في نفس المكان عند ساحة التحرير معقل الاحتجاجات الشهيرة في قلب بغداد ، تجمّع العشرات من متظاهري تشرين من بغداد ومحافظات جنوبية عدة، لاستذكار احتجاجاتهم العارمة التي انطلقت في أكتوبر ٢٠١٩، بين المتظاهرين أربعة أعوام ومئات المحتجين والناشطين الذين قتلوا خلال الاحتجاجات أو قتلوا بعدها.

الذكرى هذا العام شهدت تقلصاً في أعداد المحتجين وكذلك مطالبهم.

الناشط المدني القادم من محافظة واسط، صباح مهدي، يقول إن تجمعهم اليوم جاء للتأكيد على استمرار روح الاحتجاجات، واستذكار ما حصل فيها من مطالب لإصلاح الوضع وإنهاء الفساد وإيقاف التدخلات الخارجية.

ويضيف أن "ما حصل أن الأحزاب والطرف الثالث المسلح أحدثوا مجزرة بقتل شبابنا المسالم الذي لم يكن يرفع سوى العلم العراقي، وحضورنا اليوم والأعوام السابقة لنبقى نذكر السلطة والأحزاب بأن الثورة لم تمت وأن مطالبنا قائمة لكن على رأسها الكشف عن قتلة المتظاهرين".

مطالب المتظاهرين هذه المرّة، ركزت على أمور محددة، منها تجديد رفض قانون انتخابات مجالس المحافظات، محاسبة الفاسدين، وتحسين الوضع المعيشي المتردي في العراق.

كما شدد المتظاهرون أيضاً على ضرورة عدم التراجع عن إلغاء اتفاقية "خور عبدالله" المبرمة بين العراق والكويت، وإعادة النظر بالربط السككي مع إيران، مطالبين بتغيّير سعر صرف الدولار مقابل الدينار وتأثيرها على الوضع المعيشي للعراقي.

ورغم المطالبات التي رُفعت، والسعي على تأكيد استمرار روح الاحتجاجات، إلا أن بعض المحتجين والناشطين لم يخفوا مشاعر خيبة الأمل مما وصل إليه الوضع بعد ٤ سنوات على اندلاع الاحتجاجات.

وفقاً لهؤلاء الناشطين فإن التغيير الذي كانوا يطمحون اليه لم يتّم، وأن سلطة الأحزاب التي تظاهروا ضدها أحكمت قبضتها على مفاصل الدولة.

واشتكى الناشطون من استمرار مسلسل الاعتقال بحق قياداتهم المدنية، متهمين أحزاب السلطة الحاكمة بالوقوف وراء تفكك التظاهرات وزوالها.

الناشط المدني حسن هادي المدرس، يرى أن احتجاجات تشرين لم تحقق مطالبها.

وأضاف أن "الأحزاب نجحت في المراهنة على عنصر الوقت، والتغلغل بين صفوف المحتجين، لينجحوا في جر بعض قادة النشاط الاحتجاجي إلى اللهث خلف السلطة ومغانمها عبر الاشتراك في العملية السياسية التي قتل مئات الشباب لأجل تغييرها وإيقاف الفساد والخراب المستشري بسببها" وفق قوله.

رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي كان أعلن بداية تسلمه المنصب في ٢٠٢٠ عن تشكيل لجنة للتحقيق بجرائم القتل التي تعرض لها المحتجون وعمليات الاغتيال للناشطين بعدها، والكشف عن نتائجها حال انتهاء التحقيق.

لكن النتائج لم يتم الإعلان عنها حتى رحيله عن منصبه في نهاية العام الماضي.

وقبل أيام من ذكرى اندلاع الاحتجاجات مؤخراً أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني أنه وقبل نهاية هذا العام سيتم كشف نتائج التحقيق حول المسؤولين عن قتل المتظاهرين.

وشدد السوداني خلال مقابلة مع صحيفة ذا ناشيونال على أن النظام السياسي يقوم على الالتزامات الدستورية، "ومنذ الأيام الأولى لي في المنصب قمت بتعيين مستشار لحقوق الإنسان، وبعض التحقيقات تحتاج إلى مدة زمنية في إطار القانون، ولا يوجد أي موقوف في سجن أو موقف رسمي دون أمر قضائي، وحتى تمديد فترات الاعتقال يجب أن يعرض على القضاء".

وفيما يتعلق باحتجاجات أكتوبر ٢٠١٩، قال السوداني: "إننا ننظر إليها باحترام، ونحترم جميع عناصر الاحتجاجات السلمية ضمن إطار قانوني".

ووعد السوداني بالكشف عن نتائج التحقيقات حول المسؤول عن قتل المتظاهرين قبل نهاية العام.

في الأول من أكتوبر عام ٢٠١٩ انطلقت من ساحة التحرير في بغداد، احتجاجات حاشدة مستقطبة أعداداً كبيرة من العاصمة وباقي المحافظات، للتنديد بسياسة رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي والأحزاب الحاكمة التي رشحته.

وطالب المتظاهرون بإصلاح النظام السياسي الذي اتهموه بالتبعية وإغراق البلاد بالفساد وسوء الخدمات.

خلال الاحتجاجات قُتل قرابة ٦٠٠ شخص وأُصيب الآلاف بالجروح نتيجة تعرضهم للقمع من قبل القوات الأمنية وعناصر مسلحة مجهولة عرفت "بالطرف الثالث".