سياسة

ما الذي يقلق شركات High-tech في إسرائيل من التعديلات القضائية؟

نشر

.

Muhammad Shehada

اللون الأسود غطى الصفحات الأولى في أكبر أربع صحف إسرائيلية يوم الثلاثاء مع عبارة "يوم أسود للديمقراطية الإسرائيلية"، نادراً جداً ما تتفق تلك الصحف على شيء، فإسرائيل هايوم أسسها الملياردير الأميركي شيلدون أديلسون لتكون صوتاً لليمين الإسرائيلي وسنداً لبنيامين نتنياهو، بينما تمثل يديعوت أحرونوت تيار الوسط، فيما تعتبر هآرتس صوت اليسار الليبرالي المثقف.

شركات التكنولوجيا المتقدمة High-Tech هي من وحّدت غلاف تلك الصحف بإعلان ممول لتسجيل احتجاج شديد على تمرير التحالف اليميني الحاكم لقانون في الكنيست الإسرائيلي يقوض من سلطة القضاء وقدرته على الاعتراض على قرارات الحكومة. فما الذي يدفع بشركات رأسمالية ربحية من الخروج من ساحة الاقتصاد لساحة السياسية وخوض حرب معلنة ضد أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل؟

عصب الاقتصاد الإسرائيلي

عندما يصل عمر الشخص في إسرائيل لـ١٨ سنة، يتوجب عليه الخدمة في الجيش الإسرائيلي لمدة 32 شهرا، باستثناء المواطنين من أصول فلسطينية واليهود "الحريديم". المجندون إجبارياً يخدمون في أحد فروع الجيش المتعددة، كفرق المشاة القتالية أو حرس الحدود أو الاستخبارات أو السلاح الجوي. لكن أغلب الأهالي الإسرائيليين يصرون أن يخدم أبنائهم في وحدة معينة من الجيش اسمها عبارة عن الرقم "8200".

السبب الرئيسي هو أن الخدمة في تلك الوحدة تعتبر بوابة النجاح في عالم شركات High-tech، فهي الشعبة الاستخبارية المسؤولة عن الحروب الإلكترونية والتجسس الرقمي وفك الشيفرات والتنصت والتشويش وتمتلك أحدث الوسائل التكنولوجيا المتاحة لهذا الهدف.

خريجو 8200 هم الأوفر حظاً في العثور على وظائف في داخل إسرائيل وحول العالم، في الواقع الشركات التقنية تتلهف لتوظيفهم لدرجة أنها تحاول إغراء بعضهم أثناء خدمتهم في الجيش. وتبلغ رواتب الموظفين في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي ثلاثة أضعاف معدل الدخل في باقي قطاعات الاقتصاد المحلي، لذلك يحظى هذا القطاع بأهمية وشعبية بالغة في أوساط الإسرائيليين.

مع إقبال كبرى الشركات العالمية (مايكروسوفت وآبل وإنتل) على فتح فروع لها في إسرائيل بعد اتفاق أوسلو عام 1993 للسلام مع منظمة التحرير الفلسطينية، صعد قطاع الشركات الريادية والتقنية في الدولة العبرية بشكل كبير إلى أن أصبح المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد الإسرائيلي.

فصناعة التكنولوجيا مسؤولة عن أكثر من 50٪ من الصادرات الإسرائيلي وحوالي 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة لمساهمتها بنحو 30٪ من ضرائب الرواتب، علاوة على توظيفها ما يقارب 11٪ من القوى العاملة في البلاد. لذلك، هي تعتبر الدجاجة التي تبيض ذهباً للحكومة، ليس فقط بسبب عوائدها المالية العالية، بل أيضاً لكون نجاح هذا القطاع سلاح دبلوماسي ناعم لتسويق صورة إيجابية عن إسرائيل كنموذج في الريادية والابتكار ولإغراء الدول النامية بتطبيع علاقاتها مع الحكومة الإسرائيلية بغض النظر عن الاحتلال.

من التظاهرات التي شهدتها إسرائيل

ما الذي يدفع الشركات التكنولوجية للقلق؟

تخيل نفسك مديراً تنفيذياً لصندوق رأس مال استثماري ضخم، وظيفتك الأساسية هي السعي لرفع أرباح المساهمين عبر الاستثمار في مشاريع ناجحة بنسبة مخاطرة قليلة. عليك الاختيار بين شركة عالية الأرباح في روسيا وشركة متوسطة الأرباح في فرنسا. أيهما تختار؟ وما المعطيات التي قد تبني عليها قرارك؟

في هذا المجال من الأعمال، تقوم الصناديق الاستثمارية برسم دراسة شاملة عن البلد نفسه، وليس الشركة فقط. في روسيا، المخاطر كثيرة لتثبيط ذلك القرار على الرغم من الربح العالي للشركة المستهدفة. أحد تلك المخاطر هو تفرد الحكومة بالسلطة وضعف استقلالية القضاء، فإذا قامت الحكومة بمنعك من سحب استثماراتك أو قام صاحب الشركة واسع النفوذ بالسطو على أموالك، فإن فرصتك في الحصول على العدالة من المحاكم المحلية ضئيلة. خاصة في ظل عزل روسيا عن المنظومة الدولية ما يعني انعدام إمكانية مسائلتها في محاكم خارج البلاد. يضاف إلى ذلك أن الوضع الأمني غير المستقر ويصعب التنبؤ به، فقد تخلق بعض الأحداث نوعاً من الهلع في الأسواق ويدفع لهروب رؤوس الأموال واضطراب في أسواق الأسهم وسعر العملة. لذلك، قد يميل البعض لاختيار فرنسا مثلا بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي النسبي للبلاد واستقلالية القضاء وثبات أسعار صرف اليورو واستقرار سوق الأسهم ما يجعلها بلداً جاذباً للاستثمارات.

الخوف من جفاف منابع التمويل

إسرائيل تواجه هذه المعضلة الآن التي تهدد مناخها الاستثماري. فقيام التحالف الحاكم بخطوات تضعف من استقلالية وسلطة القضاء الإسرائيلي وقدرته على مسائلة الحكومة وإيقاف قرارتها غير العقلانية دفعت شركات التصنيف الائتماني العالمية كشركة Moody’s لتخفيض تصنيف إسرائيل من إيجابي لمستقر في شهر إبريل الماضي.

الشرطة استخدمت خراطيم المياه لفض المتظاهرين

يوم الثلاثاء، حذرت شركة Moody’s بنبرة حادة من أن إسرائيل تواجه "تداعيات اقتصادية سلبية، ومخاطر كبيرة" بعد تمرير أول التعديلات القضائية يوم الاثنين المتعلق بإلغاء بمبدئ العقلانية الذي يتيح للمحكمة العليا إبطال قرارات حكومية متطرفة أو غير منطقية.

هذا الأمر يعد كابوساً لشركات التكنولوجيا المتقدمة في إسرائيل، والتي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والقروض الأجنبية وبيع الأسهم لتمويل مشاريعها وأنشطتها. فالمناخ السياسي الحالي يخلق حالة من عدم الاستقرار التي تخيف المستثمرين والممولين، بالإضافة لأن تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل يعني أن تلك الشركات ستضطر لدفع فوائد أكبر على القروض بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة.

أسعار الصرف وهروب اليد العاملة

التعديلات القضائية وحالة التخبط والفوضى السياسية التي تعيشها إسرائيل وسط انقسام الشارع واستمرار المظاهرات الأسبوعية والإضرابات ورفض آلاف جنود وضباط الاحتياط الخدمة في الجيش، كلها تؤثر بشكل سلبي وكبير على الاقتصاد.

يوم الاثنين، مثلا، شهدت البورصة الإسرائيلية انخفاضاً كبيراً في أسعار الأسهم وانخفضت عملة الشيكل على وقع تصويت أغلبية أعضاء الكنيست لصالح قانون إلغاء مبدأ العقلانية. في الواقع، خلال عام واحد، انخفضت قيمة الشيكل أمام الدولار بنسبة 10% من 3,41 شيكل لكل دولار في نهاية يوليو 2022 ليصل 3,71 شيكل لكل دولار يوم الأربعاء. انخفاض قيمة العملة يساهم في رفع التضخم الاقتصادي، بينما يؤدي انخفاض أسعار الأسهم لضعف موارد الشركات المالية ويعتبر علامة على اهتزاز ثقة المستثمرين في تلك الشركات، وهو ما يرفع من حالة القلق والغضب في قطاع الهاي تيك.

يضاف إلى ذلك أن الوضع السياسي والاقتصادي قد يدفعان العمالة المهارة للهجرة والانضمام لشركات خارج إسرائيل بالإضافة لأصحاب رؤوس المال الإسرائيليين والذين بدأ بعضهم في نقل أموالهم للخارج بأرقام قياسية، فراراً من المناخ المتوتر الذي تعيشه البلاد تحت حكم اليمين المتطرف.

الهروب الكبير من الدولة "الريادية"

هذا الأمر دفع بعض الشركات التكنولوجيا الإسرائيلية لنقل مقراتها للخارج، بما في ذلك ثماني شركات تتجاوز قيمتها السوقية المليار دولار قامت خلال العام الجاري بنقل مقرها الرئيسي للولايات المتحدة. بينما أفاد تقرير نقلته وكالة رويترز بأن 68% من الشركات الريادية الإسرائيلية قامت باتخاذ إجراءات لنقل أجزاء من أعمالها لخارج إسرائيل أو تبديل مصادر تمويلها في ظل الإصلاحات القضائية. علاوة على ذلك، الغالبية العظمة من الشركات الإسرائيلية الريادية الناشئة (حوالي 80%) أقامت مقراتها خارج إسرائيل. وتفيد نحو 80% من الشركات الريادية الإسرائيلية بأن الإصلاحات القضائية المرتقبة أثرت سلباً على أعمالهم إما بضعف التمويل والاستثمارات الأجنبية، أو بالسعي للانتقال للخارج.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة