سياسة
.
كيف حاول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قلب خسارته في جورجيا عام 2020؟ عبر مكالمة هاتفية سرية مسجلة، نشرتها صحيفة واشنطن بوست، يحرّض فيها على الولاية المصيرية التي أفقدته كرسي الرئاسة.
هذه المكالمة تحولت إلى القضية رقم ٤ في سجل ترمب الجنائي، عندما وجّه القضاء في ولاية جورجيا الأميركية، الإثنين ١٤ أغسطس، إلى الرئيس السابق و18 شخصا من دائرته المقربة، اتهامات بالابتزاز والسعي لقلب نتيجة الانتخابات في هذه الولاية الرئيسية.
استندت لائحة الاتهام إلى قانون يُستخدم حصرا لاستهداف رجال العصابات والمافيا، وتأتي القضية، الرابعة في أقل من ستة أشهر، وسط حملته لنيل ترشيح الحزب الجمهوري في السباق إلى البيت الأبيض عام 2024.
بالتوازي مع هذه القضايا، ترتفع فرص ترمب بالفوز بترشيح الحزب الجمهوري، وذلك حسب أكثر من استطلاع رأي، أحدثها أجرته وكالة رويترز للأنباء بالتعاون مع إبسوس، واستطلاع رأي ثان أجرته صحيفة نيويورك تايمز وأظهر تقدم الرئيس السابق بفارق ضخم أمام أقرب منافسيه.
الآن، قد تكون قضية ولاية جورجيا، هي الأخطر من بين قضاياه، فمن هي شخصيات هذه القضية المثيرة؟ وماذا عن تفاصيل "مضايقات جورجيا"، وكيف حصلت، وما هو قانون المافيا الذي يُحاكم من خلاله رئيس سابق؟
استندت المدعية العامة في مقاطعة فولتون فاني ويليس في توجيهها الاتهام إلى ترمب والأشخاص الـ18 المشمولين في القضية إلى "قانون المنظمات الفاسدة والممارِسة للابتزاز". مصدر الصورة: أ ف ب
بعد يومين من انتخابات العام 2020، سافر الابن الأكبر للرئيس ترمب إلى مقرّ الحزب الجمهوري بجورجيا في أتلانتا لإيصال رسالة. كان الجمهوريون في جورجيا يتحضرون لانتخابات الإعادة التي ستحدد السيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي.
دونالد ترمب الابن طالب الجمهوريين بالتركيز على مهمة أخرى: وهي مساعدة والده على الفوز بالولاية من خلال إثبات أن عمليات الاحتيال على نطاق واسع، غيّرت النتائج، وفق واشنطن بوست، التي روت أن دونالد ترمب جونيور أكد للمجموعة ضرورة دعم ولده بشكل مطلق.
وصلت الرسالة. وفي ذلك المساء، عقد القادة الجمهوريون في جورجيا مؤتمرا صحفيا على غرار التجمعات لدعم ترمب.
الابن الأكبر للرئيس دونالد ترمب. مصدر الصورة: أ ف ب
في الأسبوع نفسه، وزع حلفاء الرئيس ترمب شريط فيديو يتهم زورا، وفق واشنطن بوست، عاملة انتخابات في جورجيا بإلقاء أوراق الاقتراع، ما جعلها هدفا مباشرا للمضايقات والتهديدات.
بدأ رئيس موظفي البيت الأبيض سابقا، مارك ميدوز، وآخرون في تقييم خطة لكيفية قيام الهيئات التشريعية في ولايات مثل جورجيا بإلغاء إرادة الناخبين لتغيير النتيجة.
أطلقت سلسلة الأحداث السريعة، حملة ضغط عنيفة اشتدت بمرور الأسابيع وكانت النتائج تظهر بشكل متزايد أن ترمب يخسر لصالح منافسه جو بايدن.
في المكالمات الهاتفية والخطب والتغريدات والظهور في وسائل الإعلام، ضغط ترمب وحلفاؤه لإلغاء نتائج انتخابات 2020 في ٦ ولايات متأرجحة، حيث أعلنت النتائج المعتمدة رسميا أن جو بايدن هو الفائز، وهي محاولة بلغت ذروتها في 6 يناير 2021، لدى الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي عندما عقد الكونغرس لتأكيد النتائج.
حثّ المقربون من ترمب مسؤولي الدولة على "إعلان التزوير"، والذي من شأنه أن يلقي بظلال من الشك على فوز بايدن.
تقول أوراق القضية إن "الدائرة المقربة من الرئيس السابق، استهدفوا العاملين في الانتخابات بادعاءات كاذبة عن الغش، وأطلقوا العنان لموجات التهديدات، وضاعفوا نظريات المؤامرة حول آلات الفرز المزورة".
في النهاية، بعد أن سعى ترمب إلى استخدام كلّ الطرق لقلب النتيجة، وقف كبار الجمهوريين في الولاية في طريقه، رافضين الانصياع لرغبته.
ضغط ترمب وحلفاؤه لإلغاء نتائج انتخابات 2020 في ٦ ولايات متأرجحة. مصدر الصورة: أ ف ب
تضمنت جهود المقربين من ترمب، الضغط على عشرات الأشخاص، من محامين، ونشطاء سياسيين، ومسؤولين محليين من الحزب الجمهوري، ومسؤولين كبار في البيت الأبيض، وحتى وزارة العدل. هؤلاء الأشخاص انضموا إلى ترمب في لائحة الاتهام، وعددّتهم واشنطن بوست، كالتالي:
في 13 نوفمبر، في نفس اليوم الذي توقعت فيه المؤسسات الإخبارية فوز جو بايدن بأصوات ولاية جورجيا، اتصل السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، بوزير خارجية ولاية جورجيا، براد رافنسبرغر، وأمطره بأسئلة عن الاقتراع الغيابي في منطقة أتلانتا، الديمقراطية، ذات الكثافة السكانية العالية.
أرسل محامي ترمب راي س. سميث الثالث، لاحقا خطابا ألمح فيه لمخاوف مماثلة، وسرعان ما بدأت أجهزة الدولة تدقيقا في ادعاءات الاقتراع الغيابي.
السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام. مصدر الصورة: أ ف ب
بعد بضعة أسابيع، التقى محاميان يدفعان بإلغاء خسارة ترمب، هما رودي جولياني وجون إيستمان، أعضاء مجلس الشيوخ في ولاية جورجيا وحثهم على تجاهل نتائج الانتخابات ودعم قائمة الناخبين المؤيدين لترمب رسميا.
عمدة مدينة نيويورك سابقا رودي جولياني. مصدر الصورة: أ ف ب
ساعد روبرت سينرز، أحد موظفي حملة ترمب، جولياني وإيستمان، في جمع القائمة المؤيدة لترمب بمساعدة شيفر وشون ستيل، رئيس تمويل الحزب آنذاك. وحضر الاجتماع سميث، محامي ترمب.
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. مصدر الصورة: أ ف ب
في أواخر ديسمبر، سافر مارك ميدوز إلى ضواحي أتلانتا لمراقبة التدقيق بنفسه ومقابلة كبيرة محققي الانتخابات في الولاية، فرانسيس واتسون. في اليوم التالي، اتصل ترمب بواتسون، وهي إحدى المكالمات العديدة التي أجراها مع مسؤولين في جورجيا.
رئيس موظفي البيت الأبيض سابقا مارك ميدوز. مصدر الصورة: أ ف ب
كما اتصل ترمب بكبار القادة الجمهوريين في الولاية الحاكم بريان كيمب، اللفتنانت حاكم الولاية جيف دنكان، والمدعي العام كريس كار ورئيس مجلس النواب ديفيد رالستون.
اتصل ترامب بكبار القادة الجمهوريين في ولاية جورجيا. مصدر الصورة: أ ف ب
في 2 يناير 2021، قبل أيام فقط من اجتماع الكونغرس للتصديق على نتائج الانتخابات، اتصل ترمب بوزير خارجية ولاية جورجيا، براد رافنسبيرغر، كبير مسؤولي الانتخابات في الولاية، وقال إنه يريد "العثور على الأصوات اللازمة لعكس هامش فوز بايدن الضيق في جورجيا".
قال ترمب إنه يمكن العثور على آلاف الأصوات غير الصالحة من خلال التدقيق في بطاقات الاقتراع الغيابية في منطقة أتلانتا، وأضاف في المكالمة السرية المسجلة "انظروا، كل ما أريد فعله هو التالي: أريد فقط أن أجد 11 ألفا و780 صوتا، وهو أكثر مما لدينا، لأننا فزنا بالولاية".
وسرعان ما لفتت أخبار تلك المحادثة، التي أوردتها صحيفة واشنطن بوست لأول مرة، انتباه فاني ت.ويليس، المدعي العام لمنطقة أتلانتا التي أطلقت تحقيقا جنائيا في أوائل فبراير 2021 امتد منذ ذلك الحين ليشمل الأنشطة العديدة لترمب وشركائه، ليس فقط في جورجيا، ولكن أيضا في الولايات الأخرى حيث اعترض على النتائج.
ليلة الإثنين، أعادت هيئة محلفين كبرى في جورجيا لائحة اتهام ضدّ ترمب و18 آخرين.
تدرس وزارة العدل أيضا المخالفات الجنائية المتعلقة بانتخابات 2020، حيث أعلن المدعون الفيدراليون عن اتهامات ضدّ ترمب في 1 أغسطس مع استمرار إصدار مذكرات استدعاء وجمع الأدلة.
قال ترامب: "انظروا، كل ما أريد فعله هو أن أجد 11 ألفا و780 صوتا. مصدر الصورة: أ ف ب
بناء على إصرار ترمب، أطلق حلفاؤه مطاردة لكل شبهة بالتزوير قد يجدونها، سواء أكانت كبيرة أم صغيرة.
جاءت بعض الادعاءات مباشرة من ترمب وحلفائه، الذين ضخّموا الاتهامات، ونشروا مزاعم أن الآلاف من بطاقات الاقتراع يجب تجاهلها بسبب التوقيعات المشكوك فيها، وأن آلات فرز الأصوات تمت برمجتها لقلب الأصوات من مرشح إلى آخر.
مع مرور الأيام وتصديق المزيد من الولايات الرئيسية على نتائجها لصالح بايدن، كافح ترمب لإقناع محامي حملته الانتخابية بمواصلة الطعن على النتائج، كان هو وحلفاؤه يخسرون قضية تلو الأخرى، بما في ذلك ٦ قضايا على الأقل في ولاية جورجيا.
ادعى رودي جولياني، عمدة مدينة نيويورك السابق ومحامي الرئيس السابق، خلال جلسات محاكمة أن اثنين من موظفي الانتخابات في مقاطعة فولتون يغشّون في عمليات الفرز لصالح بايدن.
أظهر الفريق لقطات متقطعة بالأبيض والأسود تم التقاطها بواسطة الكاميرات العلوية، وادعى الفريق أن روبي فريمان العاملة في مقاطعة فولتون وابنتها شاي موس، قامتا بسحب "حقائب" غامضة مليئة بأوراق الاقتراع المزورة من أسفل طاولة.
وزعم جولياني أن فريمان وموس مررتا شريحة ذاكرة بينهما لمحاولة اختراق آلات فرز الأصوات، وهو فعل وصفه جولياني بأنه خطير.
استندت المدعية العامة في مقاطعة فولتون فاني ويليس في الاتهامات إلى ترمب والأشخاص الـ18 المشمولين في القضية إلى "قانون المنظمات الفاسدة والممارِسة للابتزاز" المعروف اختصارا بقانون "ريكو" وهو مطبق في جورجيا، وينص على عقوبات بالسجن تتراوح بين ٥ سنوات إلى ٢٠ سنة.
وأعلنت ويليس خلال مؤتمر صحافي في أتلانتا عاصمة الولاية الواقعة في جنوب شرق البلاد أنها تمهل المتهمين وبينهم رئيس الموظفين السابق في البيت الأبيض مارك ميدوز ومحامي ترمب الشخصي رودي جولياني ومساعدون آخرون، حتى 25 أغسطس "تسليم أنفسهم طوعا" للسلطات. وعلق ترمب منددا على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشال" بـ"حملة شعواء"، معتبرا الاتهامات "زائفة".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة