سياسة
.
قبل أن ينتصف ليل الخميس ٨ يونيو بدقائق، طُرق باب المنزل الذي يقطنه محمد زنقل، ٢٧ عاما، في حي الشجرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم. نهض محمد من فراشه خائفاً نحو الباب الذي تجمع حوله أمه وإخوته الأصغر منه. كانت قوة الدعم السريع خلف الباب تطلب منهم مغادرة المنزل خلال مدة لا تتجاوز النصف ساعة.
"يبدو أنهم كانوا يعلمون ما الذي سيحدث في الساعات القادمة"، هذا ما قاله محمد بعد أن أيقظ أباه الخمسيني الذي دائماً ما يكون نومه ثقيلاً ولا ينتبه بسهولة، يقول محمد في اتصال هاتفي مع بلينكس.
هذا المكان الذي طلبت قوات الدعم السريع إخلاءه، ليس موقعا استراتيجيا فحسب، إنه يضم أكبر مصانع السلاح في العاصمة الخرطوم والسودان بأكمله: مجمع اليرموك العسكري. وهو المصنع والمخزن الذي يتصارع عليه الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري الانتقالي من جانب، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، حميدتي.
النزاع السوداني المستمر منذ ١٥ أبريل الماضي، خلّف أكثر من ١٨٠٠ شخص قتيل، إلا أن الأرقام الفعلية للضحايا قد تكون أعلى بكثير، بحسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية.
خلال ٢٠ دقيقة كان محمد برفقة أبيه عبد المعطي وأمه سلمى، وأخيه عبد الله، ٢١ عاما، وأخته نادية، ١٤ عاما، خارج البيت متجهين إلى "المجهول" يسيرون في الطرقات الترابية بين البيوت الصغيرة. حي الشجرة الذي تسكنه عائلة محمد يقترب عدد سكانه من الـ١٠٠ ألف، إذ لا توجد إحصائيات رسمية تقدر عدد سكانه الذين عمل معظمهم في الصيد قديماً لأن النيل الأبيض يقطع الناحية الغربية لحيّهم.
بعد أن نزلت عائلة محمد من بيتها الصغير المكون من ٣ غرف، توجهت باتجاه الشرق نحو منطقة جبرة، وكأنها رحلة لجوء قصيرة تحمل خلالها حقائب صغيرة جمعت فيها بعضاً من "الأوراق الثبوتية، والنقود وقارورتي ماء نظيف".
بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصل عدد اللاجئين نحو مليوني شخص، بينهم أكثر من 476 ألفا عبروا الى دول مجاورة، بحسب آخر أرقام المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، منهم ٤٢ ألف سجلوا دخولهم إلى مصر عبر المفوضية، و٣٠ ألفا إلى تشاد، لكن يعتقد أن الأرقام أعلى بكثير من ذلك.
محمد وعائلته لم يهجروا السودان، وإنما تحولوا إلى نازحين داخليين، ليرفعوا، هم وغيرهم، إجمالي أعداد المهجّرين داخليا إلى أكثر من ٧٠٠ ألف نازح داخلي.
خلال رحلة العائلة في الطرقات الترابية بين البيوت، بدأ الناس يخرجون من منازلهم حاملين حقائب صغيرة على ظهورهم يضعون فيها مستلزمات أساسية أو نقوداً، حسبما يقول محمد في اتصال هاتفي مع بلينكس. بعد عدد من الاتصالات السريعة قررت العائلة التوجه إلى حي جبرة الملاصقة للجهة الشرقية من حي الشجرة، حيث يعيش أحد أقاربهم، في رحلة لا تستغرق أكثر من نصف ساعة على الأقدام من بيت العائلة.
بعد ساعات قليلة من خروج أهالي الحي، ستعلو أصوات الانفجارات والاشتباكات بهدف السيطرة على المجمع الذي كانت تسيطر عليه حتى اللحظة قوات الجيش.
بعد انتصاف ليل الخميس، تحدث شهود عن دوي هائل واندلاع حريق جراء انفجار أحد صهاريج تخزين النفط في منشأة الشجرة للنفط والغاز القريبة من مجمع اليرموك العسكري. لم يتم تحديد السبب المباشر للحريق لكن شهودا أكدوا أن محيط المنشأة يشهد معارك منذ أكثر من 48 ساعة، مشيرين الى أن سحب الدخان لا تزال تتصاعد منها الخميس، وهي تبدو للعيان حتى على بعد 10 كيلومتر من الموقع، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وصل محمد مع عائلته حالياً في بيت قريب لهم في جبرة كانوا قد اتصلوا به هاتفياً "قبل أن ينقطع الإرسال لمدة ساعة في المنطقة" ليقلهم في سيارته ويستقبلهم في بيته. يقول محمد "سمعنا أصوات إطلاق نار كثيف، وسمعنا من الناس في جبرة أن مخزناً للغاز انفجر في مصنع اليرموك القريب من بيتنا".
يعتبر مصنع ومستودع اليرموك مكاناً استراتيجياً ومهماً على الصعيد العسكري لأنه جزء من منظومة التصنيع العسكري للجيش السوداني. ما يقلق العائلة المهاجرة من البيت القريب أنهم لا يعرفون تفاصيل أكثر عما حل بمنزلهم الذي قدر له أن يكون بجانب مستودعٍ ومصنع استراتيجي تتواجد فيه أسلحة تشكل مطمعاً لجانبي الصراع.
قبل ١١ سنة، وفي شهر أكتوبر تحديداً من سنة ٢٠١٢، وقع انفجار في مصنع اليرموك الذي تم بناؤه في ١٩٩٦. واتهمت السودان الجيشَ الإسرائيلي بتنفيذ العملية متهمة إسرائيل بالتعدي على السيادة السودانية، وقتها وصفت إسرائيلُ السودان بـ"الدولة الإرهابية" واتهمتها بدعم عمليات أسامة بن لادن، لكن الدولة العبرية رفضت التعليق رسميا على الاتهامات.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة