سياسة
.
في المدرسة، كان الطفل أليكساندر انطوائيًا يعاني من السمنة ويشعر بالإحراج من ثروة وشهرة عائلته، وكان يخشى أن يتم اختطافه لطلب فدية. وفي الشباب، انقلب حاله ليصبح "فتى لعوب" معروف بمواعدة عارضات الأزياء الحسناوات ومرافقة المشاهير من لاعبي الكرة وإقامة الحفلات ولعب الغميضة في قصره. بعدها تبدل حاله مرة أخرى ليصف نفسه كمفكر يساري مهتم "بكرة القدم الأميركية والفلسفة والسياسة بهذا الترتيب".
واليوم، يتربع الشاب أليكس سوروس (37 عام) على عرش والده الملياردير جورج بعد أن منحه السيطرة على إمبراطوريته المقدرة بنحو 25 مليار دولار. فمن هو ذلك الشاب؟ وكيف ستؤثر خلافته على مؤسسات والده؟
صورة كاريكاتيرية غريبة نشرها يائير نتنياهو الابن المدلل لرئيس الوزراء الإسرائيلي عام 2017 أثارت ضجة كبيرة. ظهر في تلك الصورة رئيس الوزراء السابق إيهود باراك المعارض البارز لوالده ومن خلفه شخص بعباءة سوداء على جبينه علامة الماسونية يغري باراك بالمال، ومن خلفه رجل على هيئة سحلية يرمز لنظرية مؤامرة "المتنورين الذين يحكمون العالم سراً" يغري الرجل الماسوني بإعطائه القوة، وفي النهاية يقف الملياردير جورج سوروس خلف السحلية ويغريه بمنحه الكرة الأرضية كاملة.
لم يكن ذلك مثالاً عابراً، فإمبراطورية سوروس المالية ومؤسسته الخيرية المجتمع المفتوح ودعمه السخي للقضايا اليسارية جعلا منه قطباً رئيسياً لنظريات المؤامرة والهجوم السياسي من تيارات اليمين على مدار السنين إلى أن وصل الأمر لأن يتهمه الملياردير الشهير وصاحب موقع توتير إيلون ماسك بأنه "يكره الإنسانية" و"يريد أن يمحو نسيج الحضارة ذاته" ووصفه "بمغنيتو" الشخصية الشريرة من أفلام رجال إكس.
جورج سوروس (92) هو أحد الناجين من محرقة الهولوكوست ورجل أعمال الريادي في مجال صناديق التحوط ووضع الرهانات في أسواق الأسهم والسندات والعملات العالمية. كان قد خصص 64% من ثروته (أي 32 مليار دولار) للعمل الخيري عبر مؤسسته الشهيرة التي تدعم الحركات الداعية للبرالية والديمقراطية والقضايا الحقوقية حول العالم بما في ذلك المؤسسات المدافعة عن حقوق المثليين والأقليات العرقية والإثنية. كما أسس صندوق دعم لمرشحي انتخابات يسمى بلجنة العمل السياسي الديمقراطية، يوفر على سبيل المثال الدعم للحملات الانتخابية لمحامي المقاطعات الأميركية والنواب العامون الذين يسعون لتقليل معدلات الحبس والتحيز العنصري في نظام العدالة.
أما نظريات المؤامرة اليمينية فتتهم جورج سوروس بنشر المثلية والتحول الجنسي ودعم أقصى اليسار وحركات شعبية تعمل على "تقسيم المجتمع" كحركة Black Lives Matter والوقوف وراء أزمة الهجرة في أوروبا وأميركا لاستبدال العرق الأبيض وجعله أقلية فيما يعرف بنظرية "الاستبدال الكبير".
وقد أغلقت مؤسسة المجتمع المفتوح مكاتبها في روسيا وهنغاريا وتركيا وباكستان، إما بأمر مباشر من الحكومة أو نتيجة المضايقات والملاحقة السياسية.
في تركيا مثلاً، اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سوروس بالوقوف وراء احتجاجات منتزه غيزي، وقال حينها "اليهودي المجري الشهير سوروس هذا هو الرجل الذي يكلف الناس بتقسيم الأمم وتحطيمها". هذا الأمر دفع المؤسسة لإغلاق مكتبها في اسطنبول.
وكان سوروس داعماً بارزاً لحملة أوباما الانتخابية عام 2008. وقد أثار رجل الأعمال الملياردير الجدل عام 2003 عندما قال بأن إقالة الرئيس جورج بوش من منصبه كان "محور حياتي" و"مسألة حياة أو موت"، وأضاف بأنه مستعد للتضحية بكل ثروته لهزيمة بوش "إذا ضمنها أحد".
لم يكن من المرجح أن يتنازل سوروس الأب عن عرشه وهو على قيد الحياة، أو أن يولي أحد أبناءه زمام الأمور فقد قال في مقابلة "لم أكن أريد أن يتولى أحد أطفالي المؤسسة، كمسألة مبدأ. اعتقدت أنه يجب إدارتها من قبل شخص هو الأنسب". تسمية أليكس كخليفته كانت مفاجأة أيضاً، وفقاً لما نقلته وول ستريت جورنال.
لسنوات كان من المرجح أن يتولى المنصب الأخ الأكبر جونثان المحامي صاحب الخلفية المالية، والرياضي طويل البنية، والذي ساعد والده في استقرار شركته الاستثمارية خلال الأوقات العصيبة.
أليكس حظي بثقة والده في السنوات الأخيرة
لكن أليكس، الذي يحمل شهادة الدكتوراة في التاريخ من جامعة كاليفورنيا حظي بثقة والده في السنوات الأخيرة وأصبح مقرباً منه ومندوباً ممثلاً عنه في بعض اجتماعاته. ازداد التقارب بين جورج وابنه بعد طلاقه من والدة أليكس وزوجته الثانية سوزان ويبير عام 2004 وأصبح جورج "أكثر جدية" في تحمل مسؤولياته الأبوية بعدها. ولم يكن أليكس مهتمها بعالم المال، فكانت نقاشاته مع والده سياسية وفكرية.
انضم أليكس لمؤسسة المجتمع المفتوح عام 2004 للعمل بدوام جزئي وبعدها انضم لمجلس الإدارة لكنه كان انطوائياً وصامتاً في الاجتماعات ولم يترك انطباعاً قوياً حول خلافته الممكنة لوالده. لكن بعد مغادرة أخاه جونثان الشركة عام 2015، بدء أليكس في العمل مع مستشار والده، مايكل فاشون، وآخرين لصقل مهاراته في التحدث أمام الجمهور ومهاراته السياسية، وبدء في إظهار شخصيته وطموحه.
في الاجتماعات، يحمل معه دفتر ملاحظات صغير يملأه بالتعليقات التي يشاركها مع الموظفين، ويبدي اهتماما كبيرا بأدق التفاصيل التي عادةً ما يتجاهلها والده، لذلك أليكس "يمكنه أن يدفع الناس في المؤسسة إلى الجنون لأنه متمرس للغاية"، بحسب أنتوني روميرو، المدير التنفيذي لاتحاد الحريات المدنية الأميركي.
"نحن نفكر بنفس الطريقة"، هكذا وصف سوروس ابنه الرابع أليكس، لكنه أشار بأن ابنه يتبنى بعض القضايا المختلفة عن والده. أما ألكيس الشاب، فقد أخبر صحيفة وول ستريت جورنال بأنه عازم على توسيع أهداف والده الليبرالية بما يشمل حقوق التصويت والإجهاض والمساواة بين الجنسين، ويخطط لمواصلة استخدام ثروة العائلة لدعم السياسيين الأمريكيين ذوي الميول اليسارية.
أليكس يميل للسياسة أكثر من والده، لذلك التقى مؤخرًا بمسؤولي إدارة بايدن، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر ورؤساء الدول كالرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو للدفاع عن القضايا المتعلقة بمؤسسة الأسرة.
ولا يخفي الابن الشاب قلقه حيال احتمالية عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، ما يشير لدور مالي كبير لمنظمة سوروس في السباق الرئاسي عام 2024.
سوروس الصغير صرح بأنه "بقدر ما أرغب في إخراج المال من السياسة، لكن طالما أن الطرف الآخر يفعل ذلك، فسيتعين علينا القيام بذلك أيضًا".
اختلاف جوهري آخر بين الاثنين هو اهتمام أليكس بالقضايا اليسارية في المجتمعات اليهودية بعكس والده الذي كان ملحداً وغير مهتم بهذه الأمور. أليكس يواظب على الاحتفال بأعياد الفصح ورأس السنة العبرية وزار إسرائيل أكثر من مرة. لذا من المتوقع أن يكون أكثر نشاطاً في تلك الساحة، خاصة فيما يتعلق بمناهضة الاحتلال الإسرائيلي والتمييز العنصري ضد العرب والفلسطينيين.
مؤسسة سوروس الخيرية دعمت على مدار السنين جمعيات حقوقية تنتقد السياسات الإسرائيلية بشدة وبعضها ينادي بمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها، ما أثار غضب الحكومة الإسرائيلية منه على الرغم من إيمان جورج بحق الشعب اليهودي في تقرير مصيره دون أن يكون صهيونياً. ازداد الهجوم على سوروس بعد أن تبين أن مؤسسته سنت هدفاً لها في "تحدي سياسات إسرائيل العنصرية والمناهضة للديمقراطية" في المنتديات الدولية من خلال التشكيك في سمعة إسرائيل كدولة ديمقراطية وفقاً لرسالة بريد إلكتروني تم تسريبها من عام 2016.
أما أليكس، فلديه تاريخ بارز من انتقاد إسرائيل. فقد أخبر مجلة فيلانثروبي نيوز دايجست أنه يشعر بالقلق حيال تصاعد سياسات إسرائيلية "لا تسمح بالفصل بين الكنيسة والدولة، ولا تمنح الحقوق الكاملة للأشخاص الذين يعيشون فعليًا تحت الاحتلال، ولا تسمح بهجرة أشخاص ليسوا يهودًا، أو أن يصبح غير اليهود مواطنين".
وكان سوروس الابن قد كتب مقالاً في موقع سي إن إن الإخباري الأسبوع الماضي جادل فيه بأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "تبنت سياسات عدوانية ومعادية بشكل متزايد تجاه سكانها العرب، ورفعت المتطرفين إلى مراتب وزارية، وسمحت بإقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، واقترحت قيودًا جديدة دراماتيكية على استقلال القضاء".
كما انتقد سوروس بشكل خاص اتهامات معاداة السامية لخنق النقاش و"إيقاف النقد الموجه للحكومة الإسرائيلية.. وحماية إسرائيل من المساءلة". حيث أضاف أنه "من الضروري أن الأدوات المستخدمة لمكافحة معاداة السامية لا يمكن إعادة استخدامها لاستهداف الأكاديميين والنشطاء والطلاب وجماعات الدعوة التي تعبر عن دعم حقوق الإنسان الفلسطينية وتقييد حرية التعبير والخلافات السياسية التي هي في صميم المجتمع المفتوح".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة