سياسة

هجوم بيلغورود.. زيلينسكي يضع أميركا على تماس عسكري مع الكرملين

نشر

.

Muhammad Shehada

استيقظ الروس صباح يوم الإثنين على حدث غير مسبوق، عشرات المسلحين تسللوا إلى إقليم بيلغورود من أوكرانيا وحاولوا الاختباء وسط المنازل والمباني السكنية. ما أشعل معركة استمرت لنحو 24 ساعة حتى أعلنت موسكو الانتصار. لكن ذلك الهجوم الأكبر على الأراضي الروسية منذ بدء الحرب في أوكرانيا أخذ منحى أشد خطورة عندما ادعت السلطات الروسية بأن المدرعات العسكرية المستخدمة في العملية كانت من صنع أميركي.

الهجوم

70 عنصرا أوكرانيا من الميليشيات المتسللة ومدنيان روس هم حصيلة قتلى هجوم بيلغورود بحسب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بعد معارك ضارية استخدمت فيها المدفعيات وقذائف الهاون والمركبات المدرعة. تبع ذلك هجمات أوكرانية كبيرة من طائرات مسيرة انتحارية مساء الثلاثاء ألحقت أضراراً بمركبات خاصة ومنازل ومكاتب، بينما تضرر خط غاز في قرية غريفورون متسببا باندلاع حريق محدود صباح الأربعاء بحسب حاكم المنطقة فياتشيسلاف جلادكوف.

من المتهم؟

"أوكرانيا تراقب باهتمام الأحداث في منطقة بيلغورود في روسيا وتدرس الوضع، لكن لا علاقة لها بالهجوم. كما تعلمون، تُباع الدبابات في أي متجر عسكري روسي، وتتألف مجموعات حرب العصابات السرية من مواطنين روس"، بهذا التهكم نفى مستشار الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولياك أن يكون الهجوم نابعاً من الأراضي الأوكرانية، مشيراً أن الهجوم هو تمرد وصراع داخلي روسي.

لحظات وادعى رجل اسمه دينيس كابوستين من داخل أوكرانيا بأنه مواطن روسي قائد لمجموعة مسلحة تسمى "بفيلق المتطوعين الروس" وأن مجموعته وتنظيم مسلح آخر يسمى "فليق حرية روسيا" هما المسؤولان عن الهجوم على بيلغورود. وهدد كابوستين في حديث لصحفيين على الجانب الأوكراني من الحدود الروسية بأن الهجوم لن يكون الأخير وأنهم سيواصلون العمل ضد الحكومة الروسية.

لكن ادعاءات كييف بالحياد تآكلت أمام كشف وزارة الدفاع الروسية عن أن المركبات المستخدمة في الهجوم مدرعات أميركية الصنع من طراز ماكس برو إنترناشونال المضادة للألغام وفرتها الولايات المتحدة حصراً للحكومة الأوكرانية.

أكدت صحيفة نيويورك تايمز صحة هذا الادعاء بناءً على مقاطع مصورة للهجوم قارنتها بالمركبات التي أعلنت عنها السلطات الروسية. هذا يعني أن العملية في بيلغورود تمت بموافقة الجيش الأوكراني وتشجيعه وإشرافه، بينما سارعت الولايات المتحدة لنفي أي دور لها في "تشجيع أو تمكين" هذا الهجوم في داخل روسيا.

الخط الأحمر

يحرص الغرب منذ بداية الحرب ألا تقوم أوكرانيا بمهاجمة الأراضي الروسية، وخاصةً باستخدام أسلحة غربية، كي لا تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول الحرب لمواجهة مباشرة ما بين روسيا والغرب وهو ما قد يعني حرباً نووية. لذلك، وعلى الرغم من منح أوكرانيا أسلحة أميركية متطورة بمليارات الدولارات، امتنع الرئيس الأميركي جو بايدن عن إمداد أوكرانيا بصواريخ تكتيكية بعيدة المدى المسماة بنظام ATACMS القادرة على ضرب أهداف تصل إلى 185 ميل. وقد أكد الرئيس الثمانيني منذ بداية الحرب بأن حكومته "لا تشجع أو تمكّن أوكرانيا من الضرب خارج حدودها".

تسريبات البنتاغون الأميركي أشارت لنية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مهاجمة أهداف في العمق الروسي، وهو ما شكل صدمة للمجتمع الغربي الذي ينظر لزيلينسكي كرجل دولة هادئ ورزين يحاول الدفاع عن بلاده والتغلب على الهجوم الروسي. بينما تصور تلك التسريبات الرئيس الأوكراني كزعيم "لديه غرائز عدوانية تتناقض بشدة مع صورته التي يوجهها للجمهور" بحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

وثائق البنتاغون ذكرت أن المسؤولين في كييف انهمكوا في وضع خطط لمهاجمة روسيا بضربات جماعية "بكل ما تمتلكه مديرية المخابرات العسكرية من إمكانيات"، بما في ذلك شن هجوم بحري عنيف على مدينة نوفوروسيسك الروسية في ذكرى الحرب الأولى في شهر فبراير الماضي.

بينما أراد زيلينسكي احتلال قرى روسية كورقة ضغط على موسكو، وقصف روسيا بصواريخ بعيدة المدى وتفجير أنابيب النفط بين روسيا وهنغاريا إحدى الدول الأعضاء في الناتو. وقد ضغطت أجهزة المخابرات الأميركية بقوة لثني الحكومة الأوكرانية عن تلك الخطط خوفاً من رد الفعل الروسي.

لذلك يدل الهجوم الأخير داخل الأراضي الروسية على أن الأسلحة الغربية بحوزة أوكرانيا تخولها التحول من الدفاع عن النفس إلى الهجوم المباشر على الأراضي الروسية وأن كييف ما زال لديها النية والعزم لتنفيذ ذلك، وهو ما يمثل نقطة تحول خطيرة في الحرب.

الأسلحة الغربية

في بداية شهر مايو، وفرت بريطانيا لزيلينسكي صواريخ كروز بعيدة المدى بقدرات تخف من طراز ستورم شادو قادرة على ضرب أهداف على بعد 155 ميلا، ما قد يمكن أوكرانيا من مهاجمة أهداف في العمق الروسي.

يضاف إلى ذلك إمداد الدول الغربية الجيش الأوكراني بصواريخ بريمستون البريطانية الموجهة بالليزر، ومدافع قيصر الفرنسية، ودبابات ليوبارد الألمانية، والمدرعات والدبابات الأميركية برادلي وماكس برو وأبرامز، ومنظومة باتريوت المضادة للصواريخ وقريباً طائرات إف-16 الأميركية. في الواقع، نمت واردات أوكرانيا من الأسلحة بنسبة تزيد عن 8000% بين الأعوام 2018-2022 مقارنة بالأعوام 2014-2017، ما جعل أوكرانيا الدولة الثالثة عالمياً في استيراد الأسلحة العام الماضي بعد أن كانت خارج الدول الأربعين الأولى في التصنيفات السابقة.

كارثة عالمية

الدول التي تمد أوكرانيا بأسلحة أكثر قوة تخاطر بتدمير بلادها، هذا كان التحذير العلني لرئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين في شهر يناير الماضي. وأضاف حينها "إمدادات الأسلحة الهجومية لنظام كييف ستؤدي إلى كارثة عالمية. إذا زودت واشنطن وحلف شمال الأطلسي بأسلحة يمكن استخدامها لضرب المدن السلمية والقيام بمحاولات للاستيلاء على أراضينا كما يهددون بذلك، فسيؤدي ذلك إلى انتقام بأسلحة أكثر قوة".

في نهاية شهر مارس الماضي، حذر أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف المقرب من بوتين من أن لدى بلاده الأسلحة اللازمة لتدمير الولايات المتحدة أو أي عدو آخر إذا تم تهديد وجود روسيا، مذكراً بالترسانة النووية الهائلة التي تمتلكها موسكو.

لذلك يشكل التحول الأخير في الهجوم المسلح ضد إقليم بيلغورود نقطة انعطاف خطرة قد تأثر سلباً على الأمن العالمي في حال جرَّت مثل هذه الخطوة لتصعيد كبير في المعارك المستمرة أو أدى تكرارها لأن تقوم روسيا بتنفيذ تهديداتها ضد إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو التي تمد أوكرانيا بالسلاح.

ما يفاقم من هذا المأزق هو تحذير زعيم مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين عقب الهجوم على بيلغورود بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يواجه ثورة مماثلة للثورة البلشفية التي وقعت عام 1917 ويخسر الحرب في أوكرانيا ما لم تبد النخب الروسية مزيداً من الجدية والحزم في الحرب.

سبب الهجوم على بيلغورود

ادعى فيلقا "حرية روسيا" والمتطوعون الروس في تصريحات لمحطة الإذاعة الأوكرانية العامة Suspilne أنهم شنوا الهجوم بهدف إنشاء "منطقة منزوعة السلاح على الحدود مع الاتحاد الروسي لن تمكن موسكو من قصف أوكرانيا".

تعددت التكهنات عن المقصد الرئيسي لكييف من شن العملية المسلحة ضد بيلغورود في هذا التوقيت على وجه الخصوص. فادعى البعض بأنها تأتي للتغطية على استيلاء قوات فاغنر الروسية على باخموت، وبالفعل إحدى المدرعات المشاركة في الهجوم كان مكتوباً عليها عبارة "انتقاماً لباخموت".

بينما يرى البعض الآخر بأن هدف العملية هو إشغال الروس عن الجبهة الجنوبية ودفعهم لزيادة تحصيناتهم العسكرية داخل الحدود الروسية مع اقتراب الهجوم المضاد الأوكراني الموعود على الأقاليم الجنوبية التي تسيطر عليها روسيا. ويجادل محللون بأن زيلينسكي يريد زعزعة استقرار روسيا داخلياً وتأليب الشعب الروسي ضد نظام بوتين عبر إذاقتهم ألم الحرب.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة