سياسة
.
أخبرت إليزابيث تسوركوف (36 عاما) رفاقها في مجلة نيولاينز الأميركية أنها سئمت من إجراء بحثها الميداني في العراق وأرادت العودة لجامعة برينستون في نيويورك حيث تدرس الدكتوراة وتتجهز لكتابة أطروحتها: "لا مزيد من العمل الميداني" هكذا أخبرت الباحثة الروسية-الإسرائيلية محرري المجلة في آخر رسالة لها يوم 19 مارس الماضي من قلب بغداد بحسب طاقم تحرير المجلة.
بعد أسبوع، كانت إليزابيث تتجول في منطقة الكرادة التي تحوي منازل مسؤولين بالدولة ورجال سياسة والتي ينتشر فيها أيضاً مقرات المليشيات المسلحة الموالية لإيران. وعلى الرغم من التواجد الأمني المكثف في المنطقة ونقاط التفتيش المتعددة، اختفى أثر إليزابيث بالقرب من مستشفى الراهبات أثناء خروجها من مقهى رضا علوان، وكأنها تبخرت من المكان.
إليزابيث انتقلت مع والدتها وأختها من الاتحاد السوفيتي لإسرائيل في 1990
ظلت تلك القصة طي الكتمان حتى يوم الأربعاء الماضي، حين أعلنت الحكومة الإسرائيلية بشكل رسمي أن إليزابيث مختطفة منذ شهر مارس من قبل كتائب حزب الله الشيعية العراقية المقربة من طهران.
في نهاية شهر مارس، أعلنت وكالة بغداد اليوم عن اختطاف مواطنة روسية تحمل الجنسية الأميركية وسط العاصمة العراقية. ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية لم تسمها أن السلطات العراقية اعتقلت مواطناً إيرانياً يدعى محمد رضا حسين نوري يشتبه بضلوعه في عملية الاختطاف. ونقلت بعض وسائل الإعلام المحلية صورة عن جواز سفر الإيراني المشتبه به الذي قيل بأنه دخل العراق قبل 72 ساعة من اختفاء الباحثة.
إليزابيث تقول إن قناعاتها تغيرت وباتت ترفض الصهيونية بعد أن ترعرعت في بيئة يمينية متشددة
الغريب في القصة أن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية نفى في اليوم التالي صحة الأنباء المتداولة عن اختطاف تلك المواطنة قائلاً "ليس للوزارة أي معلومات عن هكذا حادثة"، على الرغم من نقل بعض الصحف خبر تشكيل فريق تحقيقي من عدة أجهزة أمنية بإشراف من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
اختفى الموضوع من عناوين الأخبار بشكل متعمد لعدة أشهر، حيث بينت مجلة نيولاينز أن عائلة إليزابيث نصحتهم بعدم نشر أي أخبار عن اختطافها لكيلا تتعقد محاولات فك أسرها سواء عبر المفاوضات أو العمليات الأمنية. لكن المجلة تقول إنهم اتخذوا قراراً بنشر القصة يوم الأربعاء بعد نحو ثلاثة أسابيع من قيام باحث أميركي مختص بالشأن العراقي بالكشف عن أن إليزابيث هي الضحية المختطفة في شهر مارس.
صحيفة نيويورك تايمز قالت إن هناك مخاوف من أن تكون قد نُقلت لإيران، وهو ما سيجعل مهمة الإفراج عنها أكثر تعقيداً وسط العداوة الشديدة بين طهران وتل أبيب. لكن الصحيفة نقلت عن مصادر مطلعة بأنه لا يوجد مؤشر على حدوث ذلك بعد. وتضيف نيويورك تايمز بأن منطقة الكرادة التي اختطفت فيها إليزابيث هو حي المعروف بأجوائه الهادئة ومليء بالمقاهي ومحلات الملابس والأسواق، وهي منطقة يرتادها السياح الغربيون وتعد من أكثر المناطق اختلاطًا دينيًا في بغداد.
"ليست عميلة للموساد. نقطة." هكذا علق مصدر أمني إسرائيلي على اختطاف الباحثة الشابة مضيفاً بأنها تُعد هدفاً سهلاً لمقابلتها العديد من العراقيين بشكل مفتوح.
لم تكن تلك الزيارة الأولى للعراق بالنسبة لإليزابيث التي تتحدث العربية بطلاقة ومعروفة بانتقادها اللاذع لإيران وروسيا وحكومة النظام السوري والحكومة الإسرائيلية. فقد قامت الباحثة المولودة في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية بزيارة العراق نحو 10 مرات متتالية بحسب السلطات المحلية. والتقت إليزابيث بشخصيات مختلفة بصفتها باحثة مهتمة بدراسة الهويات الطائفية والمجتمعات التي تعيش في حالات صراع في الشرق الأوسط، مع التركيز بشكل خاص على سوريا والعراق. ونقلت بعض المصادر أن تسوركوف قد تم تحذيرها في العراق من قبل بألا تعود للبلاد مرة أخرى.
إليزابيث انتقلت مع والدتها وأختها من الاتحاد السوفيتي لإسرائيل في 1990، وقامت بالخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي عام 2006 في مكتب بتل أبيب. ثم حصلت على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس، ودرجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة تل أبيب. وقد أكدت جامعة برينستون العريقة في بيان مقتضب بأن تسوركوف كانت أحد طلابها في برنامج دكتوراة. وهي أيضاً زميلة في معهد نيوز لاينز الأميركي، والمنتدى الإسرائيلي الفلسطيني للتفكير الإقليمي ومقره القدس.
إليزابيث تقول إن قناعاتها تغيرت وباتت ترفض الصهيونية بعد أن ترعرعت في بيئة صهيونية يمينية متشددة. وقد عملت في عدة مؤسسات حقوقية تهتم بالشأن الفلسطيني قبيل انتقالها لإسطنبول قبل عدة سنوات. من ضمن تلك المؤسسات منظمة غيشا العاملة في مجال مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر في الحصول على تصاريح أمنية للسفر والعلاج في الضفة والقدس والخارج.
الحكومة الإسرائيلية تقول إن إليزابيث دخلت العراق بجواز سفر روسي، ولم تستعمل جوازها الإسرائيلي في التنقل، لكن جنسيتها الإسرائيلية أمر معروف بسبب كتاباتها العلنية على المواقع الإخبارية وموقع التواصل الاجتماعي تويتر.
هذا الأمر دفع البعض لانتقاد قيام تسوركوف بدخول العراق بتلك الطريقة على الرغم من حظر الحكومة العراقية دخول أي إسرائيليين لأراضيها، بالإضافة لتعريض محاوريها العراقيين للخطر، حيث يعتبر أي تواصل مع إسرائيليين جريمة.
التساؤل الآخر الذي طرحه البعض هو كيف سمحت جامعة برينستون لإليزابيث بالسفر للعراق لأبحاث أطروحتها العلمية على الرغم من المخاطر البينة على حياتها وحياة من تقابلهم. ففي البيئات الأكاديمية يتطلب البحث الميداني موافقة صريحة من مشرف رسالة الدكتوراة ولجنة متخصصة.
"الحكومة الإسرائيلية تبذل جهدها لإعادة إليزابيث لوطنها" بحسب مصدر سياسي إسرائيلي الذي قال بأن كتائب حزب الله العراقية كانوا على علم مسبق بأن تسوركوف تحمل الجنسية الإسرائيلية. لكن مجلة نيولاينز تعبر عن خشيتها بأن "ما يزيد الأمور تعقيدًا حقيقة أن ليز منتقدة صريحة للاعبين الثلاثة الرئيسيين المشاركين في التفاوض على إطلاق سراحها: إسرائيل وإيران وروسيا. لذلك، نشعر جميعاً بأن الولايات المتحدة بحاجة للمشاركة بطريقة ما في مساعدة ليز". لكن تسوركوف ليست مواطنة أميركية ما يعني أن "اختفائها لم يؤد لرد فعل صارم للولايات المتحدة بالمقارنة بما لو حدث ذلك لمواطن أميركي" بحسب المجلة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة