سياسة

رياض سلامة وفخ الـ٣٠٠ مليون دولار.. ملاذ أخير للهروب من القضاء

نشر

.

Camil Bou Rouphael

يلاقي لبنان القضاء الأجنبي في الإجراءات بحق الحاكم السابق للمصرف المركزي، رياض سلامة، لكن ثغرات قانونية يمكن أن تمكنه من التفلّت والمماطلة، حسب ما أفاد خبراء قانونيون موقع بلينكس.

أثبت التدقيق الجنائي لـ"ألفاريز ومرسال" تورط سلامة في عمليات تبييض أموال واختلاسات. لذلك طلبت رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل اللبنانية القاضية هيلانة إسكندر إبلاغ سلامة بالحضور أمام الهيئة الاتهامية، الثلاثاء، كي تبت الهيئة بمسألة توقيفه.

لكن سلامة لم يتبلغ وبدأت الأصوات في لبنان تشكك في جدية القضاء اللبناني بالتعاطي حيال القضية، خصوصا بعد التقارير التي تقول إن لبنان بات ملاذا "للمجرمين" الفارين من العدالة.

القوى الأمنية التي كانت مولجة إبلاغ سلامة بوجوب الحضور أمام الهيئة الاتهامية، لم تعثر عليه في ٣ عناوين تضمّنها التبليغ، لحضوره إلى الجلسة المقررة من الهيئة الثلثاء، وهي منزلاه في الصفرا والرابية، ومنتجع "البورتيميليو"، وذكر جواب التبليغ أن سلامة لا يتردّد إليه، وفق ما نقلت صحيفة النهار المحلية اللبنانية.

فما مصير التحقيقات مع سلامة في ظلّ عدم تجاوبه؟ وهل يمكن أن ينجح القضاء اللبناني في ملف سلامة؟

القوى الأمنية التي كانت مولجة إبلاغ سلامة بوجوب الحضور أمام الهيئة الاتهامية. مصدر الصورة: أ ب

عطلة تُعطّل التحقيق

المحامي ورئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين، كريم ضاهر، أوضح في حديث لموقع بلينكس، أنه في التحقيقات مع الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، سيجبر لبنان على إيجاد وسيلة لإبلاغه، أكان ذلك وجاهيا أو غيابيا، وأن يطلب منه دفع كفالة مالية.

مأزق سلامة يتمثل حاليا بالآتي، في السابق كان كل هدفه نفي صفة الأموال العامة عن الحوالات من مصرف لبنان إلى شركة فوري، ثمّ إلى حساباته وحسابات أخيه، رجا سلامة، الخاصة. إلا أن تقرير التدقيق الجنائي بتّ الأمر، واعتبر أن العمولات التي أخذت، حصلت من دون علم المصارف بوجود شركة فوري، وبغياب أي عمل فعلي للشركة، واعتبرها شركة وهمية، وأكد أن هذه الأموال كان يجب أن تعود إلى مصرف لبنان، وهو مصرف الدولة اللبنانية، وتاليا هي أموال عامة حصل اختلاسها.

ويذكر أن التحقيقات الأوروبية تركّز على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة "فوري أسوشييتس" المسجّلة في الجزر العذراء والمستفيد الاقتصادي منها شقيق الحاكم السابق رجا سلامة. ويعتقد أنه جرى عبرها "اختلاس أموال عامة بقيمة أكثر من 330 مليون دولار" بين 2002 و2015. وبيّن تقرير الشركة "وجود دليل على حصول دفعة عمولات غير شرعية (..) بقيمة 111 مليون دولار"، مضيفا "يبدو أن ذلك يشكل استمرارا لمخطط العمولات قيد التحقيق" في لبنان ودول أخرى.

لكن قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، أخذ عطلة إلى حين إحالته إلى التقاعد خلال الأسابيع المقبلة، وهو لا يريد أن يتخذ قرارا بهذا الخصوص، مؤكدا أن قناعته لم تتكون بعد بأن سلامة ضالع بتبييض الأموال، حسب ما روى ضاهر.

التحقيقات الأوروبية تركّز على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة "فوري أسوشييتس" المسجّلة في الجزر العذراء. مصدر الصورة: أ ب

استغلال الثغرات

يقدر ضاهر أن وكلاء سلامة القانونيين سيستمرون باستغلال الثغرات بالإجراءات الجزائية، ويطلبون بتحييد القاضية هيلانة اسكندر لأنها صرحت، وكأنها استبقت الحكم الذي سيتخذ الثلاثاء.

وكانت هيلانة قالت إنه لا يوجد أي خيار سوى إصدار إما مذكرة توقيف غيابية أو مذكرة توقيف وجاهية. ولاحقا أوضحت أن هذا التصريح نابع من استنتاجها، كونها ليست هي من يتخذ القرار إنما الهيئة الاتهامية. من جهته صرح رئيس الهيئة الاتهامية، ماهر شعيتو، أنه ليس هو من يتخذ القرار، إنما الأمر يحصل بالتوافق مع القاضيين المتواجدين معه في الهيئة الاتهامية.

هيلانة رفضت الردّ على أسئلة بلينكس، قائلة إنها غير مخولة بالتصريح لوسائل الإعلام.

سيتجنب وكلاء سلامة، أمام الهيئة الاتهامية، أمرين، وهما مذكرة التوقيف وما يستتبعها من توقيف، أو دفع كفالة مالية. لأن الكفالة لا يمكن أن تكون أقل من ٣٣٠ مليون دولار، وهي قيمة المبلغ المتنازع عليه. فإن دفع سلامة الـ٣٣٠ مليون دولار نقدا سيسأل "من أين لك هذا؟". وإذا حول هذه الأموال من حساب معيّن غير معروف وغير محجوز عليه سيتم الحجز عليه أيضا تمهيدا لاسترداده، حسب ما يشرح ضاهر.

أمام هذا الواقع يكون الخيار الوحيد أمام سلامة ليتفلت من مذكرة التوقيف هو "اللعب" على الإجراءات القضائية، حسب ضاهر، الذي أوضح أن من يُسهّل له هذا الأمر هو قسم من القضاء المتواطئ معه، من خلال قبول طلب ردّ الهيئة الاتهامية، وحاليا لا يوجد هيئة عامة لمجلس القضاء الأعلى كي تعين هيئة أخرى، بسبب عدم تعيين قضاة فيها بدل الذين احيلوا إلى التقاعد.

ففي حال طلب وكلاء سلامة القانونيون ردّ الهيئة، وأتت الموافقة على طلب الردّ، تتوقف التعقبات تماما كما حصل في عملية تفجير مرفأ بيروت. وهذا الحلّ الوحيد كي يتمكن سلامة من التفلّت من حتمية عملية التوقيف. لأن، وفق ضاهر، الجرائم الملاحق بها باتت بأهمية قصوى، وملاحقات دول العالم ومنها فرنسا وألمانيا وإنكلترا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وضعت القضاء اللبناني أمام ضرورة عدم التغاضي عن الملف سلامة.

مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقا، ديفيد شينكر، وصف به لبنان بأنه بات "ملاذا عالميا للمجرمين". مصدر الصورة: أ ب

لبنان "ملاذ المجرمين"؟

مسؤولية وصف لبنان بأنه ملاذ المجرمين مشتركة بين القضاء والسياسيين، حسب ضاهر، الذي شدد على أنه "لذلك نطالب بإقرار قانون استقلالية القضاء، الذي يضمن أن يكون القضاء منفصل عن السلطات الأخرى في البلد".

مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقا، ديفيد شينكر، كتب في وقت سابق في فورين بوليسي، المجلة الأميركية التي تصدر كلّ شهرين، مقال يصف به لبنان بأنه بات "ملاذا عالميا للمجرمين"، معدّدا مجموعة من الأشخاص المطلوبين دوليا والمحميين من السلطات اللبنانية. وفي القائمة رياض سلامة، وقال شينكر إن سلامة محمي من الملاحقة القانونية في الخارج.

في مايو، أصدرت كلّ من فرنسا وألمانيا مذكرات توقيف دولية بحق سلامة بتهم فساد. ويتهم سلامة، بسرقة نحو 300 مليون دولار من البنك المركزي خلال فترة ولايته، وهي فترة بلغت ذروتها مع الانهيار المالي للبنان.

وما يزيد المشكلة، حسب شينكر، هو أن القضاء اللبناني أمر بمصادرة جواز سفر سلامة بحجة منعه من مغادرة البلاد، ويرجح شينكر أن هذه الخطوة تمثل سوء نية، كون بيروت تريد منعه من السفر إلى الخارج والإدلاء بشهادته في أوروبا، كي لا تورط الأدلة عشرات من كبار السياسيين والمصرفيين في لبنان. فبعد أن تربع سلامة على عرش الحاكمية لفترة طويلة، فهو يعرف كل التجاوزات المميتة للنخبة اللبنانية.

جُمّدت حسابات سلامة الملاحق قضائيا في لبنان وأوروبا، كما وحسابات مقرّبين منه. مصدر الصورة: أ ب

اعرف أكثر

حجز الأموال

جُمّدت حسابات سلامة الملاحق قضائيا في لبنان وأوروبا، كما وحسابات مقرّبين منه، وفق ما أعلنت الهيئة المالية، في ١٥ أغسطس، وانتهت ولاية سلامة في 13 يوليو من دون تعيين خلف له في بلاد تشهد أزمة سياسية كبرى.

وكلّف النائب الأول للحاكم وسيم منصوري مسؤوليات الحاكم بالوكالة. وأعلنت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان تجميد حسابات سلامة وشقيقه رجاء وابنه ندي ومساعدته السابقة ماريان الحويك وعشيقته السابقة آنا كوساكوفا.، حسب ما نقلت فرانس برس.

وأتى القرار على خلفية فرض الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة عقوبات اقتصادية بتهم فساد مالي على الحاكم السابق للمصرف المركزي اللبناني. واعتبرت واشنطن أن "أنشطة سلامة الفاسدة وغير القانونية ساهمت في انهيار دولة القانون في لبنان".

ألفاريز ومارسال

أظهر تقرير أولي لشركة "ألفاريز ومارسال" التي تتولى التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي في لبنان "سوء إدارة" وثغرات جذرية في آلية عمل المصرف طوال خمس سنوات.

وكان سلامة يُعتبر مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975-1990). لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق منذ 2019، حمّل كثر أركان الطبقة الحاكمة، بينهم سلامة، مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة. وانتقدوا بشكل حاد السياسات النقدية التي اعتمدها سلامة، باعتبار أنها راكمت الديون، وفق فرانس برس.

وأورد تقرير شركة "ألفاريز ومارسال"، المؤلف من 332 صفحة أن "الوضع المالي للمصرف المركزي تدهور بسرعة" بين العامين 2015 و2020. إلا أنه "لم يتم إظهار هذا التدهور في الميزانية العمومية للمصرف المركزي التي تصدر ضمن بياناته المالية السنوية، والتي تم إعدادها وفق سياسات حسابية غير تقليدية"، ما أتاح له المبالغة في الإعلان عن الأصول والأرباح وعدم إظهار الخسائر.

واعتبرت شركة "ألفاريز ومارسال" أن الهندسات المالية كانت "مكلفة". وأوردت أن سلطة سلامة، صاحب القرار الرئيسي، لم تخضع لـ"رقابة" كافية. ودعت إلى اتخاذ خطوات سريعة "لزيادة الحوكمة، وتدابير الرقابة والتدقيق للتخفيف من أي مخاطر أخرى ناشئة عن سوء الإدارة".

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة