سياسة

مستوطنات "يوم القيامة" تدفن حل الدولتين

نشر

.

Muhammad Shehada

هل بإمكانك تخيل دولة فلسطينية معزولة تماماً عن القدس؟ هل تعتقد أن الدولة الفلسطينية قد تكون قابلة للحياة عند تقسيم الضفة الغربية لجزئين، شمالي وجنوبي بمنطقة عازلة عريضة محاطة بحائط مرتفع فيها عشرات المدن الإسرائيلية؟

هذا تحديداً ما تسعى الحكومة الإسرائيلية لفعله في المنطقة الفاصلة بين رام الله وبيت لحم والقدس، عبر بناء "مستوطنات يوم القيامة" التي ستقسم الضفة لنصفين متباعدين جغرافياً وتلتهم القرى الفلسطينية القريبة من القدس الشرقية لتعزل الأراضي الفلسطينية بشكل كامل عن عاصمة دولة فلسطين المقترَحة، عندها تصبح القدس محاطة بمستوطنات إسرائيلية بشكل دائري من جميع الاتجاهات. بعبارة أخرى، لن يكون حل الدولتين ممكناً بعدها أبداً.

الخان الأحمر.. القضمة الأخيرة

عيد أبو خميس راعي أغنام وماشية فلسطيني طردت إسرائيل عائلته، قبيلة بدو الجهالين، من صحراء النقب عام 1952 لينتهي بهم الحال في منطقة الخان الأحمر في الضفة الغربية. لكن بعد احتلال إسرائيل للضفة عام 1967، أقيمت حولهم ثلاث مستوطنات وهي: مستوطنة معالي أدوميم، ثاني أكبر مستوطنات الضفة، وكفار أدوميم، وميشور أدوميم. قرية الخان الأحمر هي آخر وجود فلسطيني في هذه المنطقة. لذلك، إسرائيل تحاول طرد سكانها وإخلائهم بالقوة لتكون المنطقة بأكملها إسرائيلية بشكل كامل.

اضطر عيد لبيع أغنامه بسعر زهيد كما فعل الكثير من سكان قريته المقدر عددهم بـ ٢٠٠ شخص لتحمل مصاريف الدفاع أمام المحكمة الإسرائيلية العليا ليبقى في بيته. لكن المحكمة قضت لصالح الحكومة الإسرائيلية عام 2018 وأمرت الجيش بإخلاء المنطقة. وعرضت إسرائيل على سكان الخان خيارين: الانتقال للسكن بجوار مكب نفايات، أو ساحة خردة.

عرضت إسرائيل على سكان الخان خيارين: الانتقال للسكن بجوار مكب نفايات، أو ساحة خردة

الضغط الدولي المكثف أجبر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لتأجيل قرار هدم القرية بشكل متكرر لبضعة شهور في كل مرة. فإخلاء الخان يعني إنهاء الوجود الفلسطيني في منطقة وسط الضفة بين المستوطنات الثلاثة تلك، ما يمهد لشطر الضفة لنصفين. ولا يُخفي اليمين الإسرائيلي أن الهدف الرئيسي من إخلاء الخان الأحمر هو منع إقامة أي دولة فلسطينية في المستقبل وقطع الاتصال بين رام الله وأريحا وبيت لحم، كما ظهر في فيديو ترويجي لمنظمة ريجيفيم التي أسسها وزير المالية الإسرائيلي بتسلإيل سموتريش.

فيتو أميركي "يؤجل" القضمة

الخان الأحمر يقف على الحدود الشرقية الشمالية لمنطقة E1، وهي المنطقة الفاصلة بين معالي أدوميم والقدس الشرقية المحتلة. منذ عام 1995، والحكومات الإسرائيلية المختلفة عازمة على بناء مستوطنات "يوم القيامة" التي ستقضي تماماً على حلم الدولة الفلسطينية في تلك المنطقة، لتصبح "القدس الإسرائيلية الكبرى" محمية ومعزولة عن الدولة الفلسطينية. لكن ضغط الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي جمّد خطط البناء في E1 في عهد مختلف الرؤساء الأميركيين.

مع تشكيل أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل نهاية العام الماضي، تجدد وضع إخلاء الخان الأحمر والبناء في منطقة E1 على جدول أعمال الحكومة. وكان من المفترض عقد اجتماع وزاري لمناقشة الأمر يوم الاثنين الماضي، إلا أن ضغط إدارة الرئيس جو بايدن دفع إسرائيل لتأجيل الجلسة لشهر سبتمبر المقبل. لكن في مقابل تأجيل نقاش خطة E1، يتعزم نتنياهو إعلان بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة مع نهاية الشهر الجاري بعد مضي أربعة أشهر على إعلان بناء 16 ألف وحدة استيطانية جديدة.

٣ أشهر تفصلنا عن اجتماع الحكومة الإسرائيلية التالي لمناقشة مصير الخطة

رحلة KFC ومعنى الدولة الفلسطينية

على الخريطة، يمكنك رسم خط مستقيم بين رام الله والقدس وبيت لحم، لكن على أرض الواقع الصورة مختلفة تماماً. تخيل نفسك فلسطينياً من بيت لحم وأحببت زيارة مطعم KFC الشهير في رام الله مع أصدقائك وأوقفت سيارة تاكسي لمشوارك. الطريق المنطقي والأسرع هو أن تعبر من القدس مسافة 30 كيلومتر وتصل لوجهتك في نصف ساعة تقريباً. لكن هذا الطريق مفتوح فقط للمستوطنين ومن يحملون هوية إسرائيلية.

لذلك، أفضل خيار متاح سيستغرق من وقتك من ساعة لخمس ساعات تقريباً، اعتماداً على الوضع الأمني والتوقيت واليوم. بدلاً من الاتجاه شمالاً، سائق السيارة سيذهب نحو الشرق لمنطقة وادي النار الوعرة. إذا كنت ممن يخافون المرتفعات، فستكون رحلتك صعبة للغاية، لإن اتخاذ هذا المسار يحمل في طياته المخاطرة صعودًا وهبوطًا في طريق شديد الانحدار، خاصة في الحافلات المزدحمة أو أثناء الليل.

ستعلق بعدها في ازدحام مروري خانق في الطرق الداخلية لخمسة قرى صغيرة قبل الوصول لحاجز "الكونتينر" الإسرائيلي لانتظار العبور. وقد يتم إغلاق الحاجز في أي وقت دون سبب. بعدها ستتجه السيارة نحو الشمال الغربي للمرور من طريق العيزرية ثم ستسير باتجاه الشمال الشرقي نحو مستوطنة معالي أدوميم وقرية الزعيم لتواجه حاجز عسكري آخر. هناك، سترى الشارع رقم 4370 المعروف "بطريق الفصل العنصري" مقسوماً لقسمين بحائط كبير. نصف الطريق مخصص للمركبات التي تحمل لوحة ترخيص إسرائيلية، والنصف الآخر للبقية.

يخفي اليمين الإسرائيلي أن الهدف الرئيسي من إخلاء الخان الأحمر هو منع إقامة أي دولة فلسطينية في المستقبل

بعدها ستواصل المركبة طريقها نحو الشمال لتقف عند حاجز حزمة العسكري، وإذا عبرت منه بنجاح فقد وصلت للطريق المؤدي لجنوب رام الله. وقد ينصب الجيش الإسرائيلي حواجز فجائية على مدار الطريق معروفة باسم "الحواجز الطيارة" أو قد يقوم بإغلاق أي من الحواجز الرئيسية على الطريق لتصبح مهمة التنقل بين المدن الفلسطينية أمراً مستحيلاً.

الفلسطينيون متعايشون مع هذا الوضع الصعب لعقود طويلة على أمل أن تنتهي هذه المعاناة بإقامة دولة فلسطينية تكون فيها القدس ورام الله وبيت لحم متواصلة جغرافياً.

ماذا نعرف عن E1؟

منطقة E1 تغطي مساحة 12كلم وتضم نحو 22 ألف دونم من أراضي القرى الفلسطينية أبو ديس والعيزرية والزعيم والعيساوية وعناتا والطور. في حال قامت الحكومة الإسرائيلية ببناء "مستوطنات يوم القيامة" في المنطقة، فسوف يتبع ذلك بناء الجدار الاسمنتي العازل حول E1 ليصل بين معالي أدوميم والقدس الشرقية وإخلاء نحو أكثر من عشرين تجمع بدوي في المنطقة، بالإضافة لقطع قرية الزعيم عن عناتا وكامل الضفة الغربية وجعلها محاطة بالمستوطنات والجدران من كل جانب.

منطقة E1 تغطي مساحة 12كلم وتضم نحو 22 ألف دونم من أراضي القرى الفلسطينية

إلى الشرق من معالي أدوميم وE1، يوجد شريط أفقي من المستوطنات الإسرائيلية المؤدية للبحر الميت. وتعلن إسرائيل ذلك الشريط العريض "منطقة عسكرية مغلقة" و"أراضي للدولة" و"محميات طبيعية" أي أنه من غير المسموح للفلسطينيين التواجد هناك أو بناء المدن والقرى. ولا توجد تجمعات فلسطينية كبيرة في تلك المنطقة سوى بعض القرى المحدودة والضئيلة. في المقابل، الشريط الرأسي بين معالي أدوميم والقدس الشرقية هو منطقة مليئة بالفلسطينيين عدة قرى مختلفة ويسمح باتصال الشمال والجنوب الفلسطيني في الضفة وهو ما تهدده خطة E1 لبناء القدس الإسرائيلية الكبرى.

في العام 2008، ادعت الحكومة الإسرائيلية بأنها إذا قامت بالبناء في E1 فإنها ستسمح للفلسطينيين بالتنقل بين بيت لحم ورام الله بطرق التفافية أو الدوران حول معالي أدوميم في حال إقامة دولة فلسطينية. تجادل إسرائيل بأن الهدف من خطة E1 هو إحاطة القدس بمنطقة دفاعية لتبقى عاصمة لها، بينما تعرض على الفلسطينيين قرية أبو ديس لتكون عاصمة لهم، وهو ما يرفضه الفلسطينيون قطعاً.

يفصلنا الآن أقل من ثلاثة أشهر عن اجتماع الحكومة الإسرائيلية التالي لمناقشة مصير خطة E1، وهو ما يثير القلق حيال الموت المحقق لحل الدولتين.

لفهم خارطة الاحتلال الإسرائيلي للضفة، يمكن زيارة مشروع "فرق تسد" لمؤسسة بتسليم الحقوقية، حيث يمكنك رؤية أماكن تواجد المستوطنات والحواجز العسكرية والمناطق غير المسموح للفلسطينيين بدخولها أو البناء فيها كالمحميات الطبيعية والمناطق العسكرية المغلقة والأراضي المصنفة "مملوكة للدولة".

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة