سياسة

محمد الفايد.. نهاية رحلة الملياردير المصري في "ظل التاج"

نشر

.

Alaa Osman

تدخل الأميرة ديانا إلى مدرجات رياضية، حيث تلتقي بعجوز أشيب ذو وجه مستدير يصافحها بينما يتبادلان كلمات قليلة ساخرة حول غياب الملكة إليزابيث الثانية عن الحدث الرياضي.

يدعو العجوز الأميرة أن تناديه باسم "مو مو" حيث يقول "كل أصدقائي ينادونني هكذا" فتقول الأميرة متعجبة "هل أصبحنا أصدقاء بالفعل؟".

كانت هذه هى الطريقة الدرامية التي فضلتها شبكة نيتفليكس لوصف اللقاء الأول بين أميرة ويلز الراحلة ديانا، ورجل الأعمال المصري الراحل محمد الفايد، الذي وافته المُنية الأربعاء الماضي، الموافق ٣٠ من أغسطس، أي قبل يوم واحد من الذكرى الـ٢٦ لوفاة ابنه الأكبر عماد الفايد بصحبة الأميرة في حادث سير في العاصمة الفرنسية باريس في العام ١٩٩٧.

"التاج" يعيده مجددا إلى الضوء

فيما يحفظ رجل الأعمال المصري بموضع بعيد على قائمة أثرياء العالم بثروة تقدرها فوربس بحوالي ٢.١ مليار دولار أميركي للعام ٢٠٢٢، لم يعد الملياردير العجوز يستحوذ على مساحة من الاهتمام الجماهيري، إلا بعد عرض الموسم الخامس من مسلسل التاج، The Crown، الذي أنتجته شبكة نيتفليكس، لتجسيد فصول من حياة الأسرة الملكية البريطانية، التي تقاطعت سبلها مع الفايد تسعينيات القرن الماضي.

خلال أحداث المسلسل يظهر رجل الأعمال في ثوب فاخر، يسعى باجتهاد للاستحواذ على اهتمام الملكة البريطانية، بينما ينخرط ابنه في علاقة عاطفية مع الزوجة السابقة لولي العهد.

علاقة الفايد بالعائلة المالكة البريطانية بدأت بالإعجاب قبل أن تتحول إلى العداء الشديد. أ ب

لم يختلف الواقع كثيرا عن الرؤية الدرامية، حيث جمعت الفايد علاقة مضطربة بالمجتمع البريطاني الذي شهد رحلته في بناء ثروة طائلة، فضلا عن علاقة أشد ارتباكا بالعائلة الملكية التي وجه إليها الملياردير أصابع الاتهام بعد وفاة ابنه وصديقته في حادث مفاجئ.

وفيما ودع الفايد الحياة الأسبوع الماضي، ما تزال هناك مناطق غامضة وأسئلة بلا إجابات في حياة الملياردير المصري المثير للجدل، تبدأ حتى من تاريخ ميلاده.

أسرار الفايد تبدأ مبكرا

للإجابة على السؤال، علينا العودة إلى مدينة الإسكندرية على السواحل الشمالية المصرية. أسرار الفايد، تبدأ من تاريخ ميلاده ذاته، ففيما اعتُقد لسنوات أنه ولد في العالم ١٩٣٣، كشف تقرير لوزارة التجارة البريطانية أنه ولد حقيقة في العام ١٩٢٩، أي أنه أكبر مما يزعم ببضعة أعوام، كشف التقرير ذاته أيضا أن رواية الفايد عن طفولته وأسرته لم تكن دقيقة أيضا.

لم يولد الفايد لعائلة ثرية وقدرت ثروته عام ٢٠٢٢ بـ ٢.١ مليار دولار. (المصدر: وكالة فرانس برس)

وفقا لما قاله الملياردير العجوز ذاته، ولد الفايد في كنف أسرة ثرية تعمل في تجارة القطن، حتى أنه تربى على طريقة أرستقراطية، وعكفت على عنايته مربية بريطانية خصيصا، إلا أن وزارة التجارة رجحت سير الأحداث على نحو مختلف تماما بحسب مجلة تاون آند ذا كونتري، إذ تقول إن الملياردير ولد في الأصل لأسرة بسيطة، يعمل فيها الأب على الأرجح كمدرس أو مفتش مدرسي.

حتى اسم الفايد ذاته، خضع للقليل من التعديلات؛ إذ أضاف الثرى المصرى "ألف ولام" إلى اسم "فايد" عندما انتقل للمعيشة في المملكة المتحدة.

المستشار والإمبراطورية

قبل أن ينتقل للملكة المتحدة في السبعينيات ويبدأ تسخير ثروته في عمليات الاستحواذ التجاري والتوسع، تقاطع الفايد مع عالم الأعمال أثناء إدارته لإحدى شركات الشحن، فضلا عن عمله في التعدين وحتى عمله كمستشار لسلطان بروناي في قارة آسيا، قبل أن يترك العامل للغير، ويبدأ في تدشين إمبراطوريته الخاصة.

إنطلاق الإمبراطورية جاء من أوروبا، حيث بدأ الفايد العمل على بضعة صفقات رابحة حيث استحوذ على فندق ريتز في باريس عام ١٩٧٩، ثم استحوذ في منتصف الثمانينيات على متجر هارودز الذي يحمل قيمة مرتبطة بالهوية البريطانية، وانضم لقائمة الممتلكات أيضا نادي فولهام لكرة القدم.

استحوذ الفايد على عدد من المؤسسات التجارية والرياضية وحتى القصور. (المصدر: وكالة فرانس برس)

لم يتوقف الصعود الصاروخي للفايد عند هذا الحد، فوفقا لمجلة تايم الأميركية ما لبث رجل الأعمال أن بدأ في ضم بعض الممتلكات الملكية إلى قائمة ممتلكاته، بالتحديد فيلا باريسية محددة، اعتاد أن يسكنها عم الملكة إليزابيث الثانية والملك السابق إدوارد الثامن، وذلك في معية زوجته واليس سيمبسون، بعد أن تنازل عن العرش لصالح أخيه.

يُعتقد أن التقاطع مع الإرث الملكي البريطاني شكل محاولة من الملياردير للصعود بين الأوساط الأرستقراطية البريطانية في ظل التاج والأسرة المالكة الشهيرة، بالإضافة إلى جذب انتباه وقبول ملكة بريطانيا.

عداوة شديدة

لاحقا، تبدلت ملامح علاقة الفايد بالعائلة الملكية البريطانية، إذ لم يعد السعي للقبول عنوانها، بل ربما العداء، حيث تغير كل شيء في إحدى ليالي أغسطس الباريسية حيث كانت سيارة نجله عماد، أو دودي الفايد، والأميرة ديانا تسرع داخل أحد الأنفاق عندما وقعت حادثة سير قاتلة أودت بكل من الأميرة والفايد معا.

مقتل الأميرة لم يكن حدثا عابرا وإنما شكّل صدمة مدوية أدخلت ملايين الجماهير في المملكة المتحدة وحول العالم في حالة حداد طويلة، ومن بينهم بالطبع محمد الفايد الذي فقد ابنه أيضا في الحادث.

بدأ الفايد يبحث إجابات غير تلك التي توفرها السلطات الرسمية، إذ ظل طويلا على يقين بأن الحادث مُدبر من قبل العائلة الملكية ذاتها، والتي رغبت من وجهة نظره في التخلص من الأميرة والزوجة السابقة لولي العهد.

في سبيل "كشف الحقيقة"، أطلق الفايد تحقيقا خاصا للوقوف على أسباب الحادث، وعيّن لقيادة فريقه البحثى قائد سابق في الشرطة الفرنسية.

إلا أن نتيجة التحقيقات الرسمية في باريس ألقت باللوم على قائد سيارة الأميرة. وفي المملكة المتحدة برأ تحقيق آخر العائلة الملكية والمخابرات البريطانية من كل مزاعم الفايد، الذي ظل بدوره متمسكا بنظريته، أن ابنه قد قُتل، وفقا للموسوعة البريطانية.

انتقام حكومي

وبالرغم من سنوات عمره الطويلة التي قضاها على الأراضي البريطانية، لم تكن علاقته هناك تتمتع بالصلابة، خاصة مع المؤسسات البريطانية الرسمية، إذ تسببت تصرفاته في بعض الأحيان في تدمير الحياة المهنية لسياسيين محافظين، ولطالما أثارت تصرفاته الجدل.

فعلى سبيل المثال تسبب الفايد في العام ١٩٩٤ في استقالة وزيران بريطانيان، عندما أعلن عن قائمة أسماء سياسيين قبلوا أموال ورشاوى مقابل تقديم أسئلة نيابة عنه في البرلمان.

بالرغم من سعيه للحصول على الجنسية البريطانية أكثر من مرة، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، في مفارقة تبدو عجيبة واجهها واحد من الأثرياء الذين كوّنوا ثرواتهم في المملكة وحياته الطويلة فيها.

خلال القرن الـ ٢١ عمد الفايد إلى الانخراط في صفقات جديدة، هذه المرة لتفكيك الإمبراطورية التي دأب على تشكيلها لعقود، فباع متجر هارودز في العام ٢٠١٠ إلى مستثمرين قطريين في صفقة بلغت ٢.٤ مليار دولار أميركي، كما باع نادي فولهام مقابل ٣٠٠ مليون دولار أميركي.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة