تتزايد الدعوات في الولايات المتحدة لبث المحاكمات الجنائية التي سيخضع لها دونالد ترمب مباشرة على الهواء حيث يدعم محامون وسياسيون وأكاديميون السماح بدخول كاميرات القنوات التلفزيونية الى داخل قاعات المحكمة، خصوصا حينما يجلس ترمب، النجم السابق لبرامج تلفزيون الواقع، قبالة هيئة محلفين ليواجه تهما بمحاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 التي خسرها أمام الرئيس الحالي الديموقراطي جو بايدن.

وقال عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا الديموقراطي آدم شيف في رسالة وقّعها وعشرات من زملائه في الحزب الديموقراطي "نظرا للطبيعة التاريخية للاتهامات الموجهة في هذه القضايا، من الصعب تخيّل ظروف أقوى لإجراءات يتمّ بثها عبر التلفزيون".

وتابعت الرسالة "اذا كان للجمهور أن يقبل النتيجة بالكامل، سيكون حيويا بالنسبة إليه أن يشهد بأكثر طريقة مباشرة ممكنة طريقة إجراء المحاكمات، قوة الأدلة المقدمة، وصدقية الشهود".

ويجد ترمب حاليا نفسه متهما في ثلاث قضايا جنائية مختلفة: الكذب بشأن دفع مبالغ مالية لشراء صمت نجمة أفلام إباحية، إساءة التعامل مع وثائق سرية بعد خروجه من البيت الأبيض، ومحاولة قلب نتائج الانتخابات الرئاسية 2020.

كما يلوح احتمال توجيه الاتهام إليه في قضية رابعة تتعلق باتصال أجراه بمسؤول انتخابي في جورجيا والضغط عليه من أجل "إيجاد" 11780 صوتا كانت كفيلة بقلب نتيجة انتخابات 2020 لصالحه في الولاية الجنوبية.

وعلى الرغم من توالي الاتهامات والتغطية الإعلامية الواسعة التي تحظى بها في الولايات المتحدة، لا يزال الرئيس الأميركي السابق يتمتع بقاعدة تأييد صلبة.

من جهته، يشدد ترمب ذو الباع الطويل في الامساك بخيوط اللعبة الإعلامية، على براءته، وأنه ضحية "حملة شعواء" يتهم المؤسسات بشنها عليه سعيا لإسكاته والسعي دون وصوله الى البيت الأبيض مجددا.

بث المحاكمة vs تغطية منحازة

ورأى الخبير في القانون الدستوري آلان درشوفيتز أن إسقاط هذه الخرافة وفضح عمق المخالفات التي ارتكبها ترمب، هما من الأسباب الرئيسية لعرض محاكمات الرئيس السابق أمام الجمهور.

وكتب في مقال نشره موقع "ذا هيل" المتخصص بالسياسة الأميركية "في حال لم يتمّ بث محاكمة ترمب عبر التلفزيون، سيطّلع الجمهور على مجرياتها عبر التغطية شديدة الانحياز في وسائل الإعلام حاليا".

وأضاف "سيكون الأمر كما لو أننا أمام محاكمتين: واحدة يتابعها مراسلو MSNBC وCNN ونيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام الليبرالية، وأخرى من منظار مراسلي فوكس ونيوزماكس ووسائل محافظة أخرى".

وشدد على أنه "لن يكون ثمة منفذ للاطلاع على الحقيقة الموضوعية لما جرى في المحاكمة".

الصورة خير من ألف كلمة

نقلت الشاشات إلى غرف الجلوس في الولايات المتحدة والعالم، بعض المحاكمات التي جرت على مستوى الولايات، وكانت أبرزها محاكمة نجم كرة القدم السابق أو جي سيمسون بتهمة قتل زوجته السابقة عام 1994. إلا أن قوانين تعود الى 1946 تحول دون بثّ المحاكمات الفدرالية عبر التلفزيون.

واعتبر أستاذ القانون في جامعة جورجتاون نيل كاتيال أن الوقت حان لتغيير هذه القواعد "البالية" على حد تعبيره.

وكتب في صحيفة واشنطن بوست "نعيش في عصر رقمي حيث يفكّر الناس بصريا واعتادوا رؤية الأمور بعيونهم".

ويعود قرار إتاحة دخول كاميرات التلفزيون قاعة المحكمة إلى المؤتمر القضائي الأميركي المولج قواعد نظام المحاكم الفدرالية، ويشرف عليه رئيس المحكمة العليا جون روبرتس.

كما يمكن للكونغرس تعديل القانون المتعلّق بهذه المسألة.

وشدد كاتيال الذي كان مدّعيا عاما في محاكمة الشرطي الأبيض ديريك شوفان في قضية قتل الرجل الأسود جورج فلويد، على أن بثّ مجرياتها عبر التلفزيون ساهم في إقناع الرأي العام المنقسم حول القضية، بتقبّل إدانة الشرطي.

واعتبر أن الأمر ذاته ينطبق على محاكمة ترمب، مشيرا إلى أن "هذه المحاكمة الجنائية ستجرى باسم الشعب الأميركي. أموال ضرائبنا هي التي تنفق... لدينا الحق بمشاهدتها، ولدينا الحق بضمان ألا يسيطر مروّجو الشائعات ونظرية المؤامرة على السردية" المرتبطة بهذه المحاكمة.

ما هو خطر البثّ؟

حذّرت أستاذة الاعلام والصحافة السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا كريستينا بيلانتوني، من أن بثّ المحاكمة هو سيف ذو حدّين بالنظر الى مهارة ترمب الخطابية وقدرته على تعديل السرد وتطويعه لصالحه.

وتوقعت لوكالة فرانس برس أن يتيح بثّ المحاكمات "ارتفاع نسب تأييد الرأي العام للرئيس السابق بغض النظر عن الأدلة المقدّمة" ضده.

وأشارت إلى أن البث يهدّد بتحوّل محاكمة، من محاولة إسقاط الديموقراطية في الولايات المتحدة، إلى مجرّد عرض تلفزيوني لا يغيّر في الآراء شيئا.

وقالت "أعتقد أن الناس ليسوا حائرين بشأن هذا الشخص في أي من الاتجاهين" لجهة تأييده أو بغضه، مشيرة الى أن البعض سيشاهد المحاكمة بدافع كرهه لترمب وآخرون بدافع مناصرته.

واستبعدت أن يتابعها أي كان "ليرى كيف ستأخذ العدالة مجراها".