سياسة
.
بين مستشفى الأمل الخاص ومستشفى الدكتور خليل سليمان الحكومي في جنين اعتاد أبو الطيب جرادات أن يذهب في السابعة صباحا ليفتح محله الذي يقع هناك كل يوم عدا الجمعة. خلال معركة "بأس جنين" كما أطلقت عليها "كتيبة جنين" لم يغادر أبو الطيب منزله داخل المخيم، ورفض بشكل قطعي الخروج مع من تهجروا مرة ثانية، وقال: "هو لازم جدي يهاجر وأبوي يهاجر وأنا أهاجر، خلي جيل يحكي لا لمرة وحدة".
بعد المعركة التي بدأت في ٣ يوليو واستمرت لأكثر من ٤٨ ساعة خرج أبو الطيب من بيته يتفقد المخيم وأهله، قابلته بلينكس على باب المخيم وأوضح أنه ذاهب لمحله يتفقده، وتابع أبو الطيب ساخرا: "هيو هون محلي بين مستشفى الأمل والحكومي، بلد كلها مستشفيات من كثر الإصابات". ما نوه له أبو الطيب، يعتبر محط استغراب بالنسبة لزوار المدينة، إذ أن الشارع المؤدي للمخيم يحوي ٣ مستشفيات وهي: الأمل الخاص، الدكتور خليل سيلمان الحكومي، ومستشفى المطيع الخاص، والمسافة بين الأول والأخير لا تتجاوز الـ٤٠٠ متر. وكانت مستشفيات مدينة جنين أعلنت أنها تعاني من نقص بالكوادر الطبية والمستلزمات الصحية والدوائية بفعل كثرة الإصابات التي وصلتها خلال المعركة.
أبو الطيب الذي تزوج قبل ٤ أشهر، لم يكترث لمحله الذي تكسر زجاجه وأحرقت بعض بضاعته القوات الإسرائيلية، وهو ما أكده قوله: "ولا إشي، فدا الشباب والمخيم"، وتابع: هذا ولا إشي مقابل الي بقدموه ولاد المخيم".
استنكر أبو الطيب سؤال الصحفيين عن شعوره في أول مرّ رأى محله بعد أن تم تدميره وقال: "إحنا بنطلعش على محلات، شعورنا كله موجه تجاه الشهداء إلي راحوا". وكانت إسرائيل قد قتلت ١٣ فلسطينيا أعمارهم تتراوح بين ١٥ و٢٣ عاما خلال المعركة التي أسمتها "البيت والحديقة" ورفضت إطلاق لقب "معركة" عليها، وأسمتها بـ "عملية عسكرية".
وخلال المعركة أصيب ٣٠٠ فلسطيني بجروح متفاوتة، ١٨ منهم ما زالوا في غرف العناية المكثفة ووصفت وزارة الصحة الفلسطينية إصاباتهم بالخطيرة، واعتقلت إسرائيل ١٥٠ فلسطينيا من أهالي المخيم خلال يومي المعركة وهجرت ٣ آلاف مواطن إلى خارج المخيم، ووفّر الهلال الأحمر الفلسطيني ممرا أمانا للمدنيين المهجرين لحظة خروجهم من المخيم.
تنهد أبو الطيب تنهيدة كبيرة، قال بعدها: "أنا مخنوق"، وعاد يؤكد أنه لم يأتِ إلى هنا لينظف المحل، بل ليزيح الزجاج عن الرصيف والشارع كي لا تؤذي المارين والسيارات على الطريق. وكانت جرافات بلدية جنين وجرافات تتبع لأهالي المدينة ولأهالي القرى المجاورة متواجدة في المكان تقوم بتنظيف الشوارع من الركام. وكذلك لفت نظر أهالي المخيم تواجد "جرارات زراعية تحمل صهاريج مياه وخراطيم" أغلبها غير حكومية وإنما تتبع لمواطنين أتوا من قرى مجاورة ينظفون السواد الذي خلفه الاشتباك بين جيش الاحتلال الذي دخل المدينة بأكثر من ألف و٥٠٠ جندي و٢٠٠ مركبة عسكرية من جهة، ومقاتلين من كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي يرافقهم مقاتلين من كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح وكتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس وكتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكرية للجبهة الشعبية في فلسطين من جهة أخرى.
وكان أبو الطيب تبرع بالدم في مستشفى الدكتور خليل سليمان الحكومي الذي يقع على مدخل المخيم لحظة خروجه من المخيم لأول مرة بعد المعركة.
كانت كتيبة جنين وزعت الهدايا والألعاب على أطفال المخيم بعد انتهاء المعركة بيومين، واشترت الكتيبة ٢٠٠ قطعة ألعاب من أبي الطيب، في محاولة منها لتعويضه عن خسائره إلا أنه رفض أخذ المال من المقاتلين وقال لهم: "بتشتروا فيه حَب أحسن". ويقصد الشاب العشريني بالحَب الرصاص. والحَب مصطلح مشهور في جنين خلال الاشتباكات.
ويمثل أبو الطيب حال كثير من أهالي المخيم الذين استنكروا ردة فعل القيادة الفلسطينية في رام الله التي اكتفت بقول إنها ستوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل حسب ما قالوا، وكذلك استنكروا ردّة فعل الفصائل الفلسطينية في غزة الذي اكتفوا بإصدار التصريحات حسبما يرى أهالي المخيم.
خلال ساعات المعركة دمرت إسرائيل البنية التحتية للمخيم الذي ما زال يعاني من انقطاع الكهرباء والمياه حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي للجرافات الإسرائيلية وهي تجرف الإسفلت أمامها تمهيدا لاقتحام الآليات العسكرية. ويري أهالي المخيم أن اقتحام ١٩ يونيو والذي فجرت فيه الكتيبة دبابة إسرائيلية من نوع "فهد" جعل إسرائيل تلجأ لجرف الشوارع قبل إدخال المركبات العسكرية لاقتلاع كل الألغام الأرضية المزروعة في الشوارع.
وأعلنت إسرائيل في هذه المعركة عن إصابة جندي ومقتل آخر فيما أعلنت كتيبة جنين في تصريح رسمي لها أنها أجهزت على كتيبة إسرائيلية كاملة في حارة الدمج وقالت: "نؤكد لشعبنا مقتل من في الجيب العسكري الذي حاصرناه".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة