سياسة

"الأصوات المستوردة".. كيف فاز أردوغان في الانتخابات؟

نشر

.

Ismail Kaya

من البوابة الحدودية بين بلغاريا وتركيا دخلت سيارة مسجلة في الاتحاد الأوروبي إلى تركيا كانت مزينة بأعلام حزب العدالة والتنمية الحاكم قبل أن يوقفها شاب تركي غاضب بدأ بالصراخ بحرقة على صاحب السيارة الذي اتهمه بأنه "يعيش في رغد أوروبا" ويأتي لمنح صوته لأردوغان "دون أي شعور بأتراك الداخل" الذين يعانون من سياسات أردوغان الاقتصادية وما زال قادراً على الفوز بأصوات أتراك الخارج بشكل عام وأوروبا بشكل خاص، بحسب تقديره.

شعور الغضب هذا تصاعد بشكل غير مسبوق في الأيام الماضية وأبدت شريحة واسعة من الأتراك غضبهم من نظرائهم الذين يعيشون في الخارج ويمنحون أصواتهم لأردوغان الذي نجح في حصد أكثر من 65 بالمئة من أصواتهم وتقول المعارضة إنهم يلعبون دوراً حاسماً في نجاح أردوغان.

هذا الهجوم على أتراك الخارج، جاء عقب الهجوم المنظم الذي استهدف اللاجئين السوريين والعرب الحاصلين على الجنسية التركية طوال الفترة الماضية باعتبار أن معظم أصواتهم يذهب إلى أردوغان الذي فاز بفارق ضئيل في ظاهرة أصبحت تعرف بـ "الأصوات المستوردة" تشمل بحسب البعض أصوات المجنسين العرب وأتراك الخارج أيضاً حيث تروج المعارضة لفكرة أن أردوغان فاز بفضل أصواتهم.

هل فاز أردوغان بأصوات العرب؟

بحسب أحدث تصريح رسمي لوزير الداخلية التركي سليمان صويلو فإن 230 ألف سوري حصلوا على الجنسية التركية في السنوات الأخيرة بموجب آلية عملت بها الحكومة لتجنيس جانب من قرابة 5 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا منذ بداية النزاع السوري عام ٢٠١١، وبحسب الوزير نفسه فإن من بينهم 130 ألف راشد أي من بلغوا 18 عاماً وهو ما يعني أنهم الأشخاص الذين يحق لهم الانتخاب بموجب القانون التركي.

لكن هذا الرقم يبقى المعلن عنه رسمياً وهو ما لا يتوافق مع تقديرات المعارضة التي تتهم الحكومة بانها تعلن أرقام أصغر لأعداد المجنسين من اللاجئين السوريين وأن الرقم الحقيقي هو أكبر من ذلك بكثير، حيث تُقدر أوساط غير رسمية بأن العدد لا يقل عن 500 ألف على أقل تقدير، يضاف إليهم عشرات آلاف العرب الذين حصلوا على الجنسية من خلال شراء العقارات أو الاستثمار أو التجنيس التقليدي بناء على إقامة عمل لخمس سنوات.

لكن هذا الرقم يبقى متواضعاً إذا علمنا أن عدد سكان تركيا نحو 85 مليون نسمة، يحق لـ 64 مليون منهم التصويت في الانتخابات ما يعني أن الرقم التقديري 500 ألف ناخب من أصول عربية يبقى رقماً متواضعاً مقارنة بإجمالي عدد الناخبين وبالتالي فإن تأثيرهم في تحديد مجرى الحياة السياسية التركية يبقى محدوداً بشكل عام، إلا أن حساسية الانتخابات وتقارب أصوات المتنافسين زاد من أهميتها بشكل كبير جداً.

وبحسب النتيجة شبه النهائية للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، فإن أردوغان فاز بفارق 4.3 بالمئة من أصوات الناخبين وهو ما يعادل 2.3 مليون صوت وهو ما يعني أن أصوات المجنسين العرب لا يمكن اعتبارها حاسمة في فوز أردوغان حتى لو افترضنا أن جميع أصواتهم ذهبت لأردوغان وانما عامل مساعد كون الفارق كان أكبر بكثير من نسبة أصواتهم التي لا تمثل سوى أقل من 1 بالمئة من إجمال عدد الناخبين الأتراك.

جدل أتراك الخارج

مع توسع الفارق إلى قرابة 2.3 مليون صوت، لم يعد مقنعاً الحديث عن أن أردوغان فاز بأصوات المجنسين السوريين والعرب وهو ما وسع الهجوم ليشمل هذه المرة أتراك الخارج والذين يزيد عددهم عن عدد المجنسين العرب بكثير وصوتوا بأغلبية وصلت إلى 60 بالمئة لأردوغان وخاصة من دول الاتحاد الأوروبي التي يعيش فيها ملايين الأتراك.

يبلغ إجمالي الأتراك الذين يحق لهم التصويت في خارج تركيا 3.4 مليون ناخب، شارك منهم في التصويت بالجولة الثانية للانتخابات الرئاسية 1.75 مليون ناخب، صوت أكثر من مليون منهم لأردوغان وهو ما رجح كفته بشكل أساسي حيث بقيت أصوات كليتشدار أوغلو توازي أصوات أردوغان إلى حين بدء فرز أصوات الخارج التي رجحت كفة أردوغان بشكل لافت وهو ما عزز الاعتقاد بأن أصوات الخارج هي من منحت الرئيس التركي الفوز بشكل أساسي وحولت وجهة هجوم المعارضة من المجنسين العرب إلى أتراك الخارج.

وبعملية حسابية مبسطة فإنه يمكن اعتبار أن أصوات أتراك الخارج والمجنسين العرب والتي تتجاوز 2 مليون صوت على أقل تقدير يمكن اعتبارها أنها لعب بالفعل دوراً مهماً جداً في فوز أردوغان، لكن يبقى من الصعب أنها هي من لعبت لوحدها الدور الحاسم في فوزه حيث توجد الكثير من الأسباب الأخرى ومنها تراجع نسبة التصويت في الجولة الثانية والإحباط الذي انتاب ناخبي المعارضة عقب خسارة الأغلبية البرلمانية في الجولة الأولى.

انقسام اجتماعي بين المواطنين

غضب المعارضة عقب الخسارة وهجومها على أتراك الخارج أدى لغضب أكبر من شريحة واسعة من المواطنين الذين استنكروا الهجوم على "الخيار الديمقراطي" لمواطني الخارج والنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية فيما يتعلق بالمشاركة الديمقراطية والحق في التصويت وبالتالي الاختيار.

ويستند مهاجمو أتراك الخارج على فكرة أن ملايين الأتراك الذين يعيشون في أوروبا ويتمتعون بظروف اقتصادية وحياتية أفضل من تلك المتاحة لهم في تركيا يقومون بانتخاب أردوغان بأغلبية كبيرة تصل في بعض الدول الأوروبية إلى 70 بالمئة حيث يستفيدون من انخفاض سعر الليرة التركية أمام اليورو والدولار ويأتون إلى تركيا للسياحة فقط وبالتالي فإنهم "لا يشعرون بمعاناة أتراك الداخل".

في المقابل، يقول أتراك يعيشون في أوروبا إن توجههم لانتخاب أردوغان لا يتعلق بمصالح شخصية وإنما ناتج عن قناعة سياسية وقدرتهم على مقارنة الأوضاع في أوروبا وتركيا وبالتالي فإنهم يرون أن تركيا وصلت إلى مرحلة متقدمة في عهد أردوغان رافضين التشكيك في "وطنيتهم".

وما بين المعسكرين يبقى المتغير الأهم أنه وللمرة الأولى أدى التجاذب السياسي الحاد والانقسام غير المسبوق بين التوجهات السياسية إلى إحداث شرخ اجتماعي في نظرة شريحة من المواطنين اتجاه شريحة أخرى مروراً في الشتكيك بـ"وطنيتها" ووصولاً إلى مطالبات بسحب حق التصويت من أتراك الخارج باعتبار أن "أهل مكة أدرى بشعابها" وأن مواطني الداخل هم فقط من يحق لهم تقرير من يحكمهم وليس من يزور البلاد كسائح حتى لو كان مواطناً.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة