سياسة
.
من بين 16 وزيراً من الذكور ووزيرة واحدة محجبة هم تشكيلة الحكومة الجديد للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بدأ لتوه فترة رئاسية جديدة تمتد لخمس سنوات، برز اسم هاكان فيدان رئيس المخابرات التركية على مدى 13 عاماً والذي أوكلت إليه حقيبة وزارة الخارجية التي ستكون محور الحقبة الدبلوماسية الجديدة التي يعد بها أردوغان والقائمة على محاولة العودة إلى سياسية "صفر مشاكل".
رغم أن التكهنات والتوقعات كانت تشير طوال الأسابيع الماضية إلى إمكانية تعيين أردوغان للفيلسوف والدبلوماسي الاستثنائي إبراهيم قالن وزيراً للخارجية ليتمكن من مساعدته في تصفير المشاكل الدبلوماسية التي تفاقمت مع الكثير من الدول في السنوات الأخيرة، اختار أردوغان رئيس المخابرات لهذه المهمة وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات عن المغزى من هذه الخطوة الاستثنائية في السياسة التركية.
ظاهر الخطوة يشير إلى ترجيح الخيار العسكري والأمني في التعامل مع الملفات الخارجية للمرحلة المقبلة، لكن كافة المؤشرات العملية على الأرض تؤكد أولوية أردوغان في العودة لسياسة صفر مشاكل وهو ما يعني أن فيدان الذي هندس إلى درجة كبيرة التدخلات العسكرية والأمنية في السنوات الماضية دون أن يوثق له تسجيل صوتي واحد رأى فيه الرئيس التركي الرجل الأقدر على حل تبعاتها انطلاقاً من نظرية أن "رابط العُقد هو الأقدر على حلها".
مع تسميته رسمياً، اعتبر هاكان فيدان أول وزير خارجية للجمهورية التركية بخلفية عسكرية منذ 100 عام أي منذ تأسيسها عام 1923، حيث شغل منصب الوزارة طوال العقود الماضية ما يطلق عليهم في تركيا "البيروقراط" وهم كبار مسؤولي وزارة الخارجية الذين خدموا في مناصب متقدمة بالوزارة لسنوات طويلة وأطلعوا على ملفاتها المعقدة.
فيدان الذي ولد في أنقرة عام 1968 تخرج من مدرسة عسكرية تابعة للقوات البرية عام 1986 وتعلم فيها اللغات أيضاً، عمل في وحدة التدخل السريع التابعة لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وفرع جمع المعلومات التابع للحلف في ألمانيا، قبل أن يقرر ترك الجيش للعمل في السياسة حيث تولي مهام مختلفة في وزارة الخارجية كان أبرزها توليه عام 2003 رئاسة وكالة التعاون والتنسيق (تيكا) أحد الأذرع الخارجية المهمة للوزارة وحصل على الدكتوراة في العلوم السياسية.
وبعد أن أعلن عام 2015 الترشح للانتخابات البرلمانية اضطر تحت ضغط من أردوغان لسحب ترشيحه للاستمرار في منصبه بقيادة جهاز المخابرات العامة الذي عمل على إعادة تنظيمه وبناءه بهيكلين أحدهما مخصص للمهام الداخلية والآخر للمهام الخارجية التي زادت على نحو واسع في السنوات الأخيرة.
يوصف هاكان فيدان بأنه "الصندوق الأسود" و"كاتم الأسرار" لأردوغان طوال السنوات الـ13 الماضية التي كان فيها على رأس جهاز المخابرات والذي لعب دوراً محورياً في تمكين حكم الرئيس التركي وتحركاته الخارجية إلى جانب التحديات الداخلية وعلى رأسها محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016 وأحداث غيزي بارك 2013 والتي كادت أن تطيح بحكمه.
إلا أن الحادثة الأهم في مسيرة العلاقة بين أردوغان وفيدان كانت عام 2012 عندما دخل أردوغان لإجراء عملية جراحية في إحدى المستشفيات التي كانت تتبع لما بات يعرف لاحقاً بـ"تنظيم غولن" قبل أن يهرع فيدان للمستشفى وينصح أردوغان بعدم إجراء العملية التي كشفت التحقيقات لاحقاً أنها كانت "مؤامرة اغتيال"، ولاحقاً رد أردوغان المعروف لفيدان عندما أصدر على عجل قانوناً يحمي قيادة المخابرات من المحاسبة القانونية عندما حاولت أطراف في القضاء التركي استدعاء فيدان لمحاكمته بتهم تتعلق بالتعاون مع تنظيم "بي كا كا".
بعد 10 سنوات من الأزمات الدبلوماسية والتدخلات العسكرية الخارجية استبدل أردوغان أبرز وجوه تلك المرحلة وهما وزير الدفاع خلوصي أقار ووزير الخارجية مولود جاوش أوغلو الذي كان الواجهة الأساسية للبلاد خلال حقبة التوتر مع الكثير من الدول وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر وذلك في خطوة يفهم منها رغبته في الاستمرار وتعزيز المسار الدبلوماسي الجديد بالعودة إلى سياسة صفر مشاكل.
لكن تعيين هاكان فيدان حمل في طياته رسائل معقدة كونه رجل مخابرات معروف بصلابته وشدته وليس ليونته ودبلوماسيته وهو الأمر الذي تتطلبه المرحلة الجديدة، إلا أن خبرته طوال السنوات الماضية فيما عرف بـ"دبلوماسية المخابرات" يعتقد أنها كانت الدافع الأساسي لاختياره لهذا المنصب المحوري للمرحلة المقبلة لا سيما وأنه كان أحد أبرز الفاعلين في الأزمات السابقة بشكل غير معلن لكنه كان الأبرز أيضاً في حلها بشكل معلن.
مسار إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع العديد من الدول لا سيما العربية منها بدأ عبر أجهزت المخابرات باتصالات منخفضة المستوى ومن ثم لقاءات على مستوى رؤساء المخابرات وصولاً للدبلوماسية المنخفضة ووزراء الخارجية فالرؤساء أخيراً، وهو ما جرى مع مصر والإمارات والسعودية وإسرائيل ويجري حالياً مع سوريا وأرمينيا وغيرها.
كما ان فيدان الذي يعرف خيوط اللعبة في كل الدول العربية عن قرب ولديه اتصالات مع كافة الأطراف العسكرية والسياسية يتوقع أن يكون قادراً على تفكيك كافة العقد التي حيكت في السنوات الماضية وتسخير اتصالاته التي بدأت سابقاً على مستوى المخابرات ونقلها إلى المستوى الدبلوماسي ووزراء الخارجية والتي يمكن أن يكون أبرز نتائجها يتعلق بإتمام مسار العلاقات مع مصر وبعدها سوريا وغيرها الكثير من الدول.
ففيدان على اتصال وثيق مع أطراف الأزمة في ليبيا ويفهم تعقيدات الملف الليبي الذي يحتاج إلى تفكيك من أجل إحداث تقدم أكبر في مسار العلاقة مع مصر، كما أنه من قاد مسار الدعم العسكري التركي للفصائل المسلحة في سوريا وبالتالي يفهم تركيبتها وربما يكون فيدان الذي التقى رئيس المخابرات السورية علي مملوك مؤخراً الأقدر على المساعدة في تفكيكها والتوصل لحل نهائي للازمة في سوريا لأجل إعادة تطبيع العلاقات مع الحكومة وفتح الطريق أمام حل الملف الأصعب في فترة أردوغان الرئاسية الجديدة وهو ملف اللاجئين السوريين.
بعد 10 سنوات من الأزمات الخارجية استبدل أردوغان أبرز وجوه حكومته
عقدت، الأحد 28 مايو، الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2023. وشارك في هذه الجولة مرشحان: الرئيس رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو.
وكانت اللجنة العليا للانتخابات التركية أعلنت، يوم الاثنين الموافق 15 مايو، أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستُعقد في 28 مايو، حيث لم يحصل أي مرشح رئاسي على أكثر من 50 في المئة من الأصوات، في الجولة الأولى للانتخابات.
وحصل إردوغان على 52.2 في المئة من الأصوات في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة، في 28 مايو، وجاء فوزه على خلاف توقعات معظم استطلاعات الرأي، وعلى الرغم من أزمة غلاء معيشة كان يُنظر لها على أنها أضعفت فرصه في الفوز، بحسب رويترز.
والولاية الجديدة ومدتها خمس سنوات من شأنها أن تسمح لأردوغان بالمضي في سياسات تعد سلطوية بشكل متزايد وأدت إلى انقسام في البلد العضو في حلف شمال الأطلسي، لكنها ستسمح له أيضا بتعزيز موقع تركيا باعتبارها قوة عسكرية إقليمية.
عيَّن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، السبت، مجموعة من أعضاء حكومته المقبلة، برز منهم نائب رئيس الوزراء الأسبق، محمد شيمشك (56 عاما)، الذي تولى حقيبة وزارة الخزانة والمالية.
وأعلن إدوغان تشكيل الحكومة عقب أدائه اليمين رئيسا للبلاد لفترة ثالثة، السبت.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة