سياسة
.
كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل عندما استيقظت ديالا العجلوني (24 عاماً) على صوت صراخ زوجها خارج باب غرفة النوم وهو يتجادل مع رجل ويخبره بأنه لا يستطيع الدخول لأن زوجته وأطفاله نائمون.
ديالا تيقنت على الفور أن الرجل هو جندي إسرائيلي فهرعت لتغطية نفسها بلباس الصلاة، وخلال ثوان اقتحم الغرفة مجموعة من الجنود برفقة كلبين كبيرين مكممين.
الزوج حاول التحدّث مع الجنود بالعبرية والعربية ليبعدوا الكلبين عن أطفاله الثلاثة المذعورين، لكنهم وضعوا أسلحتهم على رأسه وأمروه بالتوقف عن الكلام واقتادوه للمطبخ.
أما الزوجة، فأجبرها الجنود على الخروج وأطفالها حافين الأقدام إلى ساحة المنزل المليئة بالأشواك والزجاج، لترى هناك والدة زوجها، عفاف (53 عاماً) وهي خارجة من غرفة مرتعدة وشاحبة الوجه.
لم تدرك ديالا ما حدث حتى جاء دورها لدخول تلك الغرفة، وهناك أصابها الذعر عند مشاهدة كلب ضخم ومجندتين مسلحتين وترتديان أقنعة. على الفور أمروها بنزع جميع ملابسها والمشي أمامهما عارية وهددوها بإطلاق الكلب لمهاجمتها، في النهاية، استجابت ديالا للتهديد وهي تبكي.
في هذه الليلة العصيبة، اقتحمت كتيبة من الجنود الإسرائيليين بلغت 50 جندياً، منزل عائلة العجلوني وفتشته لـ٤ ساعات متواصلة، مجبرةً جميع النساء الـ٥ المقيمات فيه على المشي عاريات أمام مجندات بحسب صحيفة هآرتس.
أما الأطفال الذين تراوحت أعمارهم ما بين 4 أشهر و17 سنة، ففصلهم الجنود عن ذويهم، كذلك الأمر مع الرجال الذين وضعوا في غرفة منفصلة، وقاموا بقلب البيت رأساً على عقب، كل ذلك تحت ذريعة العثور على سلاح في المنزل، بحسب الصحيفة.
عائلة العجلوني مكونة من 15 طفلا، و5 سيدات و6 رجال يعيشون في 3 شقق متجاورة في الخليل. جميع العائلات تعرضت لنفس المعاملة عندما اقتتحم الجنود منازلهم ليلاً في العاشر من يوليو.
وخضعت جميع السيدات الـ٥ لنفس الأوامر بالتعري تحت تهديد الكلاب البوليسية، البعض منهن مجبرات على التعري أمام أطفالهن، لا شيء يسترهن سوى دموعهن المنهالة بغزارة.
الممارسة الوحشية للجنود الإسرائيليين انتقدتها هيئة تحرير صحيفة هآرتس بالقول "لا توجد لها أي ضرورة عملياتية، بل هي وسيلة إذلال في حد ذاتها، لغرض أكبر هو العقاب التلقائي والقمع والترهيب".
عندما اقتحم الجنود المنازل، أمروا الجميع على تسليم هواتفهم المحمولة، لكن الطفلة زينب (17 سنة) فخبأت هاتفها تحت الوسادة.
وعندما جمع الجنود النساء في غرفة، جاءت جندية وأمرتها بالقدوم معها لغرفة الأطفال ثم طلبت منها الوقوف في زاوية الغرفة وكشفت الجندية عن شعرها من تحت الخوذة والقناع لإخبار زينب بأنها جندية أنثى.
فجأة، فتح جندي الباب بشكل غاضب ولوّح بهاتف زينب ثم رفع سلاحه تجاهها وغادر، ثم أمرتها الجندية بخلع جميع ملابسها تحت التهديد.
زينب صرخت فاقتربت منها المجندة بالكلب البوليسي لإخافتها، بينما سمعت ديالا من خارج الباب وهي تطلب منها أن تفعل ما أمرتها به الجندية.
زينب نزعت ملابسها بالكامل وهي تبكي وترتعش ثم أمرتها الجندية أن تستدير، واقتربت منها بالكلب مرة أخرى لتجبرها على ذلك.
الفلسطينيات اللاتي يخضن مثل تلك التجربة في العادة يخشين التحدث علناً بالأمر لما فيه من إحراج وخدش للسمعة، لذلك، من غير المعروف بالضبط عدد الحالات المشابهة.
لكن منال الجعبري، باحثة في منظمة "بتسيلم" في الخليل، تقول إنها وثّقت 20 حالة مشابهة خلال 15 سنة، وتضيف بأن مثل هذه الحالات تضاعفت في الأشهر الأخيرة في ظل وجود أكثر حكومة إسرائيلية متطرفة في تاريخ إسرائيل.
وفي عام 2017، قالت منظمة العفو الدولية إن الجيش الإسرائيلي اقتحم منزل ختام سعافين في منتصف الليل، وقاموا بتصويرها بهواتفهم، وقال لها أحدهم إنه سينشر تلك الصور على فيسبوك.
الجنود اقتادوا ختام لسجن عوفر، وهناك قاموا بتكبيل يديها وتعريتها بشكل كامل وتفتيشها بهذه الحالة.
منال هي الأخرى تعرضت للتفتيش في منزلها في الخليل عندما قام الجيش بحملة مداهمة واسعة أثناء الليل.
المجندات أمروها بخلع جميع ملابسها لكنها لاحظت وجود كاميرا تسجيل في خوذة إحداهن فرفضت التجرد من ملابسها.
وتنقل صحيفة هآرتس عن منال، أن الجندية خلعت تلك الكاميرا، وأن منال أصرّت على عدم خلع ملابسها، فتركها الجنود ربما بسبب عملها في منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية.
لكنها تضيف بأن الجنود قاموا بقلب منزلها رأساً على عقب، وكسروا عدة أغراض، وتسببوا بفوضى كبيرة.
مداهمات الجيش الإسرائيلي الليلية لبيوت الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، هي أمر روتيني يحدث كل ليلة، وتقول منظمة كسر الصمت الإسرائيلية إن تلك المداهمات غير مرتبطة بشكوك ملموسة ضد فرد ما يكون اقتحام منزله أمراً بالغ الأهمية لإحباط تهديد أمني.
بل على العكس، القانون العسكري الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، يسمح اقتحام بيوت الفلسطينيين بدون إذن محكمة أو مذكرة تفتيش، ودون أي سبب منطقي لتلك الاقتحامات.
الجيش الإسرائيلي يقوم في بعض الأحيان باقتحام البيوت وتفتيشها ليلاً لمعاقبة نشطاء في المقاومة الشعبية ضد المستوطنات، أو لجمع المعلومات، أو لإرهاب سكان المنطقة وتخويفهم وتهديدهم، أو كسياسة عقاب جماعي.
في شهر يونيو الماضي، استيقظ الطفلان رجاء ونضال (13 سنة و8 سنوات) من نومهما على اقتحام الجنود لمنزلهم في مخيم الفارغة في منتصف الليل، وإطلاق الجنود لكلب بوليسي هاجمهما وأصابهما بجروح متفاوتة في أطرافهما.
وعندما حاول نضال الاحتماء بوالده، سحب أحد الجنود سلاحه ودفع بالأب نحو الزاوية وأبعد عنه الطفل وهدده بالقول: "سأطلق عليك النار إذا فتحت فمك".
الاقتحامات الإسرائيلية الليلية أو ما يعرف بـ"الإرهاب الليلي" تترك عادةً آثاراً نفسية مدمرة على الفلسطينيين وخاصة الأطفال.
فعائلة العجلوني مثلاً، تقول إنه ولمدة أربعة أسابيع بعد اقتحام الجنود للمنزل، كان الأطفال يستيقظون في منتصف الليل مذعورين. النساء غالباً ما يكون لديهن شعور بأن الجنود لا يزالون في المنزل ويقفزن كلما سمعن ضجيجاً في الخارج.
أثناء اقتحام الجيش لمنزل عائلة العجلوني طلب عبد الله الإذن من الجنود بأن يذهب لشقة أخيه محمد لتأمين مجوهرات ذهبية لزواج الأخير تجاوزت قيمتها 10500 دولار، لكن الجنود رفضوا.
صمم عبد الله على طلبه، فقام الجنود بتغطية عينيه وتقييد يديه خلف ظهره ووضعوه في مطبخ بيت قريبه، وفعلوا الشيء نفسه مع ابن عمه يامن البالغ من العمر 17 سنة.
الذهب اختفى من المنزل وكذلك مبلغ 530 دولار كان في غرفة ديالا. فسارع رجال العائلة لمركز الشرطة الإسرائيلية في مستوطنة كريات أربع لتقديم بلاغ بالأمر، إلا أن الشرطة لم تعترف بأي مسروقات.
وفي اليوم التالي، اتصلت الشرطة بمحمد وطلبوا منه القدوم وأعطوه كيساً يحتوي على الذهب، وقالوا له إنهم ظنوا بأن الكيس كان فيه رصاصات وأعيرة نارية.
وتقول العائلة إن الشرطة الإسرائيلية لم تعيد المبلغ المالي حتى اللحظة وفقاً لهآرتس.
بعد انتشار خبر تلك الحادثة، تنامى الغضب الشعبي في أوساط الفلسطينيين تجاه ما اعتبروه اعتداءاً سافراً على نساء فلسطينيات، بينما أصدرت جميع الفصائل الفلسطينية الكبرى، كفتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وعرين الأسود، بيانات عامة توعدت فيها بتدفيع الاحتلال الثمن، واعتبرت أن ما حدث، هو تصعيد خطير لن يمر دون رد.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة