سياسة

كيف تساعد المنابر التطرف الإسرائيلي؟

نشر

.

Muhammad Shehada

" لا تنخدع ولا تكن ساذجًا. هذا ليس صراعاً على الأرض، وإنما هي حرب دينية ينفذها قتلة مغسولي الدماغ مبرمجين للبحث عن الدم اليهودي منذ سن الصفر" كلمات افتتحت بها وزيرة الدعاية الإسرائيلية جاليت ديستل أتابريان مقطع فيديو دعائي عقب إحراق المستوطنين لقرية حوارة في شهر شباط الماضي للتعليق على حادث قتل مستوطنين إسرائيليين بالقرب من حوارة في نفس اليوم.

يستعمل الفلسطينيون في بعض الأحيان كلمتا "إسرائيلي" و"يهودي" بشكل متبادل باللغة العامية، مع استعمال كلمة يهودي بشكل أكبر نظراً لسهولة الأخيرة على اللسان العربي. ولكن اليمين الإسرائيلي يعتبر أي تصريح أو مقطع فيديو يستخدم فيه الفلسطينيون كلمة "اليهود" كنزاً دعائياً، وتحديداً إن جاءت من خطبة شيخ في مسجد.

"لا يوجد احتلال"

قد تبدو تصريحات الوزيرة الإسرائيلية مسألة عنصرية أو تحريض من سياسي متشدد في أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، ولكنها تخفي حملة ممنهجة من اليمين الإسرائيلي لإعادة تعريف الصراع كحرب دينية بين اليهود والمسلمين بدلاً من مسألة احتلال للأراضي الفلسطينية وانتهاك لحقوق الفلسطينيين الأساسية. فمن شأن هذا التعريف أن يستجلب تعاطفاً غربياً أكبر على وقع التجربة التاريخية باضطهاد اليهود في أوروبا ومعاداة السامية.

"لا يوجد احتلال" هي أولى حملات وزارة الدعاية الإسرائيلية التي أوجدت حديثاً في حكومة نتنياهو بينما تسعى إسرائيل لتوسيع المستوطنات وبسط السيطرة بشكل غير قانوني على أغلب أراضي الضفة الغربية المحتلة وبوتيرة أسرع من أي وقت مضى. هذه الرواية تستند إلى إطار ديني للصراع يكون فيه سبب أفعال المقاومة الفلسطينية المسلحة هو التحريض في المدارس ومحطات الإعلام ومؤسسات الدولة ضد إسرائيل واليهود على وجه التحديد.

كيف تساعد المنابر هذا التطرف؟

شكر المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي قيادياً بارزاً في حركة حماس في العام 2019 على "هدايا إعلامية ثمينة جداً" تستخدمها إسرائيل "لحشد الدعم" بعد أن دعا الأخير فلسطينيي الشتات لقتل اليهود في الخارج إن لم ترفع إسرائيل حصارها عن غزة. سارعت الحركة للتبرؤ من هذه التصريحات وقامت رموز فلسطينية بارزة بانتقاد القيادي فتحي حماد بأشد العبارات، ولكن وقع الفأس بالرأس.

بين الحين والآخر، يستعين بعض رجال الدين أو السياسيين بالنصوص الدينية والتاريخية ضد اليهود لحشد عواطف ومساندة الشارع العربي أو الفلسطيني بشكل أسرع، ولكن مثل لكن النهج يصب بشكل خطير في مصلحة اليمين الإسرائيلي وبشدة.

تتصيد العديد من المنظمات الإسرائيلية أو الداعمة لإسرائيل لمثل هذه التصريحات أو زلات اللسان بشكل ممنهج من قيادات الأحزاب الفلسطينية أو الخطب الدينية على منابر المساجد أو برامج الأطفال المتلفزة أو مقاطع الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي لوضعها في قواعد بيانات مرئية ومسموعة ومترجمة للعديد من اللغات بهدف نزع الشرعية عن القضية الفلسطينية.

لماذا تستخدم وزيرة إسرائيلية فيديوهات إسلامية؟

أطلقت وزيرة الدعاية الإسرائيلية مقطعاً مصوراً آخر تقول فيه بأن الفلسطينيين "هم طائفة مريضة تقدس الموت مبنية على عنصرين لا ينفصلان: القتل والانتحار". واستعانت غاليت أتابريان بمقطع لطفلة فلسطينية دون سن الثامنة تقلي قصدية أحد أبياتها يقول "فسلاحنا إسلامنا وذخيرتنا أبناؤنا" لإثبات حجتها التحريضية بأن معركة الفلسطينيين هي مع اليهود.

يلقي اليمين الإسرائيلي اللوم على "معاداة السامية" و"كراهية اليهود" في المناهج الفلسطينية والخطاب الإعلامي والمؤسسي كسبب الصراع الرئيسي، وتم إنشاء مؤسسات داعمة لإسرائيل تنشط بوصم الكتب الدراسية الفلسطينية على وجه التحديد. هذه الدعاية تلقى قبولاً بشكل متزايد من السياسيين في المجتمع الغربي.

على سبيل المثال، في أثناء تحضير البرلمان الأوروبي لتقرير قادم عن العلاقة مع الفلسطينيين، تقدم العشرات من أعضاء البرلمان من اليمين واليمين الوسطي بإضافات على التقرير تدين "التحريض الفلسطيني الممنهج" و"الكتب الفلسطينية المحرضة على العنف والتطرف" نحو تسع مرات و"الأعمال الإرهابية ضد اليهود" في أربعة مواطن. كما وتقدم أربعة عشر عضو من مجلس الشيوخ الأميركي بمشروع قرار في شهر شباط الماضي بوقف المساعدات المقدمة لوكالة الغوث الدولية محتجين بوجود تحريض ضد اليهود في المناهج الفلسطينية.

كل ذلك على الرغم من أن تحقيق معمق ممول من قبل الاتحاد الأوروبي أشار بالتزام الكتب المدرسية الفلسطينية بمعايير اليونسكو وبأنها تعكس مجرد مظاهر "البيئة المشبعة بالاحتلال المستمر والصراع" التي يعيش فيه الفلسطينيون وليس التحريض أو خطاب الكراهية.

ماذا يجمع أحمد ياسين ومناحيم فرومان؟

حرص مختلف قيادات فتح وحماس على حدٍ سواء بالنأي بالقضية الفلسطينية عن أي إطار يصورها كالصراع مع اليهود. فأحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، أكد في تصريح صحفي "نحن لا نكره اليهود ونقاتل اليهود لإنهم يهود. هم أهل دين ونحن أهل دين." مستطرداً بأنه كان ليقاتل أخاه من نفس الأب والأم والدين لو اعتدى على أرضه. كما أن أبرز قيادات حماس كانت على مقربة من المحامي اليهودي الأميركي ستانلي كوهين المدافع عن القضية الفلسطينية.

للتأكيد على أن جوهر الصراع مع الاحتلال فقط، التقى كل من رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين مع الحاخام اليهودي الإسرائيلي المناصر للسلام مناحيم فرومان في نهاية القرن الماضي. كما استقبل رئيس المكتب السياسي لحركة إسماعيل هنية العديد من الوفود اليهودية المتضامنة وقام بتكريمهم في غزة. وحرصت حركة حماس مؤخراً على تقديم التعازي للضحايا اليهود بعد مذبحة كنيس بيتسبيرغ في الولايات المتحدة وأدانت الفعل بأشد العبارات بوصفه فعلاً إرهابياً.

ذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس لخطوة أبعد من ذلك، حيث استقبل وفوداً إسرائيلية من أنصار حل الدولتين بشكل دوري للتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي فقط صراع ضد الاحتلال العسكري وبالإمكان تحقيق السلام بين الجانبين بزوال هذا الاحتلال.

ما هو السلام الهجومي؟

اتجاه الخطاب الفلسطيني نحو الاعتدال يعتبر أكبرُ خطراً من الشعارات المتطرفة في نظر اليمين الإسرائيلي.

أسس المحلل السياسي الإسرائيلي أفنر يانيف مصطلح "السلام الفلسطيني الهجومي" في العام 1982 لوصف خطر أن تصبح القيادات الفلسطينية للوسطية والاعتدال السياسي مما سيزيد من قبولهم دولياً وبالتالي نفاذ الحجج الإسرائيلية لإنهاء الاحتلال.

أوصى يانيف يانيف بأن تستخدم إسرائيل "أقسى الضغوط العسكرية" ضد الفلسطينيين لإضعاف التيارات المعتدلة وتقوية التيارات المتشددة التي تمكن اليمين الإسرائيلي من لعب دور الضحية في معادلة الصراع.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة