سياسة

مسؤول أميركي سابق: لبنان "ملاذ المجرمين"

نشر

.

Camil Bou Rouphael

برز في فورين بوليسي، المجلة الأميركية التي تصدر كلّ شهرين، مقال كتبه مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقا، ديفيد شينكر، يصف به لبنان بأنه بات "ملاذا عالميا للمجرمين"، معدّدا مجموعة من الأشخاص المطلوبين دوليا والمحميين من الحكومة اللبنانية. حسب شينكر فإن حماية ميليشيا حزب الله "المجرمين المرتبطين به" ليس سببا لتراخي لبنان في ما يتعلق بالمجرمين الآخرين.

فمن حلّ على لائحة شينكر في فورين بوليسي؟ وعن أيّ "مجرمين لبنانيين تحدث؟

سليم عياش

حسب شينكر، قبل ثلاث سنوات، وفي مثل هذا الشهر، دانت المحكمة الخاصة بلبنان ومقرها هولندا عضو حزب الله، سليم عياش غيابيا، باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري خلال العام 2005. ولم يتم القبض عليه حتى الآن ويعتقد أنه موجود في لبنان تحت حماية حزب الله. ومن غير المحتمل أن يواجه العدالة على الإطلاق.

دانت المحكمة الخاصة بلبنان عضو حزب الله، سليم عياش غيابيا، باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري

المسؤولون عن انفجار المرفأ

انتقل شينكر بعد ذلك للتحدث عن "ذكرى لا تُنسى" حدثت خلال أغسطس 2020، وهي عبارة عن انفجار مرفأ بيروت، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة أكثر من 6 آلاف شخص، وتشريد نحو 300 ألف شخص.

في هذه القضية أيضا، لم يحرز أيّ تقدم في التحقيق بشأن المسؤول عن انفجار ما يقرب من 3 آلاف طن من نيترات الأمونيوم. بالإضافة إلى العديد من المسؤولين الحكوميين الذين أكدوا على تورط حزب الله أيضا في الكارثة. وحسب ادعاء شينكر الأمر لا يقتصر على سيطرة حزب الله على الميناء، بل يُشتبه أيضا أن نيترات الأمونيوم كانت تحوّل من قبله إلى سوريا.

كتب شينكر مقال الرأي قيبل الذكرى السنوية لانفجار المرفأ. ولفت ضمن هذا الإطار إلى نشأة "غامضة" لثقافة الإفلات من العقاب المستمرة في لبنان، حتى "بات البلد ملاذا للمجرمين، والمشتبه بهم المطلوبين في الخارج".

مرفأ بيروت المنكوب

تهديد بالمساعدات

هدد شينكر في تقريره "الحكومة اللبنانية المتورطة في الحماية" أنه بعد ٣ سنوات من الأزمة الاقتصادية العميقة، وبعد أن أصبح لبنان دولة فاشلة تعتمد على الدعم الدولي، فإن هذا الدعم مهدد الآن جراء عدم اكتراث بيروت للمساءلة الدولية بحق العديد من سكانها.

يحظر القانون اللبناني تسليم رعاياه، ومع ذلك كانت هناك عمليات تسليم في الماضي. في عام 2019، سلمت بيروت للولايات المتحدة مواطنا لبنانيا أميركيا متهم باختطاف ابنه البالغ من العمر 4 سنوات. وفي حين أنه من النادر تسليم لبنان متهمين، يمكن للبنان مقاضاة هؤلاء الأفراد وإدانتهم في الداخل إذا طلبت دولة أجنبية ذلك وقدمت ملفات القضية، "ومع ذلك، نادرا ما يحدث هذا، وقد أدّى النهج الباهت تجاه المخالفين للقانون إلى جعل لبنان دولة تحمي المجرمين"، وفق شينكر.

رامي عدوان

ضمن اللائحة التي رسمها شينكر أيضا، رامي عدوان، سفير لبنان في فرنسا الذي اتهم خلال يونيو باغتصاب موظفتين في السفارة. وبعد التحقيق بهذه الادعاءات وغيرها من ادعاءات الانتهاكات، طلبت باريس من بيروت رفع الحصانة عن الدبلوماسي للسماح بمواصلة محاكمته في فرنسا. وبدلا من إجبار السفير على مواجهة الادعاءات، استدعته الخارجية اللبنانية إلى بيروت، "وتاليا أمنت الحماية للمبعوث من الملاحقة القضائية"، وفق وصف شينكر.

رامي عدوان، سفير لبنان في فرنسا

رياض سلامة

ومثل عدوان، فإن رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان سابقا، حلّ على لائحة شينكر الذي قال إن سلامة محمي أيضا من الملاحقة القانونية في الخارج. ففي مايو، أصدرت كلّ من فرنسا وألمانيا مذكرات توقيف دولية بحق سلامة بتهم فساد. ويتهم سلامة، الذي ترك هذا الأسبوع منصبه، بعد أن خدم لمدة 30 عاما، بسرقة نحو 300 مليون دولار من البنك المركزي خلال فترة ولايته، وهي فترة بلغت ذروتها مع الانهيار المالي للبنان.

وما يزيد المشكلة سوءا، هو أن القضاء اللبناني أمر بمصادرة جواز سفر سلامة بحجة منعه من مغادرة البلاد، ويرجح شينكر أن هذه الخطوة تمثل سوء نية، كون بيروت تريد منعه من السفر إلى الخارج والإدلاء بشهادته في أوروبا، كي لا تورط الأدلة عشرات من كبار السياسيين والمصرفيين في لبنان. فبعد أن تربع سلامة على عرش الحاكمية لفترة طويلة، فهو يعرف كل التجاوزات المميتة للنخبة اللبنانية.

حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة

كارلوس غصن

لا يتوقف شينكر في سرده لحماية الدولة اللبنانية لـ"المجرمين"، وفق وصفه، عند هذا الحدّ. فأشهر مستفيد من الحماية هو كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي السابق لرينو ونيسان. وهو رجل الأعمال، الذي يحمل الجنسية اللبنانية والبرازيلية والفرنسية، واعتقل في اليابان عام 2018 بتهمة سوء السلوك المالي وإساءة استخدام أصول الشركة.

بعد إطلاق سراح غصن بكفالة في عام 2019، تمّ تهريبه من اليابان في صندوق كبير لأجهزة الصوت، ليجد في النهاية بلبنان ملاذا آمنا يحميه من الملاحقة الدولية، رغم كونه مطلوبا من قبل طوكيو وباريس، إلّا أنّ الملياردير يقيم بشكل مريح في بيروت مع زوجته وتقدر ثروته بـ70 مليون دولار.

كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي السابق لرينو ونيسان

"حزب الله" جذور الانسياب القضائي

عدم محاسبة لبنان للمجرمين، وفق شينكر، قديمة العهد، فالعشرات من الاغتيالات السياسية في لبنان، يعتقد أن حزب الله نفذها، ولا تزال بلا محاكمة محليا. ولا يتم حتى التحقيق في معظم عمليات القتل التي تُرتكب على مستوى رفيع.

في فبراير 2021، على سبيل المثال، اغتيل لقمان سليم المعارض البارز لحزب الله، على يد الحزب وفق ادعاء شينكر، ولم يتم إحراز أي تقدم في هذه القضية. في الآونة الأخيرة، في ديسمبر 2022، قُتل أحد جنود حفظ السلام الأيرلنديين التابعين للأمم المتحدة في جنوب لبنان من قبل مجموعة من أعضاء حزب الله، ووجهت التهم لـ٥ أشخاص، لكن أيضا لم يتم القبض على أي واحد منهم.

قد يصبح نهج بيروت الخاطئ للعدالة مصدر إزعاج للدول المانحة، وفق شينكر، بعد ٣ سنوات من الأزمة المالية التي شهدت انخفاضا في قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 98٪ وتخلفا عن سداد ديون البلاد السيادية، يعتمد لبنان بشكل متزايد على المساعدات الإنسانية والمالية الأجنبية. وحماية لبنان لسلامة وغصن هي إهانة مباشرة لأكبر ٢ من المانحين الأوروبيين للبلاد، فرنسا وألمانيا.

وتابع شينكر أنه "إذا لم تكن المساءلة أولوية في العواصم الأوروبية، فهي مصدر قلق كبير في واشنطن، التي تقدم مساعدات لبيروت أكثر من باريس أو برلين".

خلال السنوات الأخيرة، صنفت وزارة الخزانة الأميركية عدد من أفراد النخبة اللبنانية على أنهم فسادين ولكن هناك إحباط متزايد بسبب عدم إحراز تقدم في بيروت. واعتبر أنه "بدلا من التركيز على انتخاب ما سيكون بلا شك رئيسا تنفيذيا ضعيفا آخر، يجب على واشنطن وشركائها التركيز على المساءلة، بدءا من سلامة. يجب أن يرضخ سلامة للقضاء الأوروبي".

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة