سياسة
.
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مراسلة من هيثم الجبوري، رئيس اللجنة المالية السابق في البرلمان العراقي، ومستشار رئيس الوزراء العراقي السابق، يطالب محكمة النزاهة بمنحه مدة زمنية من أجل تسديد ما بذمته من أموال للدولة بحكم دوره في قضية "سرقة القرن"، والموافقة على السماح بسفره لبيع عقار له في الأردن.
المراسلة أثارت انتقاد وسخرية الرأي العام العراقي حول مطلب الجبوري، أحد المرتبطين بقضية "سرقة القرن" التي تم الاستيلاء فيها على ما لا يقل عن ملياري ونصف المليار دولار من أموال الدولة.
كما انتقد معلقون مشاركة حزب الجبوري في الانتخابات المقبلة، وكذلك طلبه تقسيط ما عليه من أموال بالسعر الرسمي لسعر صرف الدولار.
أثارت قضية "سرقة الأمانات الضريبية"، التي كُشف عنها في أكتوبر الماضي، سخطاً شعبياً واسعاً في العراق، لا سيما بعد الكشف عن تورط مسؤولين سابقين ورجال أعمال بارزين فيها.
الاختلاسات في هذه القضية قاربت ملياري ونصف المليار دولار، وتمّت بين سبتمبر 2021 أغسطس 2022 من خلال 247 صكاً تمّ صرفها من قبل 5 شركات من الأموال الضريبية المودعة لدى الدولة لحساب شركات حصلت على عقود مشاريع في البلاد.
وعقب ذلك، سُحبت تلك الأموال نقداً من حسابات هذه الشركات الخمسة التي فر معظم مالكيها إلى خارج البلاد.
إلا أن السلطات العراقية اعتقلت أبرز أصحاب تلك الشركات ومنها شركة "الأحدب" لصاحبها نور زهير، وهو المتهم الرئيسي بعمليات السرقة، إلا أنه أُطلق سراحه بكفالة ورُفع الحجز عن أمواله في اتفاق مع القضاء العراقي والحكومة، لإعادة المبالغ التي اختلسها.
ويتهم برلمانيون الجبوري بتسهيل الاستحواذ على الأموال من قبل الشركات، عندما كان رئيساً للجنة المالية في البرلمان، وذلك عبر تقديمه مقترحاً رُفع للحكومة بتدقيق بصرف أموال الأمانات الضريبية من قبل دائرة الضريبة فقط دون الرجوع للجهات الرقابية الأخرى.
النائب باسم خشان اتهم حينها الجبوري، واصفاً الأمر بـ"التستر على سرقة أمانات الضرائب"، لأنه يقف وراء مقترح تدقيق صرف مبالغ الأمانات من قبل الهيئة العامة للضرائب، وهو المقترح الذي شكل الغطاء الذي كانت الهيئة تتمناه، وفق وصفه.
وقال النائب إن "رئيس اللجنة المالية تم تعيينه مستشاراً لرئيس مجلس الوزراء ليكمل ما بدأه في مجلس النواب، وحسب ما وصلنا من معلومات، فإن له استشارة في هذا الموضوع بالذات".
بدوره، اتهم النائب هادي السلامي، الجبوري بالوقوف وراء صرف أموال الأمانات الضريبية خلال ترؤسه للجنة المالية، وكذلك العمل سابقاً مع المتهم نور زهير في أعمال تجارية.
لكن الجبوري نفى حينها، لوسائل إعلام محلية علاقته بالمتهمين، وصرح بأنه قدم المقترح لتسهيل العمل الضريبي، مؤكداً أن المقترح رفع بإطلاع جميع أعضاء اللجنة المالية النيابية ورئيس البرلمان، وأن المقترح رفع لوزارة المالية وهي التي وافقت عليه.
لم يمر وقت طويل بعد اتهام الجبوري، حتى أعلنت الهيئة العليا لمكافحة الفساد في الـ 30 من نوفمبر الماضي، عن تنفيذ أمر القبض الصادر بحق رئيس اللجنة المالية النيابية السابق هيثم الجبوري لوجود تضخم في أمواله.
وقالت الهيئة في بيان إنها "تمكنت من تنفيذ أمر القبض الصادر عن قاضي تحقيق الجنايات المختص بنظر قضايا الهيئة العليا لمكافحة الفساد، بحق رئيس اللجنة المالية النيابية للدورة السابقة، والمستشار السابق في رئاسة الوزراء، جراء تهم تتعلق بتضخم أمواله وإثرائه على حساب المال العام".
وأضاف البيان أن "أمر القبض جاء على إثر عمليات التحري والتقصي عن أموال المتهم التي أجرتها دائرة الوقاية في هيئة النزاهة الاتحادية، عن قيمة العقارات والعجلات، وكميات الذهب العائدة له، فضلا عن القروض وراتبه بصفته مستشاراً لرئيس الوزراء السابق، التي توصلت إلى وجود تضخم في أمواله يقدر بـ (16,157,291,000) ستة عشر ملياراً، ومئة وسبعة وخمسين مليوناً، ومائتين وواحد وتسعين ألف دينار".
يشار إلى أن المادة (19/ ثانياً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30 لسنة 2011) المعدّل - تتضمن إيقاع عقوبة السجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، وبغرامة تعادل قيمة الكسب غير المشروع، على كل مكلف من المذكورين في المادة (16/ أولاً) من القانون - عجزت عن إثبات السبب المشروع للزيادة الكبيرة في أمواله أو أموال زوجته أو أموال أولاده، على ألا يطلق سراح المحكومين إلا بعد سداد مبلغ الغرامة ورد قيمة الكسب غير المشروع.
لكن لم يلبث الجبوري أن وصل إلى تسوية مشابهة لتسوية نور زهير مع القضاء والحكومة، تقضي بخروجه بكفالة مقابل إعادته الأموال التي بذمته.
وأُخلي سبيل هيثم الجبوري في شهر ديسمبر من العام الجاري 2023، بعد دفعه الكفالة المالية وتعهده بإعادة المبالغ التي بذمته، والمتعلقة بما حصل عليه في قضية "سرقة القرن" وفق بعض البرلمانيين.
بعد أشهرٍ من الهدوء الذي ساد الرأي العام حول "سرقة القرن"، عاد اسم هيثم الجبوري ليشغل الرأي العام مجدداً، ويتصدّر الجدل بشأن مصير المتسببين بها.
وتظهر وثيقة مرسلة بتاريخ 23 آب الماضي، إلى قاضي محكمة التحقيق المختصة بقضايا النزاهة وغسل الأموال، طالب هيثم رمضان الجبوري، إمهاله "مدة أقصاها 6 أشهر لتسديد المبلغ المتبقي من التسوية المالية وعلى شكل 3 دفعات، بواقع دفعة كل شهرين"، إضافة إلى دعوته السماح له بالسفر لبيع عقار في الأردن.
كما طلب الجبوري "رفع الحجز عن الأموال غير المنقولة ليتسنى لي بيعها ورفع إشارة منع السفر لوجود عقار في دولة الأردن يتطلب تواجدي لبيعه بغية تسديد الدفعات الثلاث أعلاه".
وبحسب الكتاب فقد دفع الجبوري 5 مليارات دينار عراقي كفالة عن إطلاق سراحه.
كما دعا الجبوري خلال الطلب المقدم إلى "النظر في تصحيح أخطاء حسابية وردت في تقارير دائرة الوقاية في هيئة النزاهة"، منها احتساب جميع المبالغ باعتماد سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار بمبلغ 1460 دينار لكل دولار، في حين سعر الصرف الرسمي هو 1320 دينار، وفقاً لكتابه.
إلى جانب ذلك، ذكر وجود فرق بـ "مليار و150 مليون دينار عراقي في احتساب مبلغ السيولة النقدية".
تلك الوثيقة أثارت الانتقاد والسخرية من قبل الرأي العام حول مطالب الجبوري.
فقد سخر بعض الناشطين من طلب الجبوري واصفين إياه بطلب مدلل، منتقدين تهاون الحكومة بإطلاق سراح المتهمين أو المخططين في قضية "سرقة القرن"، متسائلين في الوقت نفسه، عن حجم الأموال التي كشفتها وثيقة الجبوري، والتي أكدت دفعه قرابة 10 مليارات دينار عراقي، رغم تصريحاته وفي أكثر من مرة، بعدم امتلاكه لأي مبالغ مالية، وأنه اشترى منزله من خلال طلب المساعدة المادية من بعض أقاربه.
لم تكن مطالب الجبوري بتأخير تسديد الأموال التي بذمته، آخر ما أثار حفيظة الشارع العراقي.
فقد غصت مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق، بوثيقة تظهر سماح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، بتسجيل مشاركة الجبوري في مجالس المحافظات.
وأظهرت الوثيقة المتداولة تسجيل "تجمع الكفاءات والجماهير" برئاسة هيثم رمضان الجبوري.
لم تنف المفوضية مشاركة حزب الجبوري في الانتخابات، مؤكدةً أنها "لا تستطيع حرمان أي مرشح أو حزب، إلا في حال وجود مؤشرات سلبية من الجهات المختصة".
المتحدثة باسم المفوضية، جمانة الغلاي قالت إن "آليات عمل مفوضية الانتخابات وتسجيل الأحزاب والتحالفات والمرشحين للمشاركة في انتخاب مجالس المحافظات، وبالتالي جميع الأوليات للمرشحين، سواء بالتحالفات أو الأحزاب، أو المرشحين المستقلين، تذهب إلى هيئة المساءلة والعدالة وهيئة النزاهة، وكذلك إلى الأدلة الجنائية ووزارتي التربية والتعليم العالي".
وانتخب الجبوري نائباً في مجلس النواب العراقي عن محافظة بابل عام 2018، ضمن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نائب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
ثم خرج في الانتخابات التي بعدها ليؤسس حزب خاص تحت اسم "تجمع الكفاءات"، وشغل منصب رئيس اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ثم مستشاراً اقتصادياً لرئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، قبل أن يرد اسمه في قضية "سرقة القرن"، وتم اعتقاله وإطلاق سراحه بكفالة مقابل إرجاع المبالغ المختلسة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة