سياسة
.
تعود العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عقود، لكن خطة إصلاح النظام القضائي التي تثير أزمة سياسية حادة في إسرائيل، تلقي ظلالها على هذه العلاقة.
على مدار مشواره السياسي لطالما عرف بايدن بدعمه الشديد لإسرائيل، كما أن ثمة علاقة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي عمرها عقود، إلا أن الأزمة السياسية المشتعلة في إسرائيل تضع الرئيس الديموقراطي في معضلة أمام الحكومة اليمينية الإسرائيلية.
بصرف النظر عن مواقفه طويلة الأمد، يتحتم على بايدن أن يجد موقفا متوازنا ما بين إبداء دعم للحليف أو أخذ مسافة عن حكومة نتنياهو، فأثناء تصاعد الأزمة نصح الحكومة الحليفة بالحذر حيال خطة الإصلاح القضائي وصولا إلى تنديده العلني بها، في سلوك جديد إذ نادرا ما أظهر رئيس أميركي هذا القدر من التدخل وفي شؤون إسرائيل الداخلية.
على الجهة الأخرى يمضي نتانياهو قدما في إقرار خُطته الإصلاحية بدون الأخذ بالتحذيرات، واصفا التعديلات بأنها مجرّد "تصحيح طفيف"، بالرغم مما تثيره تلك الإصلاحات من غضب عارم وموجات تظاهر غير مسبوقة في البلاد.
وتظاهر آلاف الإسرائيليين السبت احتجاجا على قرار الحكومة المضي في تنفيذ خطتها للإصلاح القضائي رغم المعارضة الواسعة.
والسبت، تجمع محتجون لوحوا بالأعلام الإسرائيلية في تل أبيب.
وقال المخرج إيتاي عمرام (27 عاما) لوكالة فرانس برس "ما زلنا نحب هذا البلد ونحاول حلّ كل المشاكل"، مؤكدا أنه يشارك في التظاهرات للتنديد بما يعتبره "انقلابا دستوريا" تنفذه الحكومة.
وكُتب على لافتة رفعها أحد المتظاهرين في تل أبيب "نرفض خدمة (دولة) ديكتاتورية".
وفي حين لم تتوافر أرقام رسمية لأعداد المتظاهرين، قدرت القناة 13 الإسرائيلية أن أكثر من 170 ألف شخص شاركوا في التظاهرة في هذه المدينة.
قرب منزل رئيس الوزراء في القدس، قالت الأكاديمية لوتيم بينشوفر (40 عاما) التي لفت نفسها بعلم إسرائيل إنها تشعر بـ"الحزن والعجز" بعد تصويت الاثنين.
وأضافت "إنني خائفة جدا مما يحدث في إسرائيل الآن وقلقة جدا بشأن مستقبل ابنتي".
يوم الإثنين الماضي، أقر البرلمان الإسرائيلي بندا رئيسيا في خطة الإصلاح، يلغي إمكانية نظر القضاء في "معقولية" قرارات الحكومة، تلك الخطوة لم تروق تماما للبيت الأبيض، حتى أنه وصفها بالمؤسفة، وعلى غير المعتاد، عبر البيت الأبيض عن الضيق بوسيلة أخرى، إذ استدعى الرئيس الأميركي الصحافي البارز في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان إلى البيت الأبيض ليوجه عبره رسالة مفادها أنه يعارض هذا الإصلاح باعتباره "مصدر انقسام".
إلا أن أسباب الشقاق بين القوتين لا تتوقف لدى مسألة الإصلاح القضائي، وأنما اختلافات أعمق بين الطرفين متعلقة باستمرار ممارسة إسرائيل للاستيطان على الأراضي المحتلة، على الرغم من الدعوات الأميركية المتكررة لوقف التصعيد، تدعو الولايات المتحدة أيضا لحل الدولتين لكنها لا تلقى استجابة تذكر من حليفتها.
تشهد إسرائيل موجات من التظاهرات غير المسبوقة. (المصدر: وكالة فرانس برس)
الأجواء المتوترة بين الحليفتين، تذكر بفترة أخرى من التوتر شملت العلاقات الإسرائيلية الأميركية إبان عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، إذ كانت الولايات المتحدة بصدد التفاوض بشأن الاتفاق النووي مع إيران، في ذلك الحين أبدت إسرائيل معارضة شديدة.
في فترة التوتر تلك لم يكن بايدن بعيدا تماما عن دائرة الضوء، بل كان نائبا للرئيس.
لاحقا بات هذا الاتفاق مهددا بالتداعي، إذ أقدمت الولايات المتحدة على الانسحاب من الاتفاق في عهد الرئيس السابق ترامب والمعروف بقربه لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ومنذ العام ٢٠١٨ وحتى اليوم يظل الاتفاق معلقا بالرغم من محاولات الإدارة الأميركية الجديدة أن تبث فيه الروح.
إحدى تجليات تراجع العلاقة تتمثل في سجل الزيارات الأميركية الإسرائيلية، وبالتحديد اللقاء المنتظر ما بين بايدن ونتنياهو في البيت الأبيض الذي تتكاثر من حوله الأقاويل، خاصة وأن نتنياهو لم يزر البيت الأبيض منذ عودته للسلطة أواخر العام الماضي، في حين زار الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ بايدن الأسبوع الماضي فقط.
يعارض الرئيس جو بايدن بشكل علني برنامج الإصلاح القضائي الإسرائيلي. (المصدر: وكالة فرانس برس)
غير أن نتنياهو حاول مقاومة الشائعات بهذا الصدد، إذ أكد في مقابلة أجراها معه شبكة "إيه بي سي" الأميركية أن بايدن "دعاه إلى البيت الأبيض" خلال مكالمتهما الهاتفية الأخيرة، مشيرا إلى أن اللقاء سيعقد في الخريف المقبل، لكن البيت الأبيض لا يبدى الانفتاح ذاته على مسألة الزيارة، إذ يكتفي بذكر أن اللقاء سوف يتم بين الرئيسين في الولايات المتحدة خلال وقت لاحق هذا العام.
تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل بقيمة حوالي ٣.٣ مليار دولار أميركي، ويتفق الخبراء، بحسب فرانس برس، على أن الولايات المتحدة ستستمر في دعمها لحليفها الإسرائيلي، وإن كانت بعض الأصوات المتفرقة تدعو إلى خفض المساعدة العسكرية الأميركية، ومن بينها الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي.
في الوقت ذاته تستبعد الدبلوماسية الأميركية الفكرة وقال متحدث باسم وزارة الخارجية فيدانت باتيل الأميركية :"يمكنني أن أؤكد لكم أن هذا لن يحصل".
ولكن يتوقع ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن أن تستمر العلاقة المتوترة بين بايدن ونتنياهو، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء يبدو مستعدا للمواجهة مع بايدن، مسلحا بدعم الجمهوريين في الكونغرس، ويعتمد هؤلاء غالبا معادلة بسيطة إما أن تكون مع إسرائيل أو أن تكون ضدها.
في الوقت ذاته، يهدد موقف التيار المناصر لترامب من وجهة نظر بوت بإثارة عداء شرائح أخرى من الرأي العام الأميركي تناصر إسرائيل بشكل تقليدي.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة