سياسة
.
ما أول الأشياء التي قد تخطر ببالك إذا سمعت اسم "حرب أكتوبر"؟
مباغتة إسرائيل بهجوم مفاجئ لم تتوقعه، والنجاح في عبور قناة السويس وخط بارليف الذي "لا يقهر"، والطابور الطويل من الأسرى الإسرائيليين في "البيجامات"، وخطاب السادات الشهير في الكنيست الإسرائيلي، والنجاح في تحرير سيناء بعد المفاوضات.
نعرف أيضاً قرار السعودية والإمارات والكويت حظر تصدير النفط لأميركا والدول الغربية لمعاقبتهم على دعم إسرائيل عسكرياً.
لكن هناك حقائق أكثر قد لا يعرفها الكثيرون عن الحرب، نستعرضها في التقرير التالي:
مع اشتعال الحرب سارعت دول عربية بإرسال آلاف الجنود وعشرات طائرات ميغ وسوخوي وميراج ومئات الدبابات والعربات المدرعة والذخيرة لدعم مصر وسوريا، وفقاً للبروفسور والمؤرخ بي آر كوماراسوامي في كتابه "إعادة النظر في حرب يوم الغفران".
قُتل في معارك حرب أكتوبر 23 أردنيا و278 عراقيا، وتم أسر 6 جنود مغاربة.
لكن ما قد لا يعرفه البعض هو أن كوريا الشمالية أرسلت 20 طيارا حربيا و19 فردا غير مقاتل لمساندة مصر، وكان آخر اشتباك جوي على الجبهة المصرية في 6 ديسمبر بين طائرات إف-4 إسرائيلية وطائرات ميغ-21 يقودها كوريون.
أيضاً، حاربت باكستان عبر إرسالها طيارين من قواتها الجوية إلى سوريا ونجحوا في إسقاط طائرة إسرائيلية.
في الواقع، كوريا الشمالية أهدت مصر نصبا تذكاريا ما يزال قائماً في الإسماعيلية على شكل سلاح رشاش آلي إيه كيه-47 لتخليد ذكرى الحرب.
ومع إعلان الهدنة بين مصر وإسرائيل، استمرت معارك الاستنزاف بين سوريا وإسرائيل في جبل الشيخ في الجولان المحتل، وهو ما دفع فيديل كاسترو لإرسال 500 جندي كوبي للانضمام لفرقة دبابات سوريا في فبراير 1974، قُتل منهم 180 جنديا قبل وقف إطلاق النار بين الجانبين في 31 مايو 1974.
في ألمانيا الشرقية، قام زعيم الحزب الشيوعي فيها إريك هونيكر بإرسال شحنة لسوريا ضمّت 75 ألف قنبلة يدوية و30 ألف لغم و62 دبابة و12 طائرة مقاتلة.
الدعم الأميركي الواسع لإسرائيل بأحدث الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية خلال حرب أكتوبر، كان أحد أهم الأسباب الرئيسية في استمرارها في الحرب حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
يرى بعض الخبراء بأنه لولا هذا الدعم، لهزم الجيش الإسرائيلي في الحرب.
الأميركيون توقعوا أن تنتصر إسرائيل خلال 72-96 ساعة، لكن الخسائر الإسرائيلية كانت مرتفعة جداً في الأيام الأولى للحرب على الجبهتين، لدرجة أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان قال لرئيسة الوزراء غولدا مائير إن "هذه نهاية الهيكل الثالث" في كناية عن نهاية الدولة اليهودية.
هذا الأمر دفع الإسرائيليين للتفكير في استخدام السلاح النووي ضد الدول العربية المجاورة كخيار أخير لمنع انهيار إسرائيل.
في يوم 9 أكتوبر، أطلق الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون "عملية عشب النيكل" لإمداد إسرائيل بنحو 22 ألفا و325 طنا من الدبابات والمدفعية والذخيرة وطائرات C-141 Starlifter وC-5 Galaxy. هذه الأسلحة ضمنت لإسرائيل التفوق النوعي لجيشها في المعركة.
معظم الدول الغربية خشيت الوقوف إلى جانب إسرائيل علناً خوفاً من العقوبات العربية، لدرجة أن معظم الدول الأوروبية رفضت هبوط الطائرات الحربية الأميركية في مطاراتها للتزود بالوقود.
الاستثناء الأبرز لهذا الموقف الأوروبي كانت البرتغال وهولندا واليونان.
البرتغال مثلاً سمحت للولايات المتحدة باستخدام مطار لاجيس فيلد في جزر الأزور، وسمح وزير الدفاع الهولندي سراً، دون استشارة زملائه في الحكومة، للجيش الأميركي باستخدام المطارات الهولندية.
اليونان كذلك أعلنت حياديتها في الصراع، لكنها سمحت للولايات المتحدة باستخدام منشآت الاتصالات في مطارات أثينا وقاعدة سودا البحرية لتسهيل مساعدتها لإسرائيل.
عسكرياً، يرى المصريون أنهم انتصروا في الحرب لنجاح الجيش في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف وتوجيه ضربات موجعة ومفاجئة للجيش الإسرائيلي.
في المقابل، يزعم الإسرائيليون انتصارهم في الحرب بسبب النجاح في الهجوم المضاد يوم 22 أكتوبر، الذي اخترق قرار وقف إطلاق النار، ومكن الجنرال آرييل شارون من عبور قناة السويس وحصار الجيش المصري الثالث.
الإسرائيليون يقولون إنه عند نهاية الحرب، كانت قواتهم على بعد 101 كيلومتر من القاهرة.
أما سياسياً، فالمصريون استعادوا سيناء بالكامل بعد الحرب، عن طريق مفاوضات السلام، ورفع الروح المعنوية للشارع العربي واستعادة كرامة وهيبة الجيش المصري.
في المقابل، يرى الإسرائيليون أنهم حققوا نصراً سياسيا، عبر تحييد الخطر العسكري، ونيل اعتراف مصر بإسرائيل كدولة عبر توقيع اتفاقية السلام.
الولايات المتحدة ترى أنها انتصرت في الحرب بعد النجاح في إبعاد مصر من التحالف السوفيتي مقابل المعونة السنوية العسكرية التي نتجت من اتفاق كامب ديفيد.
غالبية سيناء بقيت في أيدي الجيش الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر، بالإضافة لنحو 18 مستوطنة إسرائيلية في الصحراء المصرية.
لكن بعد التوصل لاتفاق كامب ديفيد عام 1978 برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام التالي والاعتراف المتبادل بالدولتين، فككت إسرائيل المستوطنات، وقاعدتين جويتين، وقاعدة بحرية وغيرها من المنشآت في شبه الجزيرة المصرية بشكل تدريجي.
وانتهى انسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء في 1982.
بعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982، استمر الإسرائيليون في الاستيلاء على مدينة طابا المصرية المجاورة لإيلات، وحاولوا المماطلة بشكل لا نهائي في المفاوضات الثنائية مع الرئيس المصري حسني مبارك وقالوا إن طابا في الأصل تعتبر جزءا من فلسطين التاريخية.
المصريون استعانوا بخرائط تعود للعهد العثماني لإثبات أن طابا مصرية، فقابلهم الإسرائيليون بالادعاء أن بعض تلك الخرائط تشوبها أخطاء وأن خريطة ألمانية-تركية واحدة من العام 1916 أظهرت طابا كجزء من فلسطين.
الجانبان احتكما للجنة دولية أيدت الموقف المصري.
وقال الرئيس مبارك إن الإسرائيليين مع ذلك حاولوا التمسك بطابا، لكنه هددهم بالمطالبة بإيلات والقول بأنها مصرية تاريخياً، وهو ما دفعهم في عام 1989 للقبول بالانسحاب من المدينة.
في شهر مايو الماضي، كشفت إسرائيل للمرة الأولى عن مواد أرشيفية تتعلق بحرب "يوم الغفران" في ذكراها الخمسين، وكانت أبرز تلك الوثائق التي جذبت أنظار الإعلام الإسرائيلي، هي برقية مشفرة غامضة وصلت للموساد قبل 36 ساعة من الحرب تقول إن "الحرب وشيكة".
رئيس الموساد الإسرائيلي آنذاك تسيفي زامير سافر فوراً للندن للقاء مصدر تلك المعلومة، بحسب تحليل تم نشره ضمن الوثائق بعنوان "تحذير من فم الحصان" للعميد الإسرائيلي يوئيل بن بورات.
العميد بن بورات قال إن مصدر المعلومة كان أشرف مروان وأنه حدد يوم الحرب.
في المقابل، قال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، إن مصر استخدمت مروان لتضليل الإسرائيليين، عبر إيصال معلومات غير دقيقة، بجانب معلومات أخرى دقيقة، ونقل الرئيس المصري الأسبق أن الرئيس السادات أخبره بـ"أنا يا حسني بـ أزقّ على الإسرائيليين أشرف مروان علشان ألخبطهم".
يرى بعض الخبراء الإسرائيليين أن ازدراء إسرائيل للعرب والنظرة العنصرية تجاههم كلفت إسرائيل غاليا، لأن قادة الحكومة الإسرائيلية كانوا على اقتناع بأن السادات لن يبدأ الهجوم، وأنه حتى وإن هاجم العرب، فسيخسرون المعركة. وهو ما دفع تل أبيب لتجاهل التحذيرات الصريحة بموعد الحرب.
سنوياً، يحتفل المصريون بذكرى الحرب وأمجادها، لكن في سوريا، التي لم تتمكن من تحرير الجولان في المعارك أو عبر اتفاق سلام مع إسرائيل، فلا تحظى حرب أكتوبر عندها بنفس المكانة التي تحظى بها في مصر.
في عام 2010، احتفلت سوريا بشكل استثنائي وبسيط بذكرى أكتوبر. الاحتفال لم يشهد استعراضا عسكريا كما حدث في مصر، بل اقتصر على وضع الرئيس بشار الأسد إكليلاً من الزهور أمام نصب الجندي المجهول والقول إن الحرب كسرت "أسطورة الجيش الذي لا يقهر"، لكن تلك الاحتفالات لم تتجدد منذ ذلك الحين.
محطة "هيستوري" الأميركية المهتمة بالتاريخ، تقول إن الحرب كانت كارثية لسوريا، لأنها في الواقع خسرت المزيد من الأراضي في المعارك، بالإضافة لخسارتها ما يقدر بـ 3 آلاف إلى 3500 جندي قتلوا في الحرب.
سوريا كانت أيضاً أحد أبرز الدول التي صوتت على طرد مصر من جامعة الدول العربية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة