعدت هذا المفتاح، يجب على إسرائيل أن تعيد للفلسطينيين الأرض والشرف والاستقلال والحرية والأمن" اختار يائير هذه الكلمات بعناية من أمام مكتب الوقف في البلدة القديمة.
وعلى الرغم من أن قفل باب المغاربة تم تغييره منذ ذلك الحين ولم يعد من الممكن استخدام ذلك المفتاح، إلا أن العجوز الثمانيني حريص على رمزية الأمر في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بالنسبة له إعادة هذا المفتاح يعني أنه يجب أن تعيد إسرائيل كل ما استولت عليه من الفلسطينيين في حرب الأيام الستة، بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
"أتمنى أن يكون هذا العمل الرمزي رمزًا لإعادة الأراضي لأصحابها. الأراضي المحتلة ليست لنا كما المفتاح ليس لي".
ويقول باراك "في مرحلة معينة بدأ يزعجني أنني كنت أمسك المفتاح. كرهت في الغالب ما كان يحدث في يوم مسيرة الأعلام في القدس. ثم قررت أنه في العام الخمسين، في عام 2017، سأعيده. لكن لم ينجح الأمر، حاولت إيجاد طريقة لإعادته، ولكن لم أستطع ذلك... شهدت زوجتي على ما قلته بضرورة إعادته".
يائير الذي يقطن في كيبوتس إسرائيلي قال بأنه أخبر ذات مرة بعض المتطوعين في مجتمعه عن المفتاح وتاريخه، فعرض عليه أحدهم أن يجمعوا له مبلغ عشرة آلاف دولار من أجله – لأن باب المغاربة هو الباب الأقرب لحائط البراق المسمى "بحائط المبكى" عند اليهود – لكنه رفض ذلك.
وقبل شهر ونصف، ظهرت فرصة جديدة ليائير ليعيد المفتاح عندما قرء في صحيفة هآرتس مقالاً عن الوضع الراهن في المسجد الأقصى والتوترات في شهر رمضان. فاتصل بالصحيفة وطلب المساعدة للوصول للوقف، وعندما سأله أحد الصحفيين إن كان يريد إعطاء المفتاح للجيش أو الشرطة، أجاب بصوت عالٍ "مستحيل. إنه ليس لهم. إنه مسروق، لقد سُرق كما سُرقت الضفة بأكملها".
وأختار الرجل المتقاعد الأسبوع المعروف إسرائيلياً "بذكرى توحيد القدس" ليعيد المفتاح احتجاجاً على مسيرة الأعلام ويوم القدس التي يقول بأنها "احتفالات كراهية".
لم يكن المفتاح هو الشيء الوحيد الذي استولى عليه يائير ذلك اليوم، لكنه كان الأكثر رمزية. بعد المعركة، ذهب إلى فندق إنتركونتيننتال ووجد "أن جميع الطاولات كانت معدة لتناول الطعام" قبيل احتلال إسرائيل للمدينة، وسرق من الفندق منفضة سجائر تابعة لخطوط الطيران الوطنية السورية كسرت منه في سنين لاحقة.
بعدها نزل للبلدة القديمة ووجد نفسه وحيداً وتابع السير نحو الحرم القدسي من باب الأسباط وأدرك عظم اللحظة عندما أبصر قبة الصخرة الذهبية. ووجد مفتاح باب الأسباط عندما اتجه للحائط الغربي.
دقائق ووصل حاخام الجيش الإسرائيلي شلومو جورين مع وفده المرافق، بينما خبأ يائير المفتاح في جيبه. وشارك بعدها في معركة أخيرة في البلدة القديمة حينما قامت قوة إسرائيلية بقتل 6 جنود أردنيين تحصنوا بسطح أحد المباني وأطلقوا منه النار على الجنود الإسرائيليين وقتلوا منهم واحد.
واستولى يائير على بندقية كاربين لجندي أردني قتل في البلدة القديمة.
منذ ذاك اليوم، أصبح لباب المغاربة رمزية كبيرة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في القدس. بعد عشرة أيام من الاحتلال، جاء وزير الدفاع موشيه ديان إلى الحرم القدسي والتقى بمسؤولي الوقف وأملى عليهم الوضع الراهن في المسجد الأقصى بأنه سيسمح للمسلمين بالصلاة ولغير المسلمين بالزيارة وأن الوقف هو المسؤول عن إدارة الحرم الشريف.
وأعطى مساعد ديان مفاتيح بوابات الحرم التي استولوا عليها لرئيس حراس الوقف آنذاك شاويش حسنين، ولكن ذلك لم يدم طويلاً.
لم يمض بضعة أسابيع حتى قام الحاخام العسكري جورين باحتلال مبنى مجاور لباب المغاربة في داخل الحرم القدسي، وجعل البوابة مدخل ومخرج للإسرائيليين، وأقام صلاة توراتية جماعية كبرى في شهر أغسطس عام 1967 إيماناً منه بأن تقريب الخلاص ونزول المسيح يكون من خلال القيام بأعمال درامية من هذا القبيل في الأقصى.
وعقد العزم بعدها على القيام بصلوات مماثلة في ساحة الحرم وفي مسجد عمر في البلدة القديمة، ما أثار مخاوف القيادات السياسية الإسرائيلية من تأجيج غضب العرب بحسب صحيفة هآرتس.
إدارة الوقف سارعت لإغلاق بوابة المغاربة فأمر موشيه ديان رئيس أركانه يتسحاق رابين بإصدار أمر لغورين بالانسحاب من الحرم وإخلاء المبنى الذي احتله، وأمر بالاستيلاء على مفاتيح الباب من إدارة الوقف.
منذ ذلك اليوم، تمركزت الشرطة العسكرية أمام البوابة التي أصبحت تحت إشراف الجيش الإسرائيلي ومن ثم الشرطة الحدودية "الماجاف".
في عام 2000، أغلق باب المغاربة بعد اقتحام رئيس الوزراء أريئيل شارون الأقصى واندلاع الانتفاضة الثانية.
لكن السلطات الإسرائيلية فتحت البوابة لدخول غير المسلمين عام 2003 على الرغم من اعتراض الوقف، وأصبح باب المغاربة رمزاً للاحتلال الإسرائيلي للحرم الشريف منذ ذلك الحين.
في كل مرة يتصاعد فيها التوتر في المسجد القبلي الواقع أمام البوابة، تقوم الشرطة الإسرائيلية باقتحام الحرم القدسي من باب المغاربة ومهاجمة الشبان الفلسطينيين بالضرب والغاز والرصاص المطاطي.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة