سياسة

إعادة نظر.. قائمة الخسائر الإسرائيلية من "تقييم" العلاقات الأميركية

نشر

.

Muhammad Shehada

تغير "مكانة" إسرائيل لدى حليفها الأهم لم تعد أمرا خافيا، إذ وصلت للتراشق العلني، فـ"إسرائيل لم تعد نجمة أخرى على العلم الأميركي" بحسب انتقاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الرئيس الأميركي جو بايدن بعد تصريح الأخير أن حكومة بنيامين نتنياهو الحالية هي "أحد أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً في التاريخ".

هجوم بايدن العلني دفع بعدها الكاتب المقرب من الرئيس، توماس فريدمان، تخصيص مقالة كاملة في صحيفة نيويورك تايمز يقول فيها بأن "إعادة نظر الولايات المتحدة في علاقتها مع الحكومة الإسرائيلية بدأت"، وأن "التحالف المتطرف الذي يحكم إسرائيل تمادى كثيراً على العديد من الجبهات".

المقال أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الإسرائيلية التي ترجمت الأمر باعتباره "تهديدا" لمستقبل العلاقات بين الحليفين الأقرب. المراسل الدولي للقناة 13 العبرية يوسف يسرائيل فأشار إلى أن فريدمان "ليس فقط مجرد محلل سياسي"، بل هو "يكتب من أجل عين صنّاع القرار الأميركيين" بسبب قربه من البيت الأبيض، وأن الرئيس بايدن حريص على قراءة كلماته، مستشهدا بأول انتقاد من بايدن لحكومة نتنياهو، والذي جاء بعد مقال لفريدمان عن نفس الموضوع.

ما أثارته انتقادات بايدن وفديدمان لحكومة نتنياهو، وصلت إلى تهجم أعضاء في الكنيست من حزب الليكود الحاكم على فريدمان شخصياً، بينما حذر بعض المحللين السياسيين من أن كلمة "إعادة النظر في العلاقات" تعد تقليدياً "أقوى تهديد في جعبة أميركا". فما الذي قد يعنيه هذا التهديد؟ وما الذي قد تخسره إسرائيل من معاندة البيت الأبيض؟

مشكلة أميركا مع "شراء الوقت"

منذ تنصيب الحكومة الإسرائيلية الحالية، عمل التحالف اليميني الحاكم على الدفع قدماً بقوانين من شأنها تقويض استقلالية القضاء الإسرائيلي وقدرته على الاعتراض على بعض قرارات الحكومة أو الكنيست، قد يسمح بما يسمى "طغيان الأغلبية"، أي أن يكون للتحالف الحاكم نفوذ شبه مطلق في ظل عدم وجود مرجعية دستورية للبلاد.

هذا الهاجس دفع مئات آلاف الإسرائيليين للتظاهر ضد حكومة نتنياهو لأكثر من ٦ أشهر متتالية منددين بخطر "تدمير النظام الديمقراطي والليبرالي الداخلي ومضي الدولة على طريق التحول لدكتاتورية ذات مرجعية دينية"، بحسب التحالفات السياسية المعارِضة التي تقود المظاهرات.

في الوقت ذاته، يشير فريدمان بأن الحكومة الإسرائيلية تهدد "أحد أهم المصالح الأميركية الإسرائيلية المشتركة وهو الوهم المشترك بأن احتلال إسرائيل للضفة الغربية مجرد أمر مؤقت وأنه في يوم من الأيام سيكون هناك حل دولتين"، على حد تعبير الكاتب الأميركي.

علم فلسطين من داخل الأمم المتحدة عام ٢٠١٢ عقب تصويت الجمعية العامة بالاعتراف بفلسطين "دولة عضوة". أ ب

يضيف فريدمان بأن هذا "الوهم" سمح لأميركا شراء الوقت والمماطلة، وتوفير الحماية لإسرائيل في المحافل الدولية مثل مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى "غض الطرف عن أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي في الضفة، والقول بأنه في حل التوصل لحل الدولتين فإن بعض أولئك المستوطنون سيبقون وبعضهم سيتم ترحيله".

لكن حكومة نتنياهو تقوم اليوم "بأفضل ما لديها لتدمير هذا الوهم الذي يساعد على شراء الوقت"، حيث نفّذت هذا العام أكبر توسعة استيطانية منذ عقود في قلب الضفة المحتلة وشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية حتى تحت القانون الإسرائيلي نفسه، وإعادة إقامة مستوطنات، أُخليت في العام 2005 في نقض لتعهد إدارات أميركية سابقة، ورفض حل الدولتين، ومناداة أحزاب بعض الوزراء كوزير المالية بتسلائيل سموتريش بضم الضفة لإسرائيل.

اعرف أكثر عن..

قائمة الخسائر الإسرائيلية

  • الجيش:

في عام 2010، عندما رصدت إدارة باراك أوباما الأميركية نحو 5.7 مليار دولار كمساعدات عسكرية لدول صديقة، حصلت إسرائيل وحدها على نحو نصف تلك الموازنة، وقبل ترك أوباما كرسي الرئاسة رفع تلك المساعدات العسكرية لإسرائيل لتصل لأكثر من 3.8 مليار دولار سنوياً، وهو الرقم الأعلى للمساعدات العسكرية من دولة إلى أخرى في العالم دون منازع.

كما بلغت مساعدات الولايات المتحدة لإسرائيل أكثر من 150 مليار دولار منذ إطلاقها حتى العام 2022، ما يجعل إسرائيل أكثر دولة تلقياً للمساعدات الأميركية على وجه الأرض منذ الحرب العالمية الثانية.

وهو الأمر الذي يذكّر به فريدمان في مقدمة مقاله، الوزير بن غفير ليحثّه بأن "يكون أكثر تأدباً مع بايدن"، في تهديد ضمني حول مصير تلك المساعدات.

دبلوماسيون أميركيون سابقون طالبوا تخفيض المساعدات العسكرية، مثل طالب دانيل كورتز السفير الأميركي إلى إسرائيل في إدارة جورج بوش الابن، الذي نادى بوضع شروط صريحة على المساعدات الأميركية لتل أبيب أو قطعها تماماً إبان فوز نتنياهو في انتخابات شهر نوفمبر ٢٠٢٢، بينما ألمح السيناتور الأميركي ومرشح الرئاسة السابق برني ساندرز اعتزامه طرح مشروع قانون يقيد المساعدات العسكرية لإسرائيل ويفرض عليها شروطاً بشأن معاملتها للفلسطينيين وعملية السلام.

الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، في لقاء ودي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي إسحاق رابين عام ١٩٩٢. أ ب

  • رفع الحصانة:

أحد أبرز التهديدات التي استنبطها إسرائيليون من مقال فريدمان هي أن البيت الأبيض قد يرفع حمايته عن إسرائيل في المحافل الدولية، حيث تقوم الولايات المتحدة تقليدياً باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ضد أي قرارات تنتقد إسرائيل أو تطالبها بتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين. بالإضافة لممارسة الإدارة الأميركية حملات ضغط هائلة على محكمة الجنايات الدولية لتقويض ملف التحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب.

الاستثناء الوحيد في "ملف رفع الحصانة" جاء في نهاية عهد الرئيس أوباما عندما امتنعت أميركا عن التصويت على قرار أممي في مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي ما سمح للقرار بالمرور بموافقة بقية الأعضاء وبالتالي غياب الفيتو. إحراج الحكومة الإسرائيلية الحالية المستمر لواشنطن فيما يتعلق بهدم عملية السلام وفرص تحقيق حل الدولتين وترسيخ واقع الدولة الواحدة قد يدفع البيت الأبيض للمضي على إثر إدارة أوباما.

يتساءل فريدمان "لماذا يجب على أميركا الدفاع عن احتلال إسرائيلي مؤقت للضفة الغربية، في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، في الوقت الذي تتفانى فيه الحكومة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، ومنح اثنين من أكثر دعاة الضم، سموتريتش وبن غفير، قوى أمنية ومالية موسعة".

  • تأشيرات دخول أميركا

لسنوات، سعت الحكومة الإسرائيلية للدخول في برنامج إعفاء تأشيرات الدخول الذين يسمح لمواطنيها السفر للولايات المتحدة دون طلب تأشيرة مسبقة. حكومة نتنياهو بدت حريصة على التوصل لاتفاق بهذا الشأن كإنجاز دبلوماسي كبير لترضية الشارع الإسرائيلي، إلا أن الأمر اصطدم بعقبة رفض الحكومة الإسرائيلية السماح للمواطنين الأميركيين من أصول فلسطينية بالسفر لإسرائيل والأراضي المحتلة دون أي تمييز أو إعاقة.

فريدمان يذكّر في مقاله بـ "طموح إسرائيل الدخول في هذا البرنامج"، لكنه يسأل "لماذا يأخذ مستوطن إسرائيلي في الخليل إعفاءً من تأشيرة الدخول لأميركا بينما لا يحصل فلسطيني من الخليل على ذلك الإعفاء؟ خاصة عندما تقول الحكومة الإسرائيلية بشكل عملي بالقول بأن الخليل تعود لإسرائيل".

  • التعاون العلمي والمالي

الولايات المتحدة توفر أيضاً صناديق تعاون علمي وبحثي لدعم الجامعات الإسرائيلية، علاوة على التعاون الاستخباراتي والعسكري بين واشنطن وتل أبيب. يضاف إلى ذلك توفير أميركا ضمانات للقروض التي تحصل عليها إسرائيل من البنوك الأميركية. وهو أمر سبق وأن استخدمه الرئيس الأميركي جورج بوش الأب كأداة ضغط لإجبار إسرائيل على عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وهدد في حينها رفض الطلب الإسرائيلي للحصول على ضمانات قروض بـ ١٠ مليارات دولار آنذاك.

أما الرئيس الأميركي الجمهوري رونالد ريجان، الذي تتذكره إسرائيل ببغض، لأنه الرئيس الأميركي الذي أوقف إمدادها بطائرات إف-16 المتطورة بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك بعد قصف الجيش الإسرائيلي لمفاعل نووي في العراق، وفي العام التالي، قيد المساعدات العسكرية لإسرائيل لإجبارها على الانسحاب من بيروت ووسط لبنان.

أما الرئيس بوش الابن ففرض عقوبات على شركات أسلحة إسرائيلية في عام 2005، وعلقت إدارته إمدادات أدوات تكنولوجيا حساسة وأوقفت التعاون مع إسرائيل في عدة مشاريع عسكرية كتطوير الطائرة إف-35 الحربية، إثر صفقة سلاح إسرائيلية مع الصين.

الرئيس جو بايدن يعتبر أكثر رئيس محب لإسرائيل من الحزب الديمقراطي، وقد حرص بشكل دائم على عدم إبراز خلافاته مع الحكومة الإسرائيلية للعلن، بحسب دراسة، لذلك يعد خروجه عن صمته مؤخراً نذيراً شديد السلبية لتل أبيب.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة