تداول الكويتيون على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تظهر الاحتفالات بالنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي جرت الثلاثاء.

خلال الاقتراع وفي مركز مخصص للنساء في منطقة الجابرية القريبة من العاصمة، قالت معصومة عاشور بوصفر (64 عاما) لوكالة فرانس برس، بعد الإدلاء بصوتها وهي تجلس على كرسي متحرك، "جئتُ لممارسة واجبي الوطني وكلّي أمل بأن تتحسن الأمور".

لكن الإيمان والأمل بالغد لا يفارقان الجيل الشاب الكويتي، والمثال على ذلك أبو قتيبة، وهو طالب جامعي (22 سنة)، صرح أن البعض فقد الأمل بينما البعض الآخر متمسك بحقه في التصويت "مهما صار".

ومن القضايا الأساسية التي تهم الشباب الكويتي حسب أبو قتيبة هي الإسكان والتعليم، فينبغي أن تحتل الأولوية لدى البرلمان المقبل والحكومة.

عملية الاقتراع

أدلى الكويتيون بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس الأمة في سابع انتخابات تشريعية تُجرى في البلاد منذ عام 2012، في حين تشهد الدولة الخليجية الغنية بالنفط منذ سنوات أزمات سياسية متكررة.

وبلغت نسبة المشاركة 50% قبل ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، وفق جمعية الشفافية الكويتية، وهي منظمة محلية غير حكومية.

وبعد ذلك بدأت الاحتفالات في المناطق على وقع الألحان والأغاني الوطنية، حيث أعلن مرشحون نجاحهم بين أهلهم ومؤيديهم، ومنهم مرزوق الغانم في الدائرة الثانية، الذي قال: "طلعتوني الأول في أغلب المناطق وبأرقام قياسية".

ومبارك الطشة احتفل بين أنصاره قائلا لهم، "أعاهدكم أن أكون أخا للجميع".

ودُعي أكثر من 793 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع لاختيار 50 نائبا لولاية مدّتها أربع سنوات، في بلد يتمتّع بحياة سياسية نشطة ويحظى برلمانه بسلطات تشريعية واسعة ويشهد مناقشات حادة في كثير من الأحيان.

وخاض الانتخابات 207 مرشحين، بينهم 13 امرأة، وهو أقل عدد مرشحين في انتخابات تشريعية في الكويت منذ عام 1996.

الحكومة والبرلمان

تُمسِك أسرة آل الصباح بمقاليد الحكم وتوكل إلى أفرادها غالبية الحقائب السيادية.

من جانبهم، النواب لا يتردّدون في مساءلة الوزراء حول ملفات سوء إدارة الأموال العامة أو الفساد، حسب ما تورد فرانس برس.

ومنذ سنوات، تهزّ الدولة الواقعة بالقرب من إيران والعراق أزمات سياسية متكرّرة تتعلّق بالحكومة والبرلمان الذي تمّ حله مرات عدة.

وغالبا ما يكون السبب وراء هذه الأزمات مطالبة نواب بمساءلة وزراء من العائلة الأميرية.

انتخابات متكررة

أتت هذه الانتخابات بعد حكم المحكمة الدستورية في مارس الذي أبطل انتخابات سبتمبر الماضي وأعاد برلمان 2020، الذي كان ولي العهد، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمر بحله العام الماضي بعد أزمة سياسية طاحنة بين نواب المعارضة وحكومة الشيخ صباح الخالد الصباح آنذاك.

وكان البرلمان يستعد لتمرير مشروع قانون مثير للجدل يطالب الدولة بتغطية القروض الاستهلاكية والقروض الشخصية التي تعاقد عليها الكويتيون، ما أثار استياء الحكومة التي اعتبرت الإجراء مكلفًا للغاية.

ودخلت الحياة السياسية بعد هذا الحكم حالة من الغموض، لا سيما أن برلمان 2020 الذي تمت إعادته لم يكن على وفاق مع الحكومة الجديدة التي يرأسها الشيخ أحمد نواف الصباح نجل أمير البلاد.

وفي أول مايو تم حل برلمان 2020، مرة ثانية بمرسوم أميري والعودة للشعب لاختيار ممثليه من جديد. وأصدر ولي العهد، نواف الأحمد الصباح، الذي يتولى معظم صلاحيات الأمير، بعدها مرسوما آخر بإجراء الانتخابات البرلمانية التي جرت الثلاثاء.

وفشلت الحكومات الثلاث التي تشكلت في الكويت منذ أقل من عام، في عملها بسبب صراع مع البرلمان، والحكومة السابقة قدّمت استقالتها في 26 يناير الماضي بسبب إصرار النواب على استجواب عدد من الوزراء.

فوز المعارضة وامرأة واحدة

حصدت شخصيات كويتية محسوبة على المعارضة غالبية مقاعد مجلس الأمة، حسبما أظهرت نتائج الانتخابات الأربعاء، فيما فازت امرأة واحدة بمقعد في البرلمان الذي غالبا ما يشهد خلافات بين النواب والحكومة.

وتتكوّن المعارضة في الكويت من شخصيات سياسية مستقلة بعيدة عن الأسرة الحاكمة تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية، وكذلك من إسلاميين.

وبحسب النتائج الرسمية، حصل نواب المعارضة على 29 مقعدا من أصل 50، فيما تم انتخاب امرأة واحدة فقط هي جنان بوشهري.

ومن ثم فإن البرلمان الجديد مشابه جدًا لذلك الذي تم حلّه وكانت المعارضة تسيطر عليه أيضا، إذ احتفظ 38 من بين أعضائه الخمسين بمقاعدهم.

وكانت هذه المرة الثانية التي تشارك فيها المعارضة، المطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية، في العملية الانتخابية منذ أن أنهت مقاطعتها للانتخابات التشريعية عام 2022.

وعاد كل من رئيسي مجلس النواب السابقين مرزوق الغانم وأحمد السعدون إلى البرلمان.

ومن المتوقع أن يترشح السعدون لمنصب رئيس مجلس النواب مرة أخرى.

مشاكل وبوادر حلول

سكان الكويت يبلغ عددهم نحو 4,5 ملايين نسمة، لديهم بعض المشاكل على صعيد تدهور البنية التحتية والخدمات العامة في البلاد التي تمتلك نحو 7٪ من احتياطي النفط العالمي.

لكن الكويت لديها نقطة قوة لجهة أن صندوق الثروة السيادي التابع لها يعتبر من أكبر الصناديق في العالم.

وتتناقض هذه الشكاوى مع الأوضاع في الدول المجاورة حيث تحسّن مستوى جودة الحياة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بفضل تدفّق الاستثمار الأجنبي.

لذلك احتلت الكويت المرتبة الأخيرة بين 52 وجهة شعبية للوافدين الأجانب في الاستطلاع السنوي لمنظمة "انترناسيون" في العام 2022.

صندوق النقد الدولي رأى بوادر الحلول، وقال، الإثنين، إن أسعار النفط المرتفعة تساعد الكويت على التعافي من ضغوط حقبة كورونا على المالية العامة، لكن إقرار قانون الدين العام الجديد قريبا هو أمر بالغ الأهمية.

"ستكون هناك حاجة إلى انضباط مالي كبير من خلال تطبيق إجراءات على الإنفاق والعوائد غير النفطية"، حسب الصندوق الذي أضاف أنه يتعين خفض أجور القطاع العام ودعم الطاقة في سبيل تغيير اتجاه الانخفاض المتوقع في عجز المالية العامة على المدى المتوسط.

اعرف أكثر

اختلالات سياسية

التوترات المتواصلة بين السلطة التنفيذية والبرلمانيين، والتي أدت إلى تغيير حكومات كثيرة وحل البرلمان مرّات عدّة، أعاقت بعض محاولة للإصلاح وقلّصت من شهية المستثمرين.

لكن أرض الكويت لا تزال خصبة للاستثمارات، حيث يرى الخبير الاقتصادي في شؤون الخليج جاستن ألكسندر أنّ البلاد لديها "ديون قليلة جدا، وأكبر صندوق للثروة السيادية في العالم كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وأكبر احتياطي نفطي في العالم مقارنة بالسكان".

غير أنّ "الاختلالات السياسية في السنوات الأخيرة منعتها من اتّخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على ارتفاع الإنفاق وتوليد الإيرادات غير النفطية وتنويع اقتصادها"، بحسب الخبير.

وقد انتعشت البلاد التي عانت من عجز كبير في موازنتها خلال فترة وباء كورونا، مع ارتفاع أسعار النفط الذي يشكّل 90٪ من إيراداتها، في السنة الأخيرة.

نظام الصوت الواحد

تحظر الكويت الأحزاب السياسية لكن البرلمان يتمتع بصلاحيات كبيرة.

فمن صلاحيات البرلمان الحق في استجواب رئيس الوزراء والوزراء وإقرار القوانين ورفضها وإلغاؤها. إلا أن الأمير له الكلمة الفصل في شؤون البلاد وله صلاحية حل البرلمان.

وتُجرى الانتخابات في 759 لجنة انتخابية موزعة على 118 مدرسة في محافظات الكويت الست.

ويحصل الاقتراع تحت إشراف القضاة ووفقا لنظام الصوت الواحد الذي يعني أن لكل ناخب الحق في منح صوته لمرشح واحد فقط.

وتتم عملية الاقتراع في يوم واحد من الثامنة صباحا إلى الثامنة مساء.

وتتكون الكويت من خمس دوائر انتخابية، لكل دائرة عشرة نواب، حيث يفوز المرشحون الذين يحصلون على المراكز العشرة الأولى في كل دائرة بعضوية البرلمان.

التلفزيون ينقل الفرز

بعد انتهاء الاقتراع، بدأ تلفزيون الكويت على الفور بثا مباشرا لمتابعة نتائج الصناديق التي تفرز أولا بأول، قبل إعلان الأرقام التي حصل عليها كل مرشح.

وشكر أمير البلاد كبار مسؤولي الدولة والقضاة على ما قاموا به من جهد خلال الانتخابات، التي تمت "بكل كفاءة وشفافية"، مشيدا بالحس الوطني للمواطنين "ومشاركتهم الفاعلة في ممارسة حقهم الدستوري في الانتخابات".

وخارج مقار الاقتراع وقف رجال الأمن والمرور لتنظيم عملية السير والدخول والخروج، وسط حضور مرشحين لاستقبال الناخبين وتحيتهم، كما وقف أفراد من الدفاع المدني يساعدون الضعفاء وكبار السن وينقلونهم بالكراسي المتحركة.

وخشية حصول امتناع كبير عن المشاركة في الاقتراع، نشرت السلطات لافتات كبيرة في شوارع العاصمة لدعوة المواطنين للتصويت بأعداد كبيرة.

مرزوق الغانم

في السابق باتت البلاد بين مجلسين، مجلس العام 2020 برئاسة مرزوق الغانم (الذي تم حلّه)، والآخر مجلس 2022 برئاسة أحمد السعدون (أبطل بحكم المحكمة الدستوريّة)، وذهبت البلاد لانتخاب مجلس 2023.

وحسب موقع "رأي اليوم" فإنه "في حال فوز الغانم برئاسة مجلس 2023، وإعادة تكليف أحمد نواف الأحمد برئاسة الحكومة، سيكون الصّدام مرجحا بينه، وبين الغانم، وأهم عنصر من عناصر التأزيم، فغياب الرجل عن الترشّح بانتخابات 2022 كان مدروسا بكُل حال من داعميه في القيادة الكويتيّة، للتخلّص كما يجري وصفه من المُعطّلين الغانم، ورئيس الوزراء الكويتي السابق صباح الخالد".

وعادة ما يُسبّب رغبة المجلس باستجواب رئيس الحكومة وانتقاده في حالة أغلبيّة مُعارضة، عامل مُسرّع لحلّه، ما يُفضي إلى مُراوحة سياسيّة في ذات المكان، والعلاقة بين الحكومة والنواب المُعارضين كانت الأسوأ في المجلس السّابق، وفق الموقع.

وغالبا ما كان يثير الغانم الجدل في البلاد، وفي آخر ندوة ناشد "الأمير ولي العهد التدخل الفوري لوقف العبث الذي يمارسه رئيس مجلس الوزراء"، وأضاف: "لا يخفى على أحد الوضع السيئ الذي تعيشه البلد حاليا من تعطل مصالح الناس والفوضى العارمة وتوقف عجلة التشريع والرقابة لمدة طويلة جدا والشلل التام في كل مناحي الحياة، وبعد استنفاد كل السبل والمحاولات للتعامل مع الأمور بحكمة وتعقل من دون فائدة للأسف، فأصبح لا بد لنا من كلمة للأمة".