سياسة

"تعيين الحاكم" يقسم الدستوريين في لبنان ويعزز الانهيار

نشر

.

Camil Bou Rouphael

"لن يحصل الانهيار الكبير من بعدي"، لم يقلها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالحرف الواحد، لكنه قصد معناها في مقابلة مع رويترز. فسلامة، ٧٣ عاما، تنتهي ولايته الإثنين، بعد 30 عاما قضاها في منصب حاكمية مصرف لبنان، بدأها بتثبيت الليرة وجذب الاستثمارات والتمويل بالعملات الصعبة، وأنهاها في ظل اقتصاد منهار وفي وقت يواجه فيه تهما ينفيها باختلاس أموال عامة.

ويثير احتمال حدوث فراغ في رئاسة مصرف لبنان المخاوف من تعرض الدولة لمزيد من الانهيار، ويعكس انقسامات أوسع تركت منصب رئيس الجمهورية شاغرا والبلد من دون حكومة كاملة الصلاحيات لأكثر من عام.

حاكم مصرف قال إن البنك يمكنه احتواء الأزمة بعد مغادرته، وأشار في مقابلة لرويترز، الجمعة، إلى أن البنك المركزي لا يزال بإمكانه احتواء الانهيار المالي في البلاد من خلال "مبادرات نقدية" حتى بعدما تنتهي ولايته في نهاية الشهر الجاري. وتعهد سلامة مرة أخرى بالرحيل حين تنتهي فترة ولايته يوم الإثنين.

انكمش الناتج المحلي الإجمالي اللبناني 40٪

مبادرات نقدية؟

من المبادرات النقدية التي اتخذها رياض سلامة بعد انهيار الليرة ووصولها إلى مستويات غير مسبوقة متجاوزة الـ١٠٠ ألف ليرة لبنانية مقابل الدول الواحد، هي منصة "صيرفة" التي كان من خلالها سلامة يلجم التقلبات الكبرى عندما يقفز الدولار بمعدلات مرتفعة ومتواصلة.

وأُنشئت منصة صيرفة في مايو 2021 بعد 18 شهرا من بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان. واعتبرها الكثيرون وسيلة يمكن للبنك المركزي من خلالها الحفاظ على استقرار الليرة، لكنها واصلت التراجع رغم ذلك.

وانتقدت مؤسسات دولية المنصة لافتقارها إلى الشفافية والاستدامة وما أوجدته من فرصة للتربح من فرق سعر العملة بين الأسواق المختلفة، خصوصا في ظلّ اتساع الفجوة بين صيرفة والسوق الموازية.

وقال البنك الدولي في تقرير "منصة صيرفة، وهي الأداة النقدية الرئيسية لمصرف لبنان المركزي لتحقيق استقرار الليرة، ليست أداة نقدية لا تلقى شعبية فحسب، لكنها تحولت أيضا إلى آلية لجني الأرباح من خلال اختلاف سعر الصرف"، أضاف أن المشترين على منصة صيرفة ربما جنوا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق سعر الصرف. ووصف البنك الدولي صيرفة بأنها إحدى "أضعف السياسات التي نفذتها السلطات اللبنانية منذ اندلاع الأزمة، وأنها غالبا ما أتت بنتائج عكسية".

في تقرير سابق لرويترز، قال أحد نواب حاكم مصرف لبنان، سليم شاهين، أن قيادة المصرف تجري محادثات مع صانعي السياسات في الحكومة والبرلمان، وكذلك مع صندوق النقد الدولي، بشأن الحاجة إلى وقف العمل بهذه المنصة نظرا لافتقارها إلى الشفافية والحوكمة. وقال "الأمر يتعلق بالطريقة التي سيتم بها الإلغاء التدريجي لصيرفة". قال شاهين إن المنصة ستحل محلها "منصة إلكترونية لتحديد أسعار الصرف" ستتولى جهات دولية متخصصة إنشاءها. وأضاف: "نحن في مباحثات متقدمة للاختيار بين رفينيتف أو بلومبرغ".

أُنشئت منصة صيرفة في مايو 2021 بعد 18 شهرا من بداية الانهيار الاقتصادي في لبنان

هل يجوز التمديد لرياض سلامة؟

الخبير القانون والدستوري ووزير الداخلية اللبنانية السابق، زياد بارود، قال في حديث لموقع بلينكس إن الآلية الاعتيادية لتعيين حاكم مصرف لبنان هي في مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين. لكن الرأي الدستوري منقسم حول ما إذا كان بإمكان حكومة تصريف الأعمال تعيين حاكم لمصرف لبنان بغياب رئيس للجمهورية.

حسب وجهة نظر بارود، فإن الدستور أعطى حكومة تصريف الأعمال حق ممارسة بالمعنى الضيق للكلمة فحسب، وذلك بانتظار تشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات، والمجلس الدستوري أصدر قرارات بهذا الشأن، قائلا إن كل ما هو ملح ومرتبط بالأمن ومقترن بمهل يرتبط بتصريف الأعمال. لذلك يمكن لحكومة تصريف أن تجتمع لهذه الأمور فقط. ولكن تطبيقا على الحالة الراهنة، وهي تعيين حاكم لمصرف لبنان، فإن الشروط المطلوبة غير متوافرة، لا في القانون، ولا في السياسة، فقانون النقد والتسليف حدد كيفية إدارة المركزي عند خلو منصب الحاكم، وتاليا لا إلحاح ولا مهل كي تتدخل الحكومة، أي لا ضرورة لتعيين حاكم بوجود بديل.

وينص قانون النقد والتسليف اللبناني أن يقسم حاكم مصرف لبنان الجديد اليمين أمام رئيس الجمهورية، وبرأي بارود فإن تلاوة القسم أمام رئيس الجمهورية هي من الصلاحيات اللصيقة بشخصه. ويتابع بارود حجج عدم وجوب تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان من قبل حكومة تصريف الأعمال، أن العادة درجت أن يكون لرئيس الجمهورية كلمة في تعيين حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش، لذلك لا يمكن تخطي الرئيس والتطبيع لغياب الموقع الأول في الدول.

وقال بارود إنه في السياسة، من الناحية التقنية، هناك هاجة للثلثين لتعيين حاكم لمصرف لبنان، وهذا الأمر غير متوافر الآن.

ينص قانون النقد والتسليف اللبناني أن يقسم حاكم مصرف لبنان الجديد اليمين أمام رئيس الجمهورية

سلامة سيغادر

رياض سلامة في مقابلة تلفزيونية، الأربعاء، إنه سيغادر منصبه بانتهاء ولايته الحالية في نهاية الشهر الجاري، نافيا بذلك شائعات مستمرة عن احتمال تمديد ولايته. وقال الحاكم الذي قاد المصرف المركزي لمدة 30 عاما "رح أطوي صفحة من حياتي". وينفى سلامة اتهامات تحمل سياساته المسؤولية عن الانهيار المالي في لبنان.

وصرح سلامة لرويترز الجمعة إنه تصرف وفقا للقانون وإن محاميه قدموا معارضات قضائية في فرنسا وألمانيا، اللتان وجهتا له اتهامات. وأضاف: "في وقت أغادر ورغم الأزمة التي من المتوقع أن تؤدي إلى انهيار كامل، يستطيع البنك المركزي احتواء هذه الأزمة من خلال مبادرات نقدية".

ولم تتمكن النخبة السياسية في لبنان من إعلان خليفة لسلامة، مما يغامر بتفاقم الخلل الوظيفي في دولة مضطربة أصلا بسبب سنوات من الشلل السياسي والاضطراب المالي.

لم تتمكن النخبة السياسية في لبنان من إعلان خليفة لسلامة

من يحكم المركزي بعد الإثنين؟

بموجب القانون اللبناني، يتولى النائب الأول للحاكم، وسيم منصوري، مهام منصب حاكم مصرف لبنان في حال غياب من يخلفه. واقترح منصوري و٣ نواب آخرين لحاكم مصرف لبنان مجموعة من الإجراءات تتضمن تشريعات عاجلة لإصلاح القطاع المصرفي ووضع ضوابط على رأس المال والتخلص من ربط الليرة اللبنانية بالدولار القائم منذ عقود.

لكن النخبة السياسية قاومت إجراءات الإصلاح في السنوات القليلة الماضية، مما جعل الشكوك تحيط بالخطوات التي اقترحها للمستقبل نواب حاكم مصرف لبنان.

اعرف أكثر

ضبابية في لبنان

يواجه مصرف لبنان حالة من الضبابية بشأن قيادته اعتبارا من الإثنين المقبل عندما يتنحى الحاكم رياض سلامة من دون تعيين خليفة له، مما ينذر بخلل وظيفي جديد في دولة تعاني بالفعل من شلل سياسي وانهيار مالي منذ سنوات.

يترك سلامه منصبه بعدما قضى فيه 30 عاما، وشُوّهت سمعته بفعل عوامل الانهيار المالي الكارثي الذي بدأ في عام 2019 وتوجيه اتهامات له بالفساد في فرنسا وألمانيا ولبنان، رغم نفيه ارتكاب أي مخالفات. ووفق رويترز، تعكس أزمة القيادة الانقسامات بين النخبة الحاكمة التي لم تتمكن من الاتفاق على رئيس أو حكومة كاملة الصلاحيات منذ أكثر من عام، مما جعل الأزمة المالية تتفاقم من دون جهود تُذكر لمعالجتها منذ عام 2019.

وكان من المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء الخميس لاختيار خليفة لسلامة، لكن الاجتماع أُلغي بعد خلافات سياسية، وليس في الأفق ما يشير إلى حلّ على المدى الطويل. وبموجب القانون اللبناني، يفترض أن يحلّ أقدم نواب سلامة، وهو وسيم منصوري، محله مؤقتا. لكنه والنواب الثلاثة الآخرين لن يقبلوا إلا على مضض وسيضغطون من أجل الحصول على ضمانات سياسية.

وسيتعين على قادة مصرف لبنان الجدد التعامل مع فجوة في النظام المالي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار، ودعم سياسي غير مؤكد في دولة منقسمة للغاية، وغضب شعبي جامح من تبدد الثروة الوطنية والخاصة.

وبالنسبة للبنان، يعني هذا أن منصبا رئيسيا آخر سيبقى شاغرا بشكل رسمي ورهينة انهيار نظام سياسي قائم على أساس تقاسم السلطة بين الطوائف والذي أدى بالفعل إلى تفشي الفوضى في معظم وظائف الدولة.

فجوة في النظام المالي اللبناني تزيد قيمتها على 70 مليار دولار

الضغط السياسي

حاول رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع بعد شهور لم يتم فيها إحراز أي تقدم بشأن العثور على خليفة لسلامة. لكن جماعة حزب الله الشيعية المسلحة وحليفها المسيحي حزب التيار الوطني الحر، وكلاهما جزء من الحكومة الائتلافية الحاكمة، يرفضان هذه الخطوات ويقولان إن حكومة تصريف الأعمال لا تملك السلطة لاتخاذ قرار التعيين. وألغي اجتماع مجلس الوزراء، الخميس، بشكل مفاجئ بسبب عدم حضور الوزراء المرتبطين بهذين الحزبين.

ومنصب حاكم المصرف المركزي، مثل منصب الرئاسة الشاغر، يشغله مسيحي من الطائفة المارونية، واتهم التيار الوطني الحر ميقاتي بمحاولة الاستحواذ على صلاحيات للرئيس عن طريق محاولة تعيين حاكم للمصرف من قبل مجلس الوزراء بينما تعود هذه الصلاحية إلى رئيس الجمهورية.

وهدد منصوري ونواب حاكم المصرف الثلاثة الآخرون الشهر الماضي بالاستقالة إذا أجبروا على تولي المنصب. ويريدون صلاحيات لإقراض المزيد من الأموال للحكومة إذا لزم الأمر والإلغاء التدريجي لمنصة صرف معقدة لليرة التي تراجعت قيمتها كثيرا.‭

والتقى ميقاتي بنواب حاكم المصرف، الخميس، وقال مكتبه إنه يعتبر مطالبهم مشروعة وإن مقترحاتهم تتفق مع خطة الحكومة، في محاولة على ما يبدو للحفاظ عليهم. لكن ليس من الواضح ما إذا كان بوسع ميقاتي تنفيذ هذه التغييرات في ظل المأزق السياسي في لبنان. وأحجم منصوري عن التعقيب لكن نائبا آخر هو سليم شاهين قال إنه يتوقع أن يتولى منصوري إدارة البنك المركزي ابتداء من الأسبوع المقبل.

وقال لرويترز إن نواب حاكم المصرف يمنحون النخبة السياسية ٦ أشهر لإجراء إصلاحات بناءة، لكنه لم يفصح عما إذا كانوا سيهددون مجددا بالاستقالة إذا لم يتم إجراء تغييرات، مضيفا "شرطنا أن تكملوا الإصلاحات المطلوبة، بدءا بقانون ضوابط رأس المال". وقال مايك عازار، الخبير في الشؤون المالية في لبنان، إن نواب الحاكم في مأزق. وأضاف: "السؤال هو هل سيفعلون الشيء الصحيح ويتصرفون باستقلالية كما يسمح لهم القانون، حتى في مواجهة ما سيكون بالتأكيد ضغوطا سياسية شديدة".

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة