سياسة
.
الهلع والخوف سيطرا على الرجل الأفغاني علي جان حينما وجد نفسه مكبل اليدين عام 2012 يجرّه جنود من الجيش الأسترالي في مدينة داروان الجنوبية إلى حافة منحدر على ارتفاع عشرة أمتار وتحته حفرة جافة من قاع نهر انحسر منسوبه. دبت خطوات أحد الجنود الأعلى رتبة بثقل، واقترب من علي وركله في صدره، ما أسقطه من أعلى الجرف ليرتطم على وجهه.
نجا الأفغاني الشاب من السقوط، لكنه أصيب بجروح بالغة. حاول بجهد الوقوف على قدميه والفرار لكن الجنود وصلوا إليه. ثم أمر الجندي الأعلى رتبة أن يطلق أحد الأفراد من طاقمه النار على الرجل المصاب وأن يرديه قتيلاً. ثم سحبوا جثته لحقل قريب.
عاد الجيش الأسترالي أدراجه من أفغانستان، وكان أحدهم جندياً يدعى بن روبرتس سميث، 44 عاما، أغدقت عليه الحكومة بالتكريمات ليصبح أكثر جندي حي حاصل على أوسمة في البلاد، كوسام الشجاعة في عام 2006 ووسام صليب فيكتوريا لأستراليا عام 2011 وتكريم الخدمة المتميزة عام 2012.
الملكة الراحلة إليزابيث في استقبال روبرتس سميث عام ٢٠١١ بعد تكريمه بوسام صليب فيكتوريا. رويترز
بِن أصبح بطلاً لسنين طويلة واعتبرته أستراليا تجسيداً لـ "أسطورة أنزاك" الأسترالية في الحرب العالمية الأولى، واحتفت "بشجاعته الواضحة" في المعارك التي خاضها. بل وحصل على لقب الأب المثالي للعام وشغل منصب رئيس مجلس "يوم أستراليا" التابع للحكومة.
لكن اليوم، تنقلب حياة هذا البطل رأساً على عقب بعد أن أقرت محكمة أسترالية أن روبرتس سميث هو نفسه الجندي الذي ركل علي جاه وأمر بقتله وارتكب "جرائم حرب" أخرى في أفغانستان. فما القصة؟ وهل يواجه "البطل الأسترالي" عقاباً على أفعاله؟
في عام 2018، نشرت عدة صحف أسترالية سلسلة من المقالات زعمت أنه الجندي البطل بن روبرتس شارك في جرائم حرب، بما في ذلك قتل مدنيين وإصدار أوامر لجنوده بقتل أبرياء. سارع روبرتس سميث لرفع قضية تشهير ضد تلك الصحف متهماً إياها بالكذب والإدعاء زوراً لتشويه سمعته، واستدان نحو مليوني دولار أسترالي لأتعاب القضية من رب عمله في القناة السابعة حيث عمل مديراً عاماً لفرعها في مدينة بريسبان.
استمرت المحاكمة لأكثر من عام، و100 جلسة استماع للأدلة والشهود، وانتهت باستنتاج القاضي الفيدرالي أنتوني بيسانكو في سيدني بأنه "بناءً على الاحتمالات الواردة، فإن روبرتس سميث ركل السجين مكبل اليدين من أعلى جرف في داروان وأمر بقتله، بجانب مشاركته في جرائم حرب أخرى".
نشرت المحكمة ملخص الحكم فقط، ووعدت بنشر الأسباب الكاملة لقرارها الأسبوع المقبل بعد أن تعطي فرصة للحكومة للتحقق من أن نشر كامل التفاصيل لن يضر بالأمن القومي، بحسب الغارديان البريطانية.
رجل أفغاني مسن اختبأ في نفق مجمع تعرض للتدمير اسمه "ويسكي 108" في العام 2009، ليعثر عليه الجنود الأستراليون، كان أحدهم روبرتس سميث الذي أقرت المحكمة بأنه أمر جندياً بإعدام الرجل العجوز، بينما ادعت التقارير الإخبارية بأنه أعطى ذلك الأمر لجندي مبتدئ كعملية "تسخين" أو تدريب.
محامي روبرتس سميث عقب جلسة محاكمته. رويترز
في حادثة أخرى، قام "بطل الحرب" بقتل رجل أفغاني مبتور الساق كان يرتدي ساقاً اصطناعية بعد أن أطلق عليه النار من رشاش آلي وهو ما أقرته المحكمة، بينما ادعت الصحف الأسترالية بأن استولى على الساق الاصطناعية تلك وعاد بها لبلاده وشجع جنوده على استخدامها كوعاء لشرب البيرة.
القاضي الفدرالي في سيدني أدان روبرتس بارتكاب الجرائم وانتهاك القواعد الأخلاقية والقانونية للاشتباك العسكري" بسبب حادثة وقعت في منطقة تشينارتو في عام 2012، والتي أسفرت عن إعدام سجين أفغاني، لكن الحكم الصادر عن المحكمة لم يكن حكماً جنائياً بإثبات الذنب على روبرتس سميث، ولكنه مجرد قرار بشأن المعيار المدني "لتوازن الاحتمالات" في مسألة التشهير.
محامو الدفاع عن الصحف الثلاثة طلبوا من المحكمة عدة أسابيع لتحديد الطلبات المتعلقة بتكاليف المحاكمة. ولكن صحيفة الغارديان ترجح بأن تحمل المحكمة روبرتس سميث مسؤولية دفع نحو 35 مليون دولار أسترالي، 23 مليون دولار أميركي، كتعويض للصحف بعد اتهامها بالتشهير.
أما الجندي الأسطوري بن، فقد وصله الخبر وهو يقضي رحلة استجمام في جزيرة بالي في إندونيسيا وسط توقعات بأن يطعن على القرار ويتوجه لمحكمة الاستئناف، لكنه استقال من منصبه في القناة السابعة عقب حكم المحكمة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة