سياسة
.
وُصف بـ"التوبيخ النادر"، فالولايات المتحدة الأميركية الداعمة الرئيسية لإسرائيل، وجّهت لصديقتها بيانا عالي النبرة وصفت فيه مقتل فلسطيني على يد مَن يشتبه في أنهما مستوطنان بأنه "إرهاب"، يعكس هذا التوبيخ ما يبدو "إحباط واشنطن من تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة في عهد الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة"، بحسب رويترز.
فما سبب هذا البيان النادر والحادّ من أميركا إلى إسرائيل، التي وصفها الكاتب الأميركي الشهير، توماس فريدمان، بـ"طفلة أميركا المدللة" في نيويورك تايمز.
وماذا نعرف عن بؤرة عوز تسيون الاستيطانية التي تؤجج نار الفتنة مع الفلسطينيين؟ وما سبب تعطش رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لرضا سكان المستوطنات من المتشددين الإسرائيليين؟
الولايات المتحدة الأميركية الداعمة الرئيسية لإسرائيل وجّهت لصديقتها بيانا عالي النبرة. مصدر الصورة: أ ف ب
وزارة الخارجية الأميركية قالت في بيان أصدرته في ساعة متأخرة من مساء السبت "نستنكر بشدة الهجوم الإرهابي الذي شنه مستوطنون إسرائيليون متطرفون أدى لمقتل الشاب الفلسطيني، قصي جمال معطان، الذي يبلغ من العمر 19 عاما"، ودعت إلى "المحاسبة وتحقيق العدالة بشكل كامل".
وأوقف إسرائيليان، أحدهما متحدث سابق باسم نائبة تنتمي إلى حزب يميني متطرف يشارك في الحكومة، بحسب ما ذكرت الشرطة الإسرائيلية، أما المشتبه به الثاني فهو متحدث سابق باسم نائبة عن حزب يميني متطرف يتزعمه وزير الأمن العام الحالي إيتمار بن غفير، بحسب فرانس برس. وشيع فلسطينيون، السبت، معطان، الذي قتل، الجمعة، برصاص مستوطنين في قرية برقة شرق رام الله، وفق وزارة الصحة الفلسطينية. ولُف الجثمان بكوفية باللونين الأسود والأبيض والعلم الفلسطيني وسار المشيعون خلفه في شوارع القرية قبل دفنه، بحسب مراسل فرانس برس.
وشيع فلسطينيون، السبت، معطان الذي قتل الجمعة. مصدر الصورة: أ ف ب
نتائج التحقيقات الأولية للجيش الإسرائيلي أوردت أن الواقعة مواجهة تصاعدت وأسفرت عن إصابات في الجانبين. وقال محامي دفاع إن المستوطنين تصرفا دفاعا عن النفس. لكن من الصعب للغاية، وفق صحيفة هآرتس قبول الرواية التي طرحها المستوطنون أن أحد الرعاة تعرّض لهجوم من قبل الفلسطينيين وأن أصدقائه جاءوا لمساعدته.
ولم يحضر أحد من المتهمين جلسة المحكمة بسبب إصابة في الرأس. واتهم الادعاء الإسرائيلي المستوطنين في لائحة الاتهام، التي حصلت صحيفة هآرتس على نسخة منها، بارتكاب "جريمة قتل عمد أو بالإهمال المتعمد" بدافع عنصري.
الحادث وقع على بعد 250 مترا من القرية الفلسطينية وما لا يقل عن كيلومتر واحد من البؤرة الاستيطانية. ووفق هآرتس فإن إخراج الأغنام للرعي في وقت متأخر من المساء أمر غير معتاد، وما يؤكد ذلك أن الحادثة حصلت في بداية يوم سبت، في بؤرة استيطانية سكانها متدينون.
العديد من الحوادث من هذا النوع تنتهي بقتل فلسطينيين لأن المستوطنين مسلحون. تعتقد مصادر عسكرية أن شيئاً مختلفاً حدث في برقة. طلب الفلسطينيون المساعدة من مئات السكان الذين واجهوا عشرات المستوطنين فقط. رغم أن الحادث استمر لفترة، فقد استغرق الأمر لنحو 90 دقيقة قبل أن يتم تنبيه قوات الأمن لأوّل مرّة، فإما قرر المستوطنون الاعتماد على أنفسهم أو أنهم لا يريدون للشرطة والشاباك أن يروا ماذا يفعلون.
ومع تصاعد هجمات ينفذها فلسطينيون بأسلحة أو بالحجارة أو القنابل الحارقة على مستوطنات إسرائيلية، هاجم مستوطنون مرارا قرى بالضفة الغربية، مما تسبب في أضرار جسيمة في الممتلكات. وكان من بين ضحاياهم فلسطينيون يحملون الجنسيتين الأميركية والفلسطينية.
هاجم مستوطنون مرارا قرى بالضفة الغربية. مصدر الصورة: أ ف ب
جاء بيان وزارة الخارجية الأميركية بشأن الهجوم على قرية برقة مباشرة بعد بيان آخر استنكرت فيه هجوما فلسطينيا أدى لمقتل شرطي في تل أبيب ووصفته أيضا بأنه هجوم إرهابي.
وتتحفز حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تتألف من أحزاب دينية وقومية متشددة، ضدّ أيّ مقارنات بين عنف الإسرائيليين وعنف الفلسطينيين. وقال وزير الأمن الوطني إيتمار بن جفير على مواقع التواصل الاجتماعي إن الفلسطينيين الذين كانوا يقذفون الحجارة في قرية برقة "حاولوا قتل يهود" وإنه من المنتظر فتح تحقيق معهم.
والضفة الغربية من بين المناطق التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية عليها، وتعثرت المفاوضات مع إسرائيل التي توسطت فيها الولايات المتحدة لتحقيق هذا الهدف منذ نحو ١٠ سنوات، مما أدى إلى زيادة المتشددين من الجانبين. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن عدد الهجمات التي شنها مستوطنون أو مؤيدون لهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية زاد للمثلين هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
وقال النائب المعارض بيني غانتس الذي كان يشغل في السابق منصب وزير الدفاع على منصة إكس، تويتر سابقا، "نواجه صعود إرهاب قومي يهودي خطير". وأضاف "أيا كان ما حدث في برقة، فإنه يضاف إلى عدد كبير من الوقائع التي أجبرت قواتنا الأمنية على ملاحقة إسرائيليين بدلا من حمايتهم".
احتلت إسرائيل الضفة الغربية في 1967. وخارج القدس الشرقية التي احتلتها وضمتها في العام نفسه، يعيش في الضفة الغربية ما يقرب من ثلاثة ملايين فلسطيني ونحو 490 ألف إسرائيلي في مستوطنات أقيمت على خلاف نصوص القانون الدولي، وتعتبرها الأمم المتحدة أرضا محتلة.
إلى ذلك، أعلنت الشرطة الإسرائيلية قتل فلسطيني، قائلة إنه "هجوم إرهابي بسلاح ناري مساء السبت في تل أبيب"، كما أعلن مقتل منفذ الهجوم الفلسطيني الذي عرّف عنه جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي بأن كامل أبو بكر، 22 عاما، من منطقة جنين بالضفة الغربية المحتلة.
أشاد المتحدث باسم حركة حماس الإسلامية عبد اللطيف القانوع بعملية تل أبيب ووصفها بأنها "ترجمة لما ثبتته المقاومة من معادلة الردّ على عدوان الاحتلال ومستوطنيه وتدفيعهم ثمن جرائمهم وعدوانهم على شعبنا ومقدساتنا".
ونهاية يونيو، نددت فرنسا بدورها بما يرتكبه المستوطنون اليهود في الضفة الغربية على خلفية تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وشهد العام الحالي منذ بدايته تصاعدا في أعمال العنف بين الجانبين، إذ ارتفعت حصيلة قتلى الهجمات والمواجهات والعمليات العسكرية منذ مطلع يناير إلى ما لا يقل عن 207 فلسطينيين، إضافة الى 27 إسرائيليا وأوكرانية وإيطالي. وتشمل هذه الأرقام مقاتلين ومدنيين بينهم قصّر من الجانب الفلسطيني.
ارتفعت حصيلة قتلى الهجمات والمواجهات والعمليات العسكرية منذ مطلع يناير. مصدر الصورة: أ ف ب
عنونت صحيفة هآرتس تقريرها "المستوطنون المتطرفون ليسوا رعاة أبرياء"، وأوردت أن هؤلاء يستخدمون استراتيجية شن الاعتداءات من خلال الدوريات المسلحة على أطراف القرى الفلسطينية لإرساء الترهيب.
أنشئت بؤرة عوز تسيون الاستيطانية، التي تضم المستوطنين المتورطين في حادثة برقة، عام 2021. وبُنيت على أرض فلسطينية خاصة ومسجلة رسميا، شرق رام الله.
خلال يناير 2022، في عهد حكومة "التغيير"، هدمت الإدارة المدنية الإسرائيلية ٥ من مباني البؤرة الاستيطانية وأخلت شاغليها. بعد أشهر عدة عاد المستوطنون إلى الموقع.
بين مارس ومايو من العام الجاري، اكتشفت الإدارة المدنية 13 مبنى جديدا هناك. في ذلك الوقت، كانت الحكومة الحالية في السلطة والشخص المسؤول الوحيد عن النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية هو وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
رفض الوزير التوصية المشتركة لرئيس القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي ومنسق أنشطة الحكومة في المناطق بأن يتم إخلاء البؤرة الاستيطانية مرة أخرى. كان لدى، جهاز الأمن العام الإسرائيلي، الشاباك أسباب وجيهة لطلب الإخلاء لأن وجود المستوطنين هناك يتطلب من الجيش ضمان الأمن.
لم يتقبل الفلسطينيون فكرة إنشاء مستوطنة عوز تسيون. وسرعان ما تبنى سكانها، وبعضهم من أعضاء اليمين المتطرف المعروفين، طريقة عمل البؤر الاستيطانية في وادي شيلو وحول مستوطنة يتسهار، بالقرب من نابلس، حيث الاحتكاك العنيف مع جيرانهم الفلسطينيين أمر روتيني.
طريقتهم معروفة، حسب هآرتس، إثارة الاستفزازات بإرسال مجموعات مسلحة في كثير من الأحيان إلى أطراف القرى الفلسطينية.
لم يتقبل الفلسطينيون فكرة إنشاء مستوطنة عوز تسيون. مصدر الصورة: أ ف ب
منذ بداية العام، قال الجيش الإسرائيلي والشاباك إنهما شهدا ارتفاعا حادا في عدد الحوادث التي تورط فيها يهود في الضفة الغربية. وكثير منها أعمال انتقامية في أعقاب الهجمات التي شنها الفلسطينيون ضدّ اليهود والتي زادت بدورها، حسب هآرتس التي أوردت أيضا أنه في المقابل من الصعب تجاهل الثقة المتزايدة بالنفس التي يتمتع بها المستوطنون الأكثر تطرفا وعنفا لأن السياسيين الذين يدعمونهم يجلسون الآن في مجلس الوزراء ويتقلدون مناصب حكومية رئيسية.
الاحتجاجات ضدّ الإصلاح القضائي تنسحب تدريجيا إلى الأحداث في المناطق. ووفق الصحيفة العبرية هناك سببان رئيسيان لذلك، الأول هو أن نتنياهو يعتمد على قادة المستوطنين لإبقاء حكومته واقفة على قدميها ودفع تشريعات الإصلاح القضائي إلى الأمام. لذلك، زاد سلطتهم، واستثمر المستوطنون بشكل كبير في الاضطرابات القضائية، على أمل أن تحررهم من إشراف محكمة العدل العليا على البناء في المناطق. ومؤخرا أضيف عنصر آخر وهو الدافع للخدمة في الجيش. فإن انتهاء التطوع على نطاق واسع من قبل جنود الاحتياط لا يعرض للخطر فقط عملية اختيار وتشكيل العديد من وحدات النخبة في جيش الدفاع الإسرائيلي ويؤثر بالفعل سلبا على مسار الطيارين، بل قد يؤثر سلبا على تطوع الشباب للوحدات القتالية أو للخدمة العسكرية.
قتلت القوات الإسرائيلية، الأحد، ٣ نشطاء فلسطينيين في الضفة الغربية، وفق ما أعلن الجيش، في واقعة تندرج في إطار تصاعد العنف في الأراضي المحتلة. وجاء في بيان للجيش أن "قوات الأمن قامت بازالة تهديد فوري"، واصفا أحد القتلى بأنّه "من النشطاء العسكريين البارزين" في مخيم جنين الذي يعدّ معقلا للفصائل الفلسطينية المسلّحة.
منذ مطلع العام الماضي تشهد الضفة الغربية هجمات يشنّها فلسطينيون على أهداف إسرائيلية وأعمال عنف يمارسها مستوطنون إسرائيليون ضدّ فلسطينيين وعمليات دهم متكررة للجيش الإسرائيلي.
الأحد أعلن الجيش رصد "سيارة كانت تستقلها خلية مخربين خرجت من مخيم جنين في طريقها لتنفيذ عملية تخريبية". وفتح الجنود النار فقتلوا وفق البيان ثلاثة ركاب، أحدهم نايف أبو صويص البالغ 26 عاما. وأكدت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل "٣ شبان برصاص الاحتلال" قرب بلدة عرابة، جنوب جنين.
منذ مطلع العام الماضي تشهد الضفة الغربية هجمات يشنّها فلسطينيون على أهداف إسرائيلية. مصدر الصورة: أ ف ب
وضع فلسطينيون الورود في الموقع الذي قتل فيه الشبان الثلاثة الأحد، وفق مراسل فرانس برس. وأشاد نتنياهو بالقوات التي قتلت النشطاء الذين قال إنهم كانوا في طريقهم "لمهاجمة مواطنين إسرائيليين". وجاء في بيان لنتنياهو "سنواصل التحرك في كل مكان وزمان ضدّ أولئك الذين يسعون إلى مهاجمتنا".
ودان الناطق الإعلامي باسم حركة الجهاد الإسلامي طارق سلمي "الجريمة التي ارتكبها العدو في جنين" معتبرا أنه "عدوان على الشعب الفلسطيني بكامله".
في الأشهر الـ18 الأخيرة تدهورت الأوضاع الأمنية في المخيم الذي شهد عمليات دهم إسرائيلية متكررة تقول الأجهزة الأمنية التابعة للدولة العبرية إنها ترمي إلى توقيف نشطاء.
في يوليو نفّذ الجيش الإسرائيلي أكبر عملية له هناك منذ سنوات وقد أسفرت عن مقتل 12 فلسطينيا بينهم نشطاء وأطفال. وقتل جندي إسرائيلي واحد في العملية التي استمرّت يومين. أنشئ مخيم جنين في العام 1953 لإيواء فلسطينيين طردوا أو فروا من منازلهم إبان "النكبة" الفلسطينية وقيام إسرائيل في 1948. حاليا يقطن المخيم 18 ألف نسمة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة