سياسة
.
خسارات فرنسية متوالية في منطقة كانت معروفة تاريخيا بأنها مركز نفوذ فرنسي واسع: غرب أفريقيا بعد موجة من الانقلابات على السلطة في بوركينا فاسو، ومالي، وأخيرا في النيجر، بينما يرى دبلوماسيون أن عهد أفريقيا الفرنسية، أو "فرانس أفريك"، يشرف على الانتهاء.
آخر هذه التوقعات صدرت من وزيرة الخارجية النمساوية السابقة كارين كنيسل، التي قالت إن "فرنسا تفقد مكانتها تدريجياً في البلدان الأفريقية"، مضيفة أن التغييرات التي يشهدها المسرح السياسي في عدد من الحكومات هي بمثابة "نهاية رسمية لإفريقيا الفرنسية"، وهو ما أبرزته وكالة ريا نوفوستي الروسية يوم ١٧ أغسطس.
وزيرة الخارجية النمساوية السابقة كارين كنيسل. أ ب
انتقلت الحساسية حيال الوجود الفرنسي في غرب أفريقيا من بين السياسيين والدبلوماسيين إلى عامة الناس في الشوارع، حيث أبرزت دراسة نشرها معهد مونتين الفرنسي قدر العداء الكبير الذي يشعر به مواطنو دول غرب أفريقيا، استناداً إلى وقائع السنتين الماضيتين، مثل هجمات أكتوبر 2022 على السفارة الفرنسية في واغادوغو، والمعهد الفرنسي في بوبو ديولاسو، و نهب الشركات المملوكة لفرنسيين في داكار في مارس 2021، وكذلك احتجاجات على الوجود الفرنسي في كل من مالي وبوركينا فاسو، وحديثا بالنيجر.
في أحد هذه الاحتجاجات بالعاصمة نيامي، كان يقف الشاب سليم سيديمو الذي نقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز استياءه من الوجود الفرنسي ببلاده، حيث صرح أن "فرنسا ظلت تستغل يورانيوم النيجر لخمسين عاما"، وأضاف قائلا "لقد طفح الكيل".
وظلت النيجر تزود لأكثر من 4 عقود المفاعلات النووية الفرنسية بـ20٪ من اليورانيوم الذي تستورده، أي حوالي 18 ألف طن، وفقا لموقع صحيفة لوموند.
وفي هذه الأثناء التي تحاول فيها الدول الأفريقية أن تبتعد عن النفوذ الفرنسي، تأتي دول أخرى لتملأ هذا الفراغ. تقول الوزيرة النمساوية السابقة إن "الحكومات الإفريقية ستشرع في اختيار شركائها الجدد"، والتي حددتهم الوزيرة السابقة: الصين، وتركيا، وروسيا والهند.
متظاهر من النيجر يرفع لافتة تحمل العلم الروسي ومكتوب عليها "تحيا روسيا. تحيا النيجر. يحيا النيجريون". أ ب
لكن دول غرب إفريقيا شرعت في اختيار شركائها الجدد منذ فترة وجيزة، حيث تتحدى الآن الشركات الأمريكية الناشئة شركات الاتصالات الفرنسية في قطاع الأموال عبر الهاتف المحمول، وتحل البنوك الأفريقية محل البنوك الفرنسية، وتفوز شركات الإنشاءات التركية أو الصينية بعقود كانت تمنح سابقا للشركات الفرنسية، استنادا لصحيفة نيو يورك تايمز.
تفيد مجلة الجندي الإماراتية للدراسات أن فرنسا ساهمت "من جانبها في بعض الأحيان في تناقص مكانتها وتدهور صورتها في الدول الإفريقية". وبحسب نفس المصدر، يعتبر تراجع "إقبال الطلبة الأفارقة على الجامعات الفرنسية"، بسبب الرفع من تكاليف الدراسة على الأجانب، "ضربة للنفوذ الفرنسي الذي كان يعتمد على تكوين وتعليم النخب والطبقة الوسطى وموظفي الحكومة الأفارقة في الجامعات الفرنسية".
وفي الوقت الذي يجري فيه إجلاء المواطنين الفرنسيين من النيجر عقب الانقلاب على الرئيس محمد بازوم، تستمر القوات الفرنسية بالتواجد على أراضي النيجر. ويفيد تقرير لصحيفة لوموند أن الحكومة الانقلابية طالبت القوات الفرنسية بإجلاء عناصرها الـ1500 بحلول سبتمبر المقبل، لكن باريس ترفض ذلك وتصفه بطلب "غير مقبول".
ويأتي الرفض كجواب لتفادي استغناء فرنسا عن النيجر كآخر مقر لقواتها بعد طردهم من منطقة الساحل ولاسيما مالي وبوركينا فاسو وتشاد وغينيا، حسب لوقع بوليتيكو.
ولفك بعض الارتباطات بالقوة المستعمرة، يقول أمادو عبد الرحمن في بيان له على القناة الوطنية في النيجر في 3 أغسطس إنه ألغى رسميا جميع اتفاقيات التعاون العسكري الموقعة مع فرنسا بين عامي 1977 و2020، وبرر هذا الإلغاء بـ "موقف فرنسا ورد فعلها على الوضع الداخلي السائد في البلاد"، وفق لوموند.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة