قصة دبلوماسي مكسيكي خلف القضبان الإسرائيلية بـ"60 اعتداء جنسيا"

المفارقة أن أنرديس المتهم اليوم بجناية الاغتصاب، ألف كتباً وأوراقاً علمية وأعطى محاضرات جامعية في علم الجريمة وفلسفة القانون وعلم اقتصاديات الجرائم لفترة طويلة من حياته.

رومير ألف نحو ستة عشر كتاباً ومسرحيتين تناولوا مواضيع، واشتهر باستخدام التحليل الاقتصادي للقانون لدراسة أنشطة غير تجارية مثل السعادة والفن والجنس والحب والمياه وكرة القدم والقانون والاقتصاد والجريمة وعلم النفس التطوري والحكومة والسياسة العامة.

"لا توجد قوة في الإنسانية، في المجتمع يمكنها أن تغير حياتنا أكثر من العقل الناقد، العقل الذي يستكشف أسئلة جديدة وينسى الطرق القديمة، العقل الذي يتحدى الوضع الراهن حقاً، العقل الذي يأخذ مخاطرة جدية في الأفكار الخطيرة". ألقى هذه الكلمات أنريس رومير في جامعة كاليفورنيا بركلي عند تسلمه جائزة جائزة إليز ووالتر أ. هاس الدولية عام 2014 عن بحثه لأطروحة الدكتوراة التي كتبها قبل عقدين في نفس الجامعة العريقة، وتخصص في السياسات الثقافية والقانون والاقتصاد وعلم النفس التطوري.

رومير حصل على شهادة الماجستير من جامعة هارفرد الأميركية الشهيرة في الإدارة العامة عام 1991 وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والقانون من جامعتي المعهد التكنولوجي المستقل والجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك عام 1987 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف.

بحسب سيرته الذاتية، أندريس عمل محاضراً وباحثاً في العديد من الجامعات المرموقة بين الأعوام 1987-2000 و2011-2013، مثل كلية جون إف كينيدي للعلوم الحكومية في جامعة هارفارد وكلية الحقوق وكلية جولدمان للسياسة العامة في جامعة كاليفورنيا بريكلي في أميركا والمعهد التكنولوجي المستقل ومركز الأبحاث والدراسات الاقتصادية في المكسيك.

سيرة أندريس رومير الذاتية صادمة بالمقارنة بالاتهامات الرسمية الموجهة له بالاغتصاب والاعتداء الجنسي.

فقبل تقلده منصب سفير المكسيك لدى اليونسكو في باريس عام 2016، عمل أندريس رومير قنصلاً عاماً للمكسيك في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا في شهر مارس من العام نفسه.

وفي عام 2010-2013، عمل عضواً في المجلس الاستشاري للمفوضية الوطنية لحقوق الإنسان، وفي عام 2000-2003 شغل منصب السكرتير الفني (وكيل وزارة) للسياسة الثقافية في المجلس الوطني للثقافة والفنون.

وسبق ذلك عمله كسكرتير فني لمجلس الوزراء للتنمية الاجتماعية في مكتب الرئيس السابق في 1998-1999 ومستشاراً شخصياً في موضوعات خاصة بمشروع الفيدرالية الجديدة في المكسيك عام 1995-1997.

وأيضًا، بين عامي 1994-1995، عمل رومر منسق استراتيجية وزارة الداخلية، كما وعمل مستشاراً للرئيس كارلوس ساليناس دي جورتاري لحملته الرئاسية، في منطقة غييرمو راؤول رويز دي تيريزا بين عامي 1988-1990.

في أكتوبر 2016، اجتمع ممثلو الدول الأعضاء في اليونيسكو بباريس للتصويت على مشروع قرار طرحته الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وعمان وقطر والسودان يدين إسرائيل كالقوة المحتلة لسماحها بالعدوان ضد الشعب الفلسطيني، وإخفاقها في حماية الاستخدام الإسلامي الحصري للمسجد الأقصى، وقيامها بأعمال حفر واستكشاف أسفله في القدس الشرقية المحتلة.

الحكومة الإسرائيلية سارعت للقول إن مشروع القرار معادي للسامية لأنه يذكر المسجد الأقصى باسم "الحرم الشريف" فقط دون ذكره باسمه اليهودي "جبل الهيكل" أو الاعتراف بصلة اليهود التاريخية فيه. بالإضافة لاستخدام القرار مصطلح "حائط البراق - الحائط الغربي" دون ذكر اسمه اليهودي "كوتيل هماآرڤي".

وقال نتنياهو حينها: "القول إن إسرائيل ليس لها علاقة بجبل الهيكل هو مثل القول إن الصين ليس لها صلة بالسور العظيم أو أن مصر ليس لها علاقة بالأهرامات. مع هذا القرار السخيف، خسرت اليونسكو الشرعية الضئيلة التي كانت لا تزال تتمتع بها".

وأعلنت إسرائيل إيقاف تعاونها مع اليونيسكو بسبب هذا القرار الذي مر بقبول 23 دولة ومعارضة 7 دول وامتناع 28 دولة عن التصويت، ومن ثم قامت والولايات المتحدة بالانسحاب معاً من المنظمة الأممية عام 2017.

أما أندريس رومير، سفير المكسيك حينها في اليونيسكو، فكان من المفترض أن يصوت بالإيجاب اتباعاً لتعليمات حكومته، لكن السفير يهودي الأصل اختار مغادرة غرفة التصويت احتجاجاً على الأمر في تحدي لحكومته.

وقال رومير لاحقاً إن قراره كان مبدئياً من أجل القتال "للحقيقة وما هو ضروري لتحقيق السلام"، وأضاف بأنه حاول بشكل فردي إقناع جميع ممثلي الدول الأعضاء بالتصويت ضد القرار إيماناً بأنه غير عادل للتاريخ اليهودي.

أيام وأعلنت الحكومة المكسيكية فصل رومير من منصبه لمخالفة تعليمات مكسيكو سيتي في اليونيسكو. لكن في الوقت نفسه، كان السفير المكسيكي قد تلقى كماً هائلاً من الدعم من الحكومة الإسرائيلية واللوبيات الضاغطة المناصرة لإسرائيل مثل StandWithUs وUN Watch ومركز سيمون فيزنتال والاتحاد السفاردي الأميركي، الذين قلدوه العديد من الجوائز والتكريمات.

إيتزل شاناس راقصة مكسيكية شابة التقت أندريس في مهرجان فني كان هو أحد منظميه فيه في نوفمبر 2019 وتبادلت معه أطراف الحديث وأبدت إعجابها بأعماله. ثم تبادلا أرقام الهواتف أملاً منها في أن يساعدها في الانضمام لمشاريع المهرجان في العام المقبل بحسب إدعائها.

إيتزل قالت في مقطع فيديو مصور حمل هاشتاغ #MeToo إنه اتصل بها بعد بضعة أيام وطلب لقاءها لمناقشة مشروعها في مطعم ومن ثم في منزله. الشابة قالت إنها وصلت للمكان على دراجة نارية لكي تتمكن من المغادرة بسهولة في حال حدوث أي شيء مريب.

وأضافت بأنها تجنبت شرب الكحوليات لكنها لم تستطع إيقاف مجاملاته غير المريحة حول مدى جاذبية المرأة التي تقود دراجة نارية. وتدعي الشابة بأنه قال لها إنه إذا كان الأمر بيده لاختار أن تكون زوجته راقصة.

إيتزل قالت إن السفير السابق بدأ بمداعبة وتدليك ساقها بالقرب من الفخذ ولمس نفسه، ثم حاولت المغادرة بأدب دون أن تختلق أي ضوضاء. وعند مغادرتها وضع أمامها بضعة آلاف من عملة البيزو المحلية (الدولار يساوي 17 بيزو) وقال لها "ستأتين لاجتماعنا التالي مرتدية تنورة اشتريتها لك".

إيتزل كانت الشابة الأولى التي تتقدم بشكوى ضد أندريس دون إخفاء هويتها، وهو ما شجع نحو 60 امرأة أخرى للتقدم بشكاوى مماثلة قلن فيها إن الدبلوماسي السابق استدرجهن لمنزله لمقابلات عمل أو للقيام بمهام مهنية قبل قيامه بالاعتداء عليهن جنسياً.

وفي مارس 2021، تم إلغاء البرنامج التلفازي "وجها لوجه مع أندريس رومير" في يوم المرأة العالمي، ومن ثم قام رومير بوضع عوازل خشبية على مداخل ونوافذ قصره لتجنب المحتجين ضده.

السفير السابق قام بعدها بالفرار لإسرائيل أملاً في أن تتم حمايته من القضاء المكسيكي وأصر على برائته، ولكن بعد عامان من المماطلة ورفض طلبات تسليمه، وافقت السلطات الإسرائيلية أخيراً على اعتقاله والمضي قدماً في إجراءات التسليم.