سياسة
.
تحصد الحوادث المرورية أرواح آلاف العراقيين سنوياً، فيما يقول الكثير من المختصين إن أرقام الموت والإصابات التي تخلفها تلك الحوادث تزيد على ما خلفه الإرهاب والأمراض الفتاكة.
المعنيون في الدوائر الحكومية، يتبادلون الإتهامات حول أسباب تلك الحوادث بين الطرق المهترئة، وعدم التزام السائقين بالسرعة المحددة، إضافة إلى زيادة أعداد المركبات بشكل كبير في الشوارع واستيراد أنواع رديئة منها.
تبدو ملامح التذمر واضحة على وجه مصطفى الذي يقف أمام باب دائرة المرور في الحسينية شمال بغداد، وهو يحمل معاملة نقل ملكية مركبة، متسائلاً عن الفائدة من دفع مبلغ ستين ألف دينار (40$) كفاتورة جباية للطرق والجسور عند مراجعته للدائرة من أجل إنجازه المعاملة.
ويقول مصطفى لـ "بلينكس": "شوارع بغداد والعراق أغلبها متداعية وبنيتها التحتية سيئة، كما أن الكثير يطلق عليها اسم طرق الموت لأنها حصدت أرواح الآلاف من البشر، ورغم جني الملايين من الدنانير عند المراجعات في الدوائر المعنية".
مصطفى والكثير من السائقين، يلومون الدوائر الحكومية المعنية بالمركبات والطرق في استمرار الحوادث، إلى جانب السماح باستيراد مركبات رديئة تنهي حياة ركابها عند أقل حادث على الشوارع المتهالكة.
بدوره قال عبد لـ "بلينكس": "ّالسائق والمواطن، هما أضعف حلقة تطبق عليها دائرة المرور كل القيود، وتفرض الغرامات، لكنها لا تفكر بمعالجة المشاكل التي تسبب الحوادث، وتسبب العطل والضرر الدائم للسيارة".
ويضيف "أحياناً أشعر بأني لازلت في العصر الحجري، هناك شوارع ترابية وأخرى متهالكة، لا أعلم لماذا لدينا عشرات الدوائر المعنية بالطرق والجسور والمركبات، لكننا لم نستطع توفير شوارع آمنة حتى الآن".
تكشف آخر إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية تسجيل أكثر من 11 ألف حادث مروري خلال العام السابق، تسبب بمقتل أكثر من 3 آلاف ضحية.
وتظهر إحصائية الجهاز وقوع 11 ألفاً و523 حادث مروري في عام 2022، بارتفاع بلغ 8% مقارنة بعام 2021، مشيرة إلى أن هذه الحوادث أودت بحياة 3021 شخصاً، منها 3079 حادثاً مميتاً بنسبة 26.7%، و8444 حادثاً غير مميت بنسبة 73.3%، ما عدا إقليم كردستان، الذي سُجل فيه 10659 حادث سير في سنة 2021، وبارتفاع بلغت نسبته 8.1% عن العام الذي سبقه.
ويوضح المتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي لـ"بلينكس" أن "عدد ضحايا الحوادث المرورية ارتفع خلال السنة الماضية بنسبة 6.8%، كما ارتفع عدد الجرحى بنسبة 12.9% عن سنة 2021".
وأشار إلى أن عدد الوفيات الناتجة عن تلك الحوادث بلغ 3021 ضحية، منهم 2474 متوفياً من الذكور وبنسبة 81.9%، أما الزفيات المسجّلة بين الإناث فقد بلغت 547 وفاة وبنسبة 18.1% من المجموع الكلي للوفيات.
أما بالنسبة للجرحى المصابين بحوادث المرور لسنة 2022، فقد بلغ 12677 مسجلاً بنسبة ارتفاع مقدارها 12.9% عن سنة 2021 حيث كانت عند 11230، وفق الهنداوي.
وقال إن السائق كان سبباً في تسجيل أعلى نسبة من الحوادث المرورية وبنسبة مقدارها 79.2%، أما الحوادث بسبب وضع السيارة فكانت نسبتها 8.1%، فيما نسبتها بسبب وضع الطرق فكانت 6.2%. أما بقية الأسباب فقد بلغت نسبتها 6.5% من المجموع الكلي للحوادث.
وتشير الإحصائية إلى أن هناك ما معدله 8 ضحايا في العراق يومياً بسبب الحوادث المرورية، ونحو 250 يقتلون شهرياً، وهو رقم يفوق بكثير أرقام ضحايا العنف والإرهاب في العراق، وبعدة أضعاف، كما يؤكد الكثير من الناشطين والمختصين.
تصف مديرية المرور تفاقم أعداد الحوادث بالمشكلة المميتة، مؤكدة أن النسبة الأكبر من أسباب وقوعها يقع على عاتق السائق وغياب الوعي وعدم الالتزام بقواعد السير والمرور، إضافة إلى رداءة أنواع المركبات المستوردة.
في المقابل تشير المديرية إلى اتخاذها بعض الإجراءات المستقبلية للحد من تفاقم خطرها.
ويوضح مدير قسم الإعلام في مديرية المرور العامة في العراق، زياد القيسي، لـ"بلينكس": أن "80% من مشاكل السير والحوادث المرورية، تقع على عاتق السائق، و10% يقع على عاتق المركبة و10% يقع على عاتق الطرق".
وأكد أن الكثير من السائقين يسيرون بسرعة متهورة وعكس السير، ويجتازون من جهة اليمين.
وقال إن بعضهم يستعمل الهاتف أثناء القيادة أو الشاشة التلفزيونية داخل السيارة، كما أن البعض الآخر يقودون مركباتهم وهم تحت تأثير الكحول أو المخدرات.
القيسي أكد لـ"بلينكس" أن مديريته "تسعى وبعد إكمال نظام الأتمتة الالكترونية إلى ربط جميع الدوائر في عموم العراق بنظام الكتروني واحد"، وسترصد مخالفات السرعة بواسطة أجهزة الرادارالتي تنوي الدائرة التعاقد مع شركات عالمية لنصبها على الطرقات لعدم تجاوز السرعة المحددة ورصد المخالفين وتغريمهم.
وحول أموال الجباية التي تستحصل في المرور بفواتيرالطرق والجسور، فقال إنها تذهب للخزينة العامة للدولة وليس لدائرة المرور، موضحاً أن "القرار رقم 40 خوّل مديرية المرور بجباية (رسوم الطرق والجسور) وكذلك الرسوم السيادية التي تذهب بإيراد نهائي إلى الخزينة المركزية التابعة لوزارة المالية".
الحوادث المرورية تصدرت أعداد الإصابات في آخر تقرير سنوي أصدرته وزارة الصحة العراقية العام الماضي. فقد رصدت عدد الإصابات بـ 12000 ألف إصابة مميتة من أصل 100 ألف إصابة سجلت في عموم البلاد، نتيجة لعوامل عدة ساهمت بارتفاع معدلات تلك الحوادث ووفياتها كما تقول الوزارة .
المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، دعا في مقابلة مع "بلينكس" إلى تضافر جميع الجهود لتقليل الخسائر ومنع وقوع الحوادث، منوهاً بأن وزارته هي المحطة الأخيرة لمعالجة الحوادث وتقديم الرعاية الصحية للمصابين.
إلا أنه أضاف "أن هناك عوامل عديدة تسبقها وتتسبب بها، منها منح إجازات القيادة وتحديد السرعة، التي هي من اختصاص مؤسسات أخرى، ولابد لنا جميعاً أن نسعى للحد من تلك الكوارث".
ويصف مدير عمليات الصحة في محافظة بابل أرقام الإصابات الناجمة عن الحوادث، خصوصاً في الطرق الخارجية، بالمخيفة.
وأوضح أن وزارة الصحة تسعى دائما لإيضاح الصورة للجهات المعنية من أجل العمل على تلافي تلك الحوادث.
وبيّن تقرير وزارة الصحة أن الذكور يمثلون نسبة أكثر من 70% من الإصابات المميتة للحوادث، وعلى رأسها حوادث السير، وأن الفئة العمرية للضحايا تتراوح بين العشرين والأربعين عاماً.
وتتصدر العاصمة بغداد من حيث حالات الإصابات المميتة، تليها بابل فكركوك ثم كربلاء.
يوجد في العراق أكثر من سبعة ملايين سيارة، منها ثلاثة ملايين في العاصمة وحدها، وفق آخر إحصائيات وزارة التخطيط العراقية للعام 2021.
ووفقاً للوزارة، فإن بلوغ نسبة تلك الأعداد الكبيرة تعود إلى فتح أبواب الاستيراد عقب عام 2003، ما تسبب بالكثير من المشاكل، وعلى رأسها ارتفاع أعداد الحوادث المرورية وطوابير الازدحامات فضلا عن المشاكل البيئية.
عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث باسم وزارة التخطيط، يقول إن المركبات الموجودة في الشارع اليوم هي أكثر بكثير من الطاقة الإستيعابية لها، وبالنتيجة يؤدي هذا في نهاية المطاف، إلى الازدحامات الكثيرة التي تشهدها الشوارع، وكذلك الحوادث التي ارتفعت نسبتها.
وأكد أن هناك معدلات عالمية للكيلومتر الواحد، والنتيجة ما يشهده العراق اليوم من أعداد السيارات التي هي أعلى بكثير من المعايير أو المعدلات العالمية.
الخبير الاقتصادي، منار العبيدي، وفي دراسة لمركز عراق المستقبل، يقول إن "نسبة النمو في أعداد السيارات الموجودة بالعراق هي 15% خلال الخمس سنوات الماضية، ليبلغ مجمل عدد السيارات 7 مليون سيارة وبواقع سيارة لكل 6 أشخاص، مضيفاً أن "كثافة السيارات في الشوارع 154 سيارة لكل كيلومتر معبّد، في حين أن المعدل الطبيعي لتفادي الاختناقات المرورية يجب أن يكون أقل من 100 سيارة لكل كيلومتر معبّد".
بدورها تؤكد مديرية المرور العامة أنها اقترحت منع استيراد السيارات لمواجهة الارتفاع الكبير في أعداد المركبات وضرره.
لكن اللجنة المشكلة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء مضت في طريق إيجاد حلول أخرى مستقبلاً، بعيدة عن إيقاف الاستيراد وأبرزها العودة إلى نظام تسقيط المركبات للموديلات القديمة، وهو نظام اعتمدته دائرة المرور بعد العام 2003 ويقوم على عدم حصول المواطن على رقم لمركبته المستوردة الا في حال جلب سيارة موديل قديم لتسقيطها مقابل الحصول على رقمها لمركبته الجديدة.
إلا أنها عادت وتخلت عن هذا النظام بسبب شكاوى المواطنين من ارتفاع سعر المركبات القديمة نتيجة الطلب عليها، فضلاً عن توسعة الشوارع وإنشاء الجسور لمواجهة الازدحامات.
ويوضح زياد محارب، مدير قسم العلاقات والاعلام في مديرية المرور العامة، لـ "بلينكس" أن المديرية اقترحت على رئاسة الوزراء منع الإستيراد من أجل حل جزء من مشاكل الازدحام والحوادث.
وقد تشكلت لجنة على أثر ذلك، لكن لم تتوصل في النهاية إلى تطبيق هذا الأمر، واتجهت اللجنة إلى تقديم مقترحات بديلة مثل العودة مستقبلاً لتسقيط المركبات القديمة والذي كان يطبق في ما مضى.
ورغم الواقع الأفضل والإجراءات المرورية المشددة في إقليم كردستان شمال العراق، إلا أن الحال هناك لا يختلف كثيراً عن باقي أجزاء العراق.
بعض المنظمات المعنية بالسلامة المرورية، تشير إلى أن أعداد ضحايا الحوادث المرورية في الإقليم، تبلغ ثلاثة أضعاف ضحايا الأمراض القاتلة.
وكانت جمعية "سلامة الطريق" قد أكدت في مؤتمر صحفي لها في يونيو الماضي، تزايد ضحايا الحوادث المرورية في إقليم كردستان خلال السنوات الأخيرة بصورة ملفتة، معلنة طرحها لمشروع يسهم في تقليل أعداد الضحايا .
وقالت عضو الجمعية ئافان كريم خلال المؤتمر، إن أعداد ضحايا الحوادث المرورية تمثل ضعفين أو ثلاثة أضعاف ضحايا الأمراض القاتلة، وهي في تزايد مستمر.
وكانت مديرية مرور إقليم كردستان قد أحصت في آخر إحصائية معلنة للعام 2021 وقوع 4119 حادث مروري أدى إلى وفاة 662 شخصاً وإصابة 7120 آخرين.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة