سياسة

روسيا توجه رسالة لدول الاستعمار ببريد القارة السمراء

نشر

.

Alaa Osman

في الفترة ما بين الـ ٢٧ و الـ ٢٨ من يوليو الجاري، استقبلت مدينة سانت بطرسبرغ زعماء من القارة السمراء، قطعوا مسافات طويلة إلى الأراض الباردة حيث عقدت القمة الروسية الأفريقية الثانية.

بمعزل عن القمة، تبدو الأجواء حول العالم أكثر اضطرابا مع مضي الحرب الروسية الأوكرانية في منتصف عامها الثاني، وتعثر اتفاق الحبوب عبر البحر الأسود وما يتبعه من مخاوف متعلقة بالأمن الغذائي العالمي.

إلا أن القمة ألقت بالضوء على ملف جديد، يتقدم ويتراجع دائما على خارطة الأولويات بالرغم من إرثه القاسي، وهو ملف التعويضات عن فترة الاستعمار الأوروبية لبلدان القارة الأفريقية.

فوفقا للإعلان الختامي للقمة، اتفقتروسيا مع ضيوفها على التعاون فيما يتعلق بطلب التعويضات عن الأضرار التي سببها الاستعمار، مع استعادة القطع الأثرية المحلية التي انتقلت للأراضي الأوروبية في الفترة ذاتها.

مقال الرئيس

٤٩ ممثل لدولة أفريقية بينهم ١٧ زعيما أعلنوا ذهابهم إلى سانت بطرسبرغ لحضور القمة، التي اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المشاركة فيها تعبيرا عن الاستقلال والاهتمام الحقيقي بتنمية التعاون مع روسيا.

جزء من ذلك التعاون يتعلق بالماضي القريب نسبيا للقارة السمراء، التي ظلت لأعوام طوال خاضعة لحكم البلدان والامبراطوريات الأوروبية الاستعمارية.

بيان القمة الأخيرة، نص على روسيا سوف تدعم جهود تلك الدول الأفريقية لضمان تعويضها عن "السياسات الاستعماري" بما في ذلك إعادة "الممتلكات الثقافية" التي انتقلت إلى الجهة الأخرى من المتوسط في إطار عمليات "النهب الاستعماري".

يقول الرئيس بوتين :"لقد دعمنا باستمرار الشعوب الأفريقية في نضالها من أجل التحرر من الاضطهاد الاستعماري". (المصدر: وكالة فرانس برس)

قبل انطلاق القمة بأيام كان الرئيس الروسي يتحدث عن الإرث المشترك ما بين روسيا والقارة الأفريقية، خاصة فيما يتعلق بجهود التحرر من الاستعمار قبل عدة عقود، جاد ذلك في مقال بوتين المنشور على موقع الكرملين الرسمي يوم الإثنين الفائت.

قال بوتين عن العلاقات الروسية الأفريقية إن "علاقات الشراكة بين بلادنا وأفريقيا لها جذور قوية وعميقة وتميزت دائما بالاستقرار والثقة وحسن النية. لقد دعمنا باستمرار الشعوب الأفريقية في نضالها من أجل التحرر من الاضطهاد الاستعماري، وقدمنا المساعدة في تطوير الدول وتعزيز سيادتها وقدراتها الدفاعية".

دبلوماسية الذاكرة

من وجهة نظر غربية، لا يمكن تصنيف روسيا كدولة معادية للاستعمار على طول الخط، إذ يُعزى للامبراطورية أيضا محاولات توسعية أوراسياوية، وذلك وفقا لتحليل للباحث الزميل في كينغز كوليدغ بلندن، جيد ماكغلين، نشره موقع فورين بوليسي في فبراير من العام الجاري.

وفقا للباحث، تلجأ روسيا اليوم لاستخدام ما يطلق عليه "دبلوماسية الذاكرة" لتدعيم مصالحها ونفوذها في القارة السمراء، وفي ذلك السبيل تلجأ لإحياء الذكريات المُحببة للاتحاد السوفيتي، ودعمه لحركات الاستقلال والتحرر في أفريقيا ومحاولات الانفصال عن القوى الاستعمارية الغربية.

تلك الاستراتيجية تُجدى نفعا في بعض الأحيان وفقا لماكغلين، إذ أفريقيا تحتفظ بالفعل بذكريات إيجابية حول الدعم السوفيتي للاستقلال خاصة إبان الحرب البادرة، كما أن الكثير من النخب الأفريقية تخرجت في جامعات روسية.

نفوذ ومحاولات

على مدار عقود ظلت مسألة التعويضات عن الاستعمار والفظائع التي ارتكبت، تشغل أذهان النشطاء، بحسب مقال لـ ماكس فيشر المراسل الدولي لصحيفة نيويورك تايمز، بدأت القضية تظهر للسطح في الساحات الدبلوماسية عام ٢٠٠١ لدى عقد مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية في جنوب أفريقيا، غير أن الزخم المحيط بالقضية لا ينفي وجود مصاعب سياسية ومصاعب متعلقة بالنفوذ.

فعلى سبيل المثال ترددت الحكومات في البلدان التي خضعت للاستعمار بشكل مُسبق في المطالبة بالتعويضات أو المضي على أي نحو في تلك القضايا، خوفا على الروابط السياسية والاقتصادية التي باتت تربطهم بالمستعمرين السابقين.

تنجح بعض القضايا الفردية رغم ذلك في تحقيق نجاح ملموس، من بينها قضية تمكن ناجون من حركة قمع بريطانية على كينيا في الخمسينيات، طرحها أصحابها أمام القضاء البريطاني وحصلوا على تسوية قدرها ٣٠ مليون دولار أميركي في العام ٢٠١٣ بالإضافة لاعتذار علني مقتضب.

أما جمهورية بنين فتمكنت من استعادة ٢٦ عمل فني مفقود من فرنسا تحت ضغط، بيد أن استعادة القطع ما تزال غير كافية أو مقبولة في نظر بعض النشطاء، إذ يقدر عدد القطع الأثرية والفنية المعروضة في المتاحف الفنية بعد سرقتها من القارة الأفريقية وحدها حوالي ٩٠ ألف قطعة.

أما ألمانيا، فاعترفت بالإقدام على إبادة جماعية في ناميبيا إبان حقبة الاستعمار وتعهدت بتقديم ١.٣٥ مليار دولار أميركي من المساعدات، إلا أن الاعتراف وفقا لـ فيشر جاء بحذر شديد خوفا من أن تسن ألمانيا سنة تعويضية جديدة تُطبق بشكل مستقبلي على انتهاكات أخرى أو ربما ترتبط بفعل الاستعمار ذاته.

اعرف أكثر

وجه أفريقيا الآخر

في أوائل القرن الماضي، لم تكن ملامح القارة الأفريقية واضحة ومحددة كما نعهدها اليوم، إذ كانت حركات الاستقلال والتحرر ما تزال في المهد وجوانب القارة مقسمة بين أياد إمبراطوريات استعمارية متعددة وفقا لموقع مؤسسة facing history and ourselves .

في العام ١٩١٤ على وجه التحديد، كانت الشمس ما تزال قائمة طوال اليوم وطوال العام على الإمبراطورية البريطانية، فعلى سبيل المثال تضمنت بعض مناطق نفوذها في القارة السمراء كلا من جنوب أفريقيا ومصر والسودان وكينيا ونيجيريا.

أما فرنسا فاستحوذت على بعض من دول الشمال كتونس والجزائر والمغرب ومدغشقر.

ألمانيا استحوذت بدورها على ناميبيا وتنزانيا، والكاميرون، بلجيكا بدورها استحوذت على الكونغو.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة