سياسة

"حزام الانقلابات" من غينيا إلى النيجر

نشر

.

Camil Bou Rouphael

كرّت سبحة الانقلابات في الساحل الأفريقي ووصل الأمر إلى النيجر المنتجة لليورانيوم حيث يوجد منجمان هامان يوفران نحو 5٪ من إنتاج التعدين العالمي من خامات اليورانيوم عالية الجودة في أفريقيا. بدأ أول منجم تجاري لليورانيوم في النيجر العمل خلال العام 1971، واليوم، هناك دعم حكومي قوي لتوسيع تعدين المادة.

وإثر الانقلاب، ذكرت شركة أورانو الفرنسية للوقود النووي، الجمعة، أن أنشطتها في مجال التعدين في النيجر متواصلة رغم الأحداث الأمنية الدائرة في البلاد. وقالت أورانو في بيان "فرقنا تراقب عن كثب الأحداث التي وقعت يوم الأربعاء في النيجر.. أنشطتنا مستمرة". وأضافت الشركة أن محطات الطاقة النووية الفرنسية تستمد أقل من 10٪ من اليورانيوم الذي تحتاج إليه من الدولة الأفريقية.

عاصفة من الانقلابات

أكمل الانقلاب العسكري في النيجر الأسبوع الماضي سلسلة من الدومينو من البلدان التي حكمها زعماء استولوا على السلطة بالقوة، مما أدى إلى عدم الاستقرار ومثّل معضلة للولايات المتحدة، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز. ويمتد حزام الانقلابات في أفريقيا عبر القارة، وهو مؤلف من خط من ٦ بلدان يعبر 3500 ميل، من الساحل إلى الساحل، والذي أصبح أطول ممر للحكم العسكري على وجه الأرض.

خريطة الإنقلابات في أفريقيا. مصدر الصورة: نيويورك تايمز

أطاح الانقلاب العسكري الأسبوع الماضي في النيجر الواقعة في غرب أفريقيا، بقطعة الدومينو الأخيرة، من غينيا في الغرب إلى السودان في الشرق، والذي يسيطر عليه الآن المجلس العسكري الذي وصل إلى السلطة في انقلاب.

وكان آخر زعيم يسقط من النيجر، محمد بازوم، وهو حليف للولايات المتحدة الأميركية، حسب نيويورك تايمز، ومنتخب ديمقراطيا، واختفى الأربعاء عندما احتجزه حراسه في القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي، ويقول رئيس جهازه الأمني الآن إنه يدير البلاد.

وأعلن الجنرال عبد الرحمن تشياني، حاكم النيجر الجديد الذي نصب نفسه بنفسه، في خطاب متلفز الجمعة استيلائه على الحكم.

وتردد صدى الانقلاب على الفور خارج النيجر، البلد الفقير. ودق القادة الأفارقة ناقوس الخطر بشأن آخر صفعة للديمقراطية في قارة تتلاشى فيها عقود من التقدم الذي تحقق بصعوبة بالغة، وفق نيويورك تايمز.

دق القادة الأفارقة ناقوس الخطر. مصدر الصورة: أ ف ب

الاقتصاد بالنيجر واليورانيوم

يعتمد اقتصاد النيجر إلى حدّ كبير على قطاع الثروة الحيوانية، الذي يساهم بنحو 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، وفق البنك الدولي. ومع ذلك، يتأثر هذا القطاع بشكل كبير بالصدمات المناخية، حسب قول هان فرايترز، مدير مكتب البنك الدولي في النيجر: "يمكن أن يؤدي التمويل والتأمين ضد أخطار الكوارث دوراً حاسماً في التخفيف من الآثار السلبية للصدمات المناخية على الرعاة، الذين يشكلون أحد أفقر السكان وأكثرهم ضعفا. وتواجه هذه المجتمعات مستويات عالية من التعرض لمثل هذه الصدمات وتواجه صعوبات في إدارتها والتعافي منها". وساهم الموسم الزراعي الملائم لعام 2022 في نمو الاقتصاد، مما أدى إلى زيادة بنسبة 7.5٪ في متوسط دخل الفرد. وساهمت هذه الزيادة في الدخل في انخفاض معدل الفقر بمقدار 6.4 نقطة مئوية خلال الفترة ما بين 2021 و2022، مما يشير إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر.

وحسب تقرير صدر في يونيو عن البنك الدولي، فإن النمو مدفوع بشكل أساسي بهدف الحكومة المتمثل في زيادة إنتاج النفط. ومن المتوقع أن ينخفض العجز المالي إلى 5.3٪ في عام 2023.

تم اكتشاف اليورانيوم في النيجر عام 1957 من قبل الفرنسيين لدى بحثهم عن النحاس. وشرعت اللجنة الفرنسية للطاقة الذرية في إجراء المزيد من الدراسات. تبع ذلك اكتشافات أخرى في الحجر الرملي. في خضم ذلك، أصبحت النيجر مستقلة عن فرنسا في عام 1960، وفي عام 1964 تم اكتشاف رواسب الفحم أيضا.

في عام 2021، أنتجت النيجر 2248 طنا من اليورانيوم، وبلغ الإنتاج التراكمي من البلاد حوالي 150 ألف طن حتى نهاية عام 2019، ويتم استخراج اليورانيوم بالقرب من بلدتي التعدين التوأم أرليت وأكوكان، على بعد 900 كيلومتر شمال شرق العاصمة نيامي. وفي فبراير 2012، بلغ سعر الاستخراج 73 ألف فرنك أفريقي للكيلوغرام (145 دولارا أميركيا للكيلوغرام)، حسب الرابطة النووية العالمية.

في عام 2021، أنتجت النيجر 2248 طنا من اليورانيوم. مصدر الصورة: أ ف ب

انتكاسة أفريقيا الخطيرة

الرئيس الكيني، وليام روتو، قال الجمعة إن "أفريقيا تعرضت لانتكاسة خطيرة". وبالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، أثار الانقلاب تساؤلات عاجلة حول القتال في منطقة الساحل، المنطقة شبه القاحلة الشاسعة حيث تكتسب الجماعات المرتبطة بالقاعدة وداعش الأراضي بوتيرة تنذر بالخطر. ويتداخل جزء كبير من منطقة الساحل مع حزام الانقلاب الذي تم تشكيله حديثا في أفريقيا، حسب نيويورك تايمز.

بول كوليير، الأستاذ الاقتصاد والسياسة العامة أعرب عن "قلقه البالغ من أن منطقة الساحل الأفريقي سوف تنهار"، وذلك في حديث لصحيفة نيويورك تايمز.

وتفوقت منطقة الساحل على منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا لتصبح المركز العالمي للعنف المتطرف، حيث سجلت 43٪ من 6 آلاف و701 حالة وفاة في عام 2022، ارتفاعا من 1٪ في عام 2007، وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي، وهو دراسة سنوية لمعهد الاقتصاد والسلام.

حتى الأسبوع الماضي، كانت النيجر حجر الزاوية في استراتيجية البنتاغون الإقليمية. يتمركز ما لا يقل عن ألف و١٠٠ جندي أميركي في البلاد، حيث بنى الجيش الأميركي قواعد للطائرات من دون طيار في نيامي ومدينة أغاديز الشمالية، واحدة بتكلفة 110 ملايين دولار. الآن، كل ذلك في خطر.

وحذّر وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكين، متحدثا في مؤتمر صحافي في أستراليا، السبت، من أن الولايات المتحدة قد تنهي دعمها المالي وتعاونها الأمني للنيجر إذا لم تتم إعادة بازوم رئيسا للبلاد. رغم أنّ المسؤولين يقولون إن الولايات المتحدة ستكون مترددة في الذهاب إلى هذا الحد، إلا أن بلينكين كان واضحا.

وقال "من الواضح أن المساعدة الكبيرة للغاية التي قدمناها، والتي تحدث فرقا ملموسا في حياة شعب النيجر، معرضة للخطر بشكل واضح". "وقد أبلغنا ذلك بأكبر قدر ممكن من الوضوح إلى أولئك المسؤولين عن تعطيل النظام الدستوري". وحسب نيويورك تايمز، قد يفتح أي انسحاب أميركي الباب لروسيا.

وكان مشهد أنصار الانقلاب يلوحون بالأعلام الروسية في نيامي الأسبوع الماضي يعيد للواجهة مشاهد مماثلة بعد انقلاب في بوركينا فاسو المجاورة العام الماضي. ويقول محللون إنّ الأعلام لا تعني أن الكرملين كان وراء الانقلاب. لكنها ترمز إلى الكيفية التي وضعت بها روسيا نفسها على أنها حامل شعلة المشاعر المعادية للغرب، وخصوصا المعادية للفرنسيين، في رقعة من أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، حسب نيويورك تايمز.

سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استغلال هذه الفجوة في قمة أفريقيا الأسبوع الماضي، حيث اقترح تحرير الدول الأفريقية من "الاستعمار الجديد"، قال ذلك حتى مع استغلال مرتزقة فاغنر في بلاده للذهب الأفريقي والماس، وارتكابها للفظائع هناك. بالنسبة لرئيس فاغنر، يفغيني بريغوجين، فإن الانقلابات هي فرصة عمل.

اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحرير الدول الأفريقية من "الاستعمار الجديد". مصدر الصورة: أ ف ب

دول انهكتها الانقلابات

في غينيا، برر قادة الانقلاب أفعالهم بالتعبير عن الغضب الشعبي من الفساد المستشري. في مالي وبوركينا فاسو، زعموا أن لديهم ردا على موجة التشدد والتطرف.

في الواقع، انتشر عنف المتمردين تحت قيادة المجالس العسكرية، مما أدى إلى تسريع دوامة عدم الاستقرار، حسب نيويورك تايمز التي أردفت أن في بوركينا فاسو، اقتربت الهجمات التي كانت في السابق محصورة في شمال البلاد من العاصمة خلال الأشهر الأخيرة.

في مالي، حيث استبدل الجيش 5 آلاف جندي فرنسي بنحو ألف من مرتزقة فاغنر، ارتفع عدد القتلى المدنيين، وفقا لبيانات أحداث الصراع المسلح، الذي يتتبع الخسائر.

يظهر ارتفاع أعداد الشباب بين الانقلابيين أيضا بسبب الأوضاع الاقصادية. وقاد معظم عمليات الاستحواذ الأخيرة رجال في الثلاثينيات أو أوائل الأربعينيات من العمر، في قارة يكون فيها القائد العادي في الستينيات من العمر. إبراهيم تراوري، الذي كان يبلغ من العمر 34 عاما فقط عندما استولى على السلطة في بوركينا فاسو العام الماضي، هو أصغر رئيس دولة في العالم.

98 انقلابا ناجحا

وجد تقرير حديث للأمم المتحدة عن الانقلابات في أفريقيا أن البلدان الأفريقية شهدت 98 انقلابا ناجحا منذ عام 1952. قال جوناثان باول، الأستاذ المساعد بجامعة سنترال فلوريدا، إن معظم الانقلابات حدثت في السودان، حيث أدت عملية الاستيلاء الأخيرة، في عام 2021، إلى نزاع عسكري متفجر تحول مؤخرا إلى حرب واسعة النطاق.

في تشاد، الاستيلاء على السلطة تقليد عائلي. تولى حاكم البلاد، محمد إدريس ديبي، السلطة في عام 2021 بعد مقتل والده، الذي وصل إلى السلطة في انقلاب عام 1990 في معركة. النيجر بدت مختلفة، رغم تاريخ طويل من الانقلابات، بدا أن الدولة التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة في طريقها إلى الاستقرار في عهد بازوم، الذي تم انتخابه رئيسا في عام 2021. كان يحرز تقدما ضدّ المسلحين، ويبدو أنّه يحظى بدعم القوات المسلحة واحتفى به الغربيون، وفق نيويورك تايمز. لكن بعد ذلك ظهر عامل شخصي، وهو التوترات مع رئيس الحرس الرئاسي، الجنرال تشياني.

البلدان الأفريقية شهدت 98 انقلابا ناجحا منذ عام 1952. مصدر الصورة: أ ف ب

اعرف أكثر

احتمال "تدخل عسكري وشيك"

نددت المجموعة العسكرية المنبثقة عن انقلاب النيجر بوجود تهديد "بحصول تدخل عسكري وشيك في نيامي" من جانب الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، قبل قمة لهذه المجموعة تعقد الأحد في أبوجا لتقييم الوضع في هذا البلد.

وجاء في بيان تلاه العضو في المجموعة العسكرية أمادو عبد الرحمن عبر التلفزيون الوطني "يتمثل هدف هذا اللقاء بإقرار مخطط عدوان على النيجر من خلال تدخل عسكري وشيك بالتعاون مع الدول الإفريقية غير الأعضاء في الجماعة وبعض الدول الغربية".

تم اكتشاف اليورانيوم في النيجر عام 1957. مصدر الصورة: أ ف ب

احتمال فرض عقوبات

تعقد دول غرب أفريقيا الأحد في أبوجا "قمة خاصة" لتقييم الوضع في النيجر بعد الانقلاب العسكري فيها مع احتمال فرض عقوبات إثر تلك التي قررتها فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وتزداد الضغوط على الرجل القوي الجديد المعين في النيجر الجنرال الانقلابي عبد الرحمن تياني رئيس الحرس الرئاسي في البلاد والذي يقف وراء سقوط محمد بازوم المحتجز منذ أربعة أيام.

قد تعلن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس) التي ضم 15 بلدا، فرض عقوبات على النيجر العضو فيها لتحذو بذلك حذو فرنسا والاتحاد الأوروبي اللذين قررا تعليق مساعدات الميزانية، والأمنية كذلك من جانب التكتل الأوروبي، مع عدم اعترافهما بـ"السلطات" المنبثقة غن لانقلاب، وفق فرانس برس.

وكان رئيس نيجيريا بولا تينوبو الذي ترأس بلاده الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ندد بالانقلاب، الأربعاء، ووعد بأن الجماعة والأسرة الدولية "ستبذلان كل الجهود دفاعا عن الديموقراطية" و"تجذرها" في المنطقة.

وبلغت مساعدات التنمية الفرنسية للنيجر 120 مليون يورو في 2022. وكان يتوقع أن تكون أعلى بقليل في 2023 إلا انها لن ترسل إلى هذا البلد على ما ذكرت وزارة الخارجية الفرنسية.

أما الاتحاد الأفريقي فقد أمهل العسكريين الانقلابيين 15 يوما "لإعادة السلطة الدستورية".

وأكد بلينكن لبازوم دعم واشنطن "الثابت" مشددا على أن الانقلاب يهدد "الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر".

وتحدث الأحد إلى نيتوبو معربا عن "قلقه العميق" ومشيدا بجهود رئيس نيجيريا "لإعادة النظام الدستوري في النيجر" على ما أفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر.

وتاريخ النيجر الغنية باليورانيوم حافل بالانقلابات منذ استقلال المستعمرة الفرنسية السابقة العام 1960. وتعرف المنطقة أيضا حالة انعدام استقرار إذ أن النيجر هي ثالث دولة تشهد انقلابا منذ العام 2020 بعد مالي وبوركينا فاسو.

وقبل أيام من عيد الاستقلال في الثالث من أغسطس، خيم هدوء نسبي السبت على شوارع نيامي بعد منع تظاهرات مؤيدية للانقلابيين.

وعاود السكان نشاطاتهم الاعتيادية لكن انتشار قوات الدفاع والأمن عزز في الشوارع على ما أفاد أحد صحافيي وكالة فرانس برس.

وعلقت المجموعة العسكرية التي تضم كل أسلحة الجيش والدرك والشرطة، عمل المؤسسات وأغلقت الحدود البرية والجوية وفرضت حظر التجول بين منتصف الليل بالتوقيت المحلي والخامسة صباحا.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة