لا يأت دي سانتيس مُسلحا فقط بأدوات القرن الواحد والعشرين، بل إن المرشح البالغ من العمر ٤٤ عامًا فقط يحمل في جعبته رموزا عدة للحُلم الأميركي الخالص، كما تصوره الأعمال الفنية.

في الجامعة، التحق بـ ييل دون غيرها، حيث درس التاريخ، وتولى قيادة فريق البيسبول، ولم يلبث أن درس القانون، لكن هذه المرة في جامعة هارفرد.

ولتكتمل ملامح الحُلم، انضم في سنته الثانية للبحرية الأميركية، حيث دخل فيلق المدعي العام، ومارس الأعمال القانونية وتقاطع مع معتقلي غوانتانامو، وقدّم خدمات استشارية للبحرية الأميركية في العراق، حسب هيئة الإذاعة البريطانية.

بالرغم من تلك السيرة الذاتية الأميركية بامتياز، تبدو توجهات الأميركيين فيما يخص دي سانتيس شديدة التباين، بينما تعتبره الأجنحة اليمينية بمثابة نجم ومدافع عن رؤاهم، يُنظر للسياسي، من جهة اليسار، كيميني متطرف، بسبب منجزاته أثناء توليه منصب حاكم ولاية فلوريدا.

بحلول يوليو من العام ٢٠٢٠ أمر دي سانتيس بإعادة فتح المدارس أبوابها أمام الطلاب، بينما كان العالم ما يزال في إغلاق تحت وطأة الجائحة، كما وقّع الحاكم أيضا قانونا لمنع أغلب حالات الإجهاض بعد الأسبوع السادس، كخطوة في طريقه لجعل فلوريدا "ولاية مناصرة للعائلة" على حد وصفه.

من جهة أخرى أتاح دي سانتيس التوسع في استخدام عقوبة الإعدام، ودعم الحقوق المتعلقة باستخدام الأسلحة النارية.

على مدار أعوام، وبالتحديد منذ بدء تنافسه على لقب حاكم فلوريدا، كان دي سانتيس ليبدو مواليًا لترمب وسياساته على طول الخط، وكأن ترمب مُرشده في عالم السياسة الذي انضم إليه في العام ٢٠١٢ فقط، بيد أن الرجلين يدخلان اليوم في منافسة محتدمة.

في حين يحاول تصدير صورة ذهنية عن نفسه تضعه في إطار "المتمرد الحقيقي" بين المرشحين للرئاسة، يحاول ترمب من الجهة الأخرى تحطيم صورة حليفه السابق أمام الجماهير، إذ يلقي دي سانتيس انتقادات لاذعة مؤخرًا، بحسب CNN Politics، عندما تذكّره الجماهير بتأييده السابق للقاحات Covid– 19 في بداية الجائحة، وتحاول النيل من مصداقيته لدى المحافظين الرافضين للقاحات.

حاكم فلوريدا بدوره يعلن بأريحية في دوائر المتبرعين أن ترمب لم يعد بالضرورة مرشحا منافسا محتملا، وذلك وفقا لمحادثة هاتفية حديثة استمع إليها صحفيو نيويورك تايمز الأميركية.

على الهاتف مع المتبرعين، حدد دي سانتيس أن هناك ثلاث أشخاص فقط يتمتعون بالمصداقية الكافية لخوض غمار الانتخابات، وهم جو بايدن، ودونالد ترمب، وهو نفسه، لكنه يستطرد أن اثنين فقط لديهما فرصة حقيقية في المنافسة "بايدن وأنا. وفقا لبيانات الولايات المتأرجحة التي لا تميل لصالح الرئيس السابق والتي تبدو غير قابلة للتعديل أيضًا، فالناس لن يغيروا آراءهم فيه".

خلال تلك المحادثة أيضا، استدعى دي سانتيس عبارات ناخب زعم أنه التقاه خلال فعالية في ولاية آيوا حيث قال له "أتعلم، لقد كنا معجبين بسياسات ترمب في حين لم تُعجبنا قيمه. ولكن بالنسبة لك، تعجبنا سياساتك كما تشاركنا قيمنا".

فيما يخطو خطواته الأولى نحو المنافسة على إقامة كاملة في المكتب البيضاوي، يرى محللون أن توجهات حاكم ولاية فلوريدا المتعلقة ملفات السياسة الخارجية ما تزال ضبابية، ففيما يشير المقربون منه أنه إما منغمس في القراءة حول قضايا الأمن القومي، يعتقد الصحفي بمجلة بوليتيكو، ألكسندر وارد، في تحليل نشره مارس الماضي، أن تتبع خطابات دي سانتيس وكتبه وبعض مواقفه الأخرى قد تُعطينا مؤشرات عن سياساته الخارجية.

• أميركا أولا.. بالطبع

تتضمن تلك المؤشرات رؤى جمهورية أصيلة، تُشبه خطاب ترمب في بعض أجزاءها، الأمر الذي يعتبره الحرس القديم في الحزب الجمهوري محض لُعبة سياسية لحصاد الأصوات وفقًا لتحليل وارد.

• التدخل في الخارج بحساب

بعض من ملامح مواقفه من المنطقة العربية تظهر أيضًا خلال بعض مداخلاته في الكونغرس، بالتحديد في العام ٢٠١٤ وقت محادثات حول كيفية هزيمة داعش، إذ اعتبر دي سانتيس أن الأميركيين يضجرون من الحرب بشكل عام، بل هم مستعدون لفعل أي شيء للدفاع عن شعبهم، مضيفًا "لكنهم يضجرون من المهام التي تُطلق دون وضع استراتيجيات متماسكة، كما ملوا من الاحتكاكات التي لا تُسفر عن نتائج غير نهائية بدلا من الانتصارات الحاسمة".

أما عن تسليح المتمردين على نظام بشار الأسد، فقد رفضه دي سانتيس مؤكدا أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على هؤلاء المسلحين للدفاع عن مصالحها.

• اتفاق سلام في فلسطين؟ لا يستحق المجهود

الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، تبدو بعض جوانبه محسومة بالفعل لدى دي سانتيس الذي يؤمن أن العمل على اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين لا يستحق العناء.

كعضو في الكونغرس وكحاكم لولاية فلوريدا، زار دي سانتيس إسرائيل ٤ مرات، وفي إبريل من العام الجاري، انطلق في جولة عالمية أخرى قبيل إعلان انخراطه رسميًا في السباق الرئاسي، وتضمنت زيارته اليابان، وكوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة، وإسرائيل.

• الاتفاق الإبراهيمي؟ على خُطى ترمب

على منصة خطابات أنيقة، كُتب عليها "متحف التسامح– القدس" باللغات العربية والعبرية والإنكليزية، تحدث دي سانتيس للجمهور الإسرائيلي، وحشد من المتبرعين الأميركيين المحافظين. ووفقًا لتحليل الصحفي إيشان تارور في صحيفة واشنطن بوست، "كان عليه التأكيد على تحالفه الوثيق مع إسرائيل، فما كان منه إلا أن تبنى نهج ترمب".

في حديثه بالقدس، أثنى دي سانتيس على قرار نقل السفارة الأميركية للمدينة، كما زعم أنه شارك في الجهود المبذولة لتحقيق هذا الغرض أثناء عضويته بالكونغرس، بجانب تأكيده على ضرورة زيادة التحالفات التي دعمها الرئيس السابق دونالد ترمب ما بين إسرائيل وبعض الدول العربية كالمغرب والبحرين والإمارات العربية المتحدة.

إلا أن دي سانتيس بالكاد ذكر كلمة فلسطيني خلال خطابه في أبريل، بحسب تحليل واشنطن بوست، "ذكر كلمة فلسطيني مرة واحدة فقط وكانت مرادفا لكلمة إرهابي، كما أنه دعا الصحفيين للتأكد من استخدام لفظ "أراضٍ متنازع عليها" لوصف الضفة الغربية بدلًا من لفظ "أراضٍ محتلة".

بين العاملين في الدوائر السياسية، عادة ما يشار لحاكم ولاية فلوريدا باسم ساخر "ترمب، ولكن بعقل".

ينشد التعبير بالطبع النيل من الانفعالات غير التقليدية للرئيس السابق دونالد ترمب، الذي طالما احتل موقعا ثابتا في عناوين الصحف كلما ظهر في محفل عام، فإما يُدلي بعبارة مغلوطة علميًا ومثيرة للجدل، أو يطلق تعليقا خارج الحدود البروتوكولية.

على الجهة الأخرى، يبدو رون دي سانتيس، نسخة هادئة الطباع من ترمب، خاصة مع تشابهات الأجندة السياسية للثنائي، البعض رغم ذلك يشير إلى وجه آخر لحاكم فلوريدا يبدو فيه حاد الطباع.

لا يتعاطف مع محتاج

على سبيل المثال، تلاحق دي سانتيس، اتهامات شتى بشأن سلوكه غير الودود كزميل عمل أو رئيس، فلا يقدم المجاملات البسيطة كالأمنيات الطيبة في حالات المرض أو التعازي في حالات الوفاة، كما أنه لا يُبد تعاطفًا تجاه المرضى. وفقًا لتقرير أعدته مجلة نيويورك، وجه دي سانتيس سابقا بطرد أحد مسؤولي الحزب الجمهوري في ولاية فلوريدا بعد أسبوع واحد فقط من عودته للعمل بعد الخضوع لجراحة.

أما الموظفين لدى دي سانتيس والعاملين بالقرب منه فعادة ما يمزحون بشأن كراهيتهم لحاكم فلوريدا ورغبتهم في تدميره، وبحسب التقرير ذاته، فأنهم يعتقدون أن دي سانتيس ما يزال يجهل أسماءهم بعد سنوات من العمل اللصيق.