سياسة
.
من أمام مدخل بلدته اليامون شمال جنين مرَّ صاحب العشرين عام عدي خمايسة ليعبر إلى بلدة كفرذان المحاذية لمدينة جنين والمطلة على سهل المدينة في تمام الساعة الثانية فجراً يوم ٤ يوليو الماضي. وبعد مرور ٢٤ ساعة عاد إلى بيته على أكتاف أصدقائه، مع جموع غفيرة في ساحة منزله تهتف لـ "الشهيد وأمه وأبيه". وعلى صوت "يا أم الشهيد نيالك، يا ريت أمي بدالك" استقبل إبراهيم خمايسة الأب لـ ٣ بنات وولدين كان عدي أحدهما ابنه "الذراع الأيمن" له حسبما قال.
لم يكن عدي شخصاً عادياً على حد تعبير والده، فكان محباً ومحبوباً من دائرته المحيطة كلها. ويصف إبراهيم ابنه بأنه "الحنون الودود على عماته وخالاته وأمه وأخواته البنات". وخلال حديثه مع بلينكس، استذكر والد عدي علاقة ابنه الكبير بابنه الصغير محمد، الذي جاء إلى الحياة بعد ٣ بنات و١٦ عاما من انتظار أخ ذكر لعدي. يقول إبراهيم: "ما رضي عدي ينزل معي على الشغل بموسم الزيتون يوم ما أمه ولدت محمد" وعلل عدي ذلك بأنه يريد أن يرى أخاه الصغير وينام بجانبه ويساعد أمه في ولادتها.
مع بداية المعركة التي دارت رحاها في جنين ومخيمها في ٣ يوليو والتي قتل فيها الجيش الإسرائيلي عدي مع ١٢ شاب آخرين خرج عدي من بيته في تمام الساعة ٢ فجراً وركن سيارته على مدخل قرية كفرذان ليقطع الشارع الرئيسي مشياً على الأقدام نحو سهل مرج بن عامر.
ويعمل عدي في زراعة الخيار في سهل مدينة جنين ويساعد أباه في إعالة الأسرة المكونة من ٧ أفراد. بعد أن وصل إلى السهل كانت التعزيزات العسكرية تصل من معبر الجلمة نحو مدينة جنين وصادفت في طريقها عدي الذي كن يقف على مقربة من الشارع الرئيسي، فأطلقوا عليه النار وأردوه أرضا حتى خرج كل دمه من جسده، حسبما قال أبوه. إبراهيم خمايسة المزارع الذي يعمل لـ ١٠ ساعات يومياً قال لبلينكس "كان ينقل خيار". واستذكر المزارع كيف "قلب الأب يشعر بما يصيب أولاده" فاستيقظ من نومه سريعا باحثاً عن عدي ولم يجده.
ظل والد عدي يسأل عنه في المستشفيات لمدة ٢٤ ساعة، ولم يعثر على أي أثر له، وفي ذلك اليوم تضاربت الآراء في بلدته اليامون عن حالة عدي، منهم من قال إنه أصيب ويعالج في مستشفى في جنين، ومنهم من قال أن الجيش الإسرائيلي أصابه واعتقله. وبعد يوم كامل من البحث الطويل، وجد إبراهيم ابنه عدي ملق على طرف السهل على بطنه.
على عكس ما يروج له الجيش الإسرائيلي أنه "قتل إرهابيين في جنين" أكثر من نصف الذين قتلوا في العملية التي أسماها الفلسطينيون بـ "بأس جنين" هم من المدنيين وغير المسلحين. عدي كان واحداً من هؤلاء المدنيين، وكان "من شغله إلى بيته وملتزم بصلاته" حسب ما وصف أبوه. لعدي ٣ أخوات من أصحاب الهمم اثنتين منهم يعانين من فشل جزئي في الدماغ والثالثة أصيبت بخلع ولادة، وكان عدي المساعد الأول لأبيه في إعالة أخواته اللواتي يحتجن إلى مراكز خاصة لمعالجتهن.
حسبما قال إبراهيم، بناته الثلاث يتعالجن في مراكز خاصة غالية الثمن، والمستشفيات الحكومية لا توفر جلسات العلاج الخاصة ببناته، وهو ما يجبره على صرف أكثر من ١٥٠٠ شيكل (٤٥٠ دولار أميركي تقريبا) على علاج بناته اللواتي يخضعن لجلستين أسبوعياً. وتبلغ مدخولات إبراهيم المادية حوالي ٣٥٠٠ شيكل تقريباً (حوالي ١٠٠٠ دولار أميركي) شهرياً.
والأربعاء الفائت أعلن الجيش الإسرائيلي إنهاء عملية واسعة استمرت يومين في جنين بشمال الضفة الغربية المحتلة قُتل فيها 12 فلسطينيا وجندي إسرائيلي، بعد غارات شنها فجرًا على غزة ردًا على إطلاق صواريخ من القطاع.
وشن الجيش الإسرائيلي فجر الاثنين أوسع عملية له منذ سنوات عدة في الضفة الغربية المحتلة شارك خلالها عدد كبير من الجنود والمدرعات بمؤازرة مسيّرات شنت هجمات جوية وجرافات عسكرية.
وقال الناطق باسم الجيش الاسرائيلي دنئيل هغاري إن "لواء المغاوير انسحب" من مخيم جنين حيث قال الجيش إنه عثر على مخابئ ومخازن أسلحة ونفق تحت الأرض يستخدم لتخزين المتفجرات.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن الهجوم الإسرائيلي أسفر عن سقوط "12 شهيدا، بينهم خمسة فتيان، وأكثر من 140 إصابة، بينها نحو 30 إصابة حرجة".
في المقابل، أكد الجيش الإسرائيلي مقتل أحد جنوده "بالرصاص الحي" خلال العملية.
وتسببت العملية العسكرية بنزوح ما لا يقل عن 3000 من سكان المخيم. وفتحت المدارس والكنائس في محيط جنين أبوابها لايوائهم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة