سياسة
.
دانيل ليفي شاب إسرائيلي يسكن بالقرب من تل أبيب، كغيره من المعارضين للتعديلات القضائية التي يرغب ائتلاف بنيامين نتنياهو في تمريرها، يواظب دانيل على المشاركة بشكل أسبوعي في المظاهرات الاحتجاجية ضد أكثر حكومة يمينية في تاريخ البلاد، بل في بعض الأحيان يشارك في مظاهرتين أو ثلاثة في نفس اليوم لأنه "يشعر بالقلق الشديد حيال مستقبل بقاء إسرائيل".
لكن بعد يوم الاثنين ٢٤ يوليو، عندما نجحت الأحزاب الحاكمة في تمرير قانون إلغاء "مبدأ العقلانية" عبر الكنيست، والذي يُلغي قدرة المحكمة العليا إبطال أي قرار حكومي، بدأ دانيل وشريكته في البحث عن مهرب للهجرة من البلاد، حسبما يخبر صحيفة هآرتس.
الشاب لا يملك جنسية أخرى عدا الجنسية الإسرائيلية، لكن ذلك لم يمنعه من البحث بتأنٍ عن طرق الهجرة لليونان أو ألمانيا أو كندا، "سنذهب أينما يقبلون بنا. بعد ما حدث بالأمس في الكنيست، رفعنا جهود البحث عن مهرب".
تقول مكاتب السفريات إنها تتلقى حالياً أكبر كم من الاتصالات من الزبائن الراغبين في البحث عن مخرج. أ ب
هذا هو حال الكثير من الإسرائيليين حالياً، حيث يفكر نحو ثلث السكان بالهجرة بسبب الأوضاع السياسية، بينما تقول مكاتب السفريات إنها تتلقى حالياً أكبر كم من الاتصالات من الزبائن الراغبين في البحث عن مخرج. فما القصة؟ وما الذي يدفع الإسرائيليين لهذا القرار؟ وهل يتحول الأمر لموجات هجرة جماعية؟
على منصة فيسبوك، توجد مجموعات إسرائيلية بأسماء مثل "الهجرة الذكية إلى برلين" أو "الهجرة ليست كلمة قذرة" أو "مغادرة إسرائيل معًا". في العادة، تلقى تلك المجموعات تفاعلاً ضئيلاً، لكنها بدأت بالرواج مع وصول حكومة نتنياهو للحكم وعزمها إدخال تعديلات، يقول المعارضون، إنها تقوّض القضاء وتسمح للحكومة الانفراد بالسلطة وتشريع قوانين تغيّر من هوية الدولة.
بعد تمرير أول تلك التعديلات القضائية يوم ٢٤ يوليو، انفجر التفاعل في تلك المجموعات، بحسب هآرتس، وانتشرت فيها منشورات تطلب المشورة والمساعدة والنصائح العملية حول الهجرة للخارج. خاصةً وأن الائتلاف الحاكم مرر ذلك القانون في الكنيست الإسرائيلي على الرغم من المعارضة والضغط الهائل الذي تعرضت الحكومة من جانب المتظاهرين والأحزاب خارج الائتلاف الحكومي.
عشرات الآلاف من المتظاهرين في مختلف أنحاء البلاد بشكل أسبوعي وأحياناً يومي، وتراجع الأداء الاقتصادي، وتهديد آلاف ضباط وجنود الاحتياط رفض الخدمة في أكثر أسلحة الجيش حساسية وخطورة كسلاحي الطيران والاستخبارات، أو حتى تهديدات الإدارة الأميركية بإعادة تقييم علاقتها مع إسرائيل، لم يلقي التحالف الحاكم بالاً لأي منها، وهو ما يشعر الإسرائيليين بمزيد من القلق حيال مستقبلهم.
نحو 28% من الإسرائيليين يقولون إنهم يفكرون في الخروج من إسرائيل والهجرة منها، وفقاً لاستطلاع رأي للقناة 13 العبرية، أحد أكبر القنوات الإسرائيلية، بينما يقول 56% من الإسرائيليين بأنهم يشعرون بالقلق من احتمالية اندلاع حرب أهلية وشيكة بين سكان البلاد، وسط انقسام حاد في الشارع ما بين معارضي ومؤيدي التعديلات القضائية.
يقول 56% من الإسرائيليين بأنهم يشعرون بالقلق من احتمالية اندلاع حرب أهلية وشيكة بين سكان البلاد. أ ب
هذه تعد أرقاماً كارثية، فأكبر رقم من الإسرائيليين الذين هاجروا من البلاد خلال عام واحد كان 27 ألف و300 مهاجر في عام 2002، في أوج الانتفاضة الثانية وارتفاع حدة العمليات المسلحة في قلب إسرائيل. وفي العام 2016، انخفض هذا الرقم لنحو 15 ألف و200 مهاجر سنوياً تركوا إسرائيل بحثاً عن وظائف أو حياة أفضل بالخارج بحسب صحيفة جيروزاليم بوست.
محامي الهجرة دوتان كوهين يقول إنه شهد زيادة بنسبة أكثر من 50% في الاستفسارات من الأفراد والشركات الذين يسعون للخروج من إسرائيل وفقاً لهآرتس. يقول كوهين إن زبائنه يسألون عن تأشيرات العمل في الخارج أو الإقامة عن طريق الاستثمار. بينما يقول ليون أميراس، محامي إسرائيلي أرجنتيني الأصل إنه يتلقى اتصالات من إسرائيليين يبدون استعداداً لدفع ثلاثة أضعاف أتعابه والرسوم العادية إذا كانت هناك فرصة ولو طفيفة في أن يساعدهم هذا في الحصول على جوازات سفر برتغالية وإسبانية على الرغم من أن القوانين التي كانت تعطي الجنسية لليهود المنحدرين تاريخياً من أسلاف من تلك الدول لم تعد سارية.
أما شركة نيڤو البرتغالية للمساعدة في الهجرة، تقول إنها على الرغم من أنه لم يكن لديها أي زبائن إسرائيليين في السابق، إلا أنها تتلقى الآن نحو 25 مكالمة يومياً من إسرائيليين راغبين في الانتقال للبلد الأوروبي، بالإضافة لقيام أكثر من 100 إسرائيلي بفتح حسابات بنوك في البرتغال عبر تلك الشركة لنقل أموالهم للخارج، بحسب هآرتس.
إذا سألت أي إسرائيلي عن أكبر همومه، فلن يأتي التهديد النووي الإيراني أو هجمات الفلسطينيين على رأس القائمة، بل في العادة يكون الاقتصاد وتكاليف المعيشة هما أهم الأولويات على رأس القائمة بشكل متواصل على مدار السنين الماضية.
الاقتصاد وتكاليف المعيشة هما أهم الأولويات على رأس قائمة الإسرائيليين. أ ب
معدل الرواتب للفرد الإسرائيلي تبلغ نحو 3500 دولار في الشهر، ويشكل النجاح الاقتصادي أحد حوافز البقاء في البلاد وأحد أبرز الأمور التي تستند إليها الحكومة الإسرائيلية في الدبلوماسية الناعمة لتسويق صورة إيجابية عن البلاد كنموذج ناجح يحظى بالتقدير.
لكن التعديلات القضائية التي تصرّ الأحزاب الحاكمة على تمريرها دفعت بالاقتصاد نحو الأسفل في الأشهر الأخيرة. فالشيكل الإسرائيلي انخفض أمام الدولار بنحو 9-10% عقب تولي نتنياهو الحكم في شهر ديسمبر الماضي، وانخفضت أسهم البورصة بشكل كبير بعد تمرير "بند العقلانية" يوم ٢٤ يوليو.
إضافة إلى ذلك، خفّضت شركات التصنيف الائتماني الدولية كشركة Moody’s تقييمها للاقتصاد الإسرائيلي من "إيجابي" إلى "مستقر"، وتراجعت الاستثمارات الخارجية، وتأثرت نحو 80% من الشركات الريادية بالسلب من تلك التعديلات سواء من قلة التمويل أو خروج الأيدي العاملة الماهرة. علاوة على ذلك، أفاد استبيان حديث قيام 68% من الشركات الريادية والتكنولوجيا المتقدمة بإجراءات تتعلق بالخروج من البلاد، سواء بتنويع مصادر تمويلها أو نقل أموالها للخارج أو افتتاح مقرات رئيسية في دول أخرى.
ويترقب الإسرائيليون المزيد من التداعيات الاقتصادية السلبية في الأشهر القادمة، في وقت يهدد فيه المستثمرون وكبار رجال الأعمال بسحب أموالهم من إسرائيل في حال تمرير تلك التعديلات التي تقوض من استقلالية وسلطة القضاء. هذا الأمر يشكل أحد أكبر الحوافز للهجرة للإسرائيليين الباحثين عن دول مستقرة اقتصادياً.
"هناك تهديد.. تهديد خطير. لم يحدث هذا من قبل. نحن ندخل في حرب أهلية الآن"، أدلى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بهذا التصريح ٢٤ يوليو في ظل خروج طوفان بشري من المحتجين إلى الشوارع للتظاهر ضد تمرير الكنيست قانون "بند العقلانية". مؤيدو هذا القانون أيضاً يتظاهرون بشكل دوري بأرقام ضخمة للتعبير عن تأييدهم لحكومة نتنياهو، لذلك يشهد الشارع الإسرائيلي أكثر حالة احتقان داخلي حاد وانقسام سياسي عميق في تاريخ البلاد.
يشهد الشارع الإسرائيلي أكثر حالة احتقان داخلي حاد وانقسام سياسي عميق في تاريخ البلاد. أ ب
الآن يعبر 56% من الجمهور الإسرائيلي عن قلقهم من شبح الحرب الأهلية، في استطلاع رأي أجرته القناة 13، بينما انتشر هذا التحذير على ألسنة الصحافيين والمحللين والسياسيين بشكل غير مسبوق، وهو أحد أبرز العوامل التي تدفع الإسرائيليين للتفكير بالهجرة.
في حال نجح التحالف الحاكم في تمرير التعديلات القضائية، فإن النتيجة في نظر المعارضة ستكون تحول الدولة إلى نموذج حكم ديني ديكتاتوري.
هذا الخوف يستند إلي عدم وجود دستور رسمي لإسرائيل ينظم الدولة ويشكّل مرجعية قانونية، وبالتالي فإن "مؤسسة القضاء" في نظر معارضي القانون الجديد هي الحماية الوحيدة البلاد لهم. ولأن الحكومة الإسرائيلية تنبثق عن التحالف الحاكم في الكنيست الإسرائيلي، لذلك فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية تكون في يد نفس الجهة، وبالتالي يبقى القضاء، في ظل غياب دستور، هو الجهة الوحيدة القادرة على مساءلة الحكومة ومنعها من إساءة استخدام السلطة.
التعديلات القضائية لا تقف عند تقوض قدرة المحكمة العليا من الاعتراض على قرارات الحكومة، لكنها تتضمن تعديلات أخرى تقوم بتغيير أسلوب اختيار قضاة المحكمة العليا ليصبح الأمر متروكاً في يد الكنيست أو التحالف الحكومي، ما يعني تسييس القضاء وتقويض استقلاليته. في حال نجاح التحالف في هذا المسعى فإن النتيجة ستكون إعطاء القوة المطلقة للتحالف الحاكم، بحسب توجهه السياسي.
الأحزاب المتدينة والمتطرفة التي تشكل غالبية التحالف الحاكم تود اتخاذ جملة من القرارات والقوانين التي تهدد ليبرالية الدولة والحريات العامة فيها. فمثلا، وزير الأمن إيتمار بن غفير يريد استعمال الاعتقال الإداري ضد إسرائيليين (الاعتقال دون تهمة أو محاكمة لمدة مفتوحة، وهي أداة تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة) ويريد السيطرة على أجهزة الشرطة والأمن وتعيين مقربين منه في تلك المناصب، بالإضافة لخلق جهاز أمني جديد يدعى "الحرس الوطني" يتبعه شخصياً.
أحزاب اليهود شديدي التدين يريدون سن قوانين تمنحهم حقوقاً ومزايا اجتماعية واقتصادية أكثر من باقي السكان اليهود
حزب "الصهيونية الدينية"، الشريك في الحكم، يريد سن قوانين قوانين تسمح بالتمييز العنصري أو الديني أو العقائدي أو الجنسي في الأماكن العامة، بحيث تستطيع المستشفيات مثلاً، الفصل في غرف العلاج بين اليهود المتدينين من جانب، واليهود غير المتدينين والعرب والدروز من جانب آخر. وزير المالية الإسرائيلي بتسلإيل سموتريش قال سابقاً إنه لا يريد لزوجته أن تلد في مستشفى بها امرأة عربية.
أما أحزاب اليهود شديدي التدين "الحريديم"، فيريدون سن قوانين تمنحهم حقوقاً ومزايا اجتماعية واقتصادية أكثر من باقي السكان اليهود، مثل الإعفاء من التجنيد الإجباري والتفرغ لدراسة التوراة.
تشير التقديرات بأنه يوجد حاليا ما بين 600 ألف، إلى مليون إسرائيلي هاجروا من البلاد ويعيشون في الخارج. نحو 25 ألفا منهم هاجروا لألمانيا، حيث تعفيهم الحكومة الألمانية من تأشيرات العمل والزيارة ويسمح لهم بالقدوم والبحث عن فرص عمل دون إذن مسبق.
وفي البرتغال يسكن حالياً نحو 15 ألف إسرائيلي بينما حصل نحو 55 ألف إسرائيلي على الجنسية البرتغالية. ويسكن نحو 25 ألف إسرائيلي في بريطانيا، حيث تقدم الحكومة تسهيلات بنظام "المواهب العالمية" للعاملين في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
أبرز الدول الرئيسية التي يبحث الإسرائيليون الهجرة إليها هي إسبانيا التي يتشابه مناخها المتوسطي ومعالمها الطبيعية وأسلوبها المعماري ونمط الحياة فيها مع الشرق الأوسط إلى حد ما، بالإضافة للولايات المتحدة والبرتغال وقبرص واليونان وكندا وألمانيا وفقاً لهآرتس.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة