تبع الكرسي المتحرك ثلاثة شبان يركضون وكأنهم من أقاربها. بعد أن دخلوا من باب الطوارئ.

ما هي إلا بضع ثوانٍ حتى فتحوا السلاح وتعالت أصوات الصراخ داخل مبنى الطوارئ، ليتبين أنها مهمة عسكرية إسرائيلية هدفها القبض على مطلوب فلسطيني مصاب يرقد في المستشفى.

لم تجد إسرائيل أنسب من مجموعة المستعربين أو (المستعرفيم بالعبرية) التابعة للشرطة الإسرائيلية التي تضم ٣٥ ألف شرطي، لينفذوا العملية.

صاغ الأمن الإسرائيلي مصطلح المستعربين خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ١٩٨٧، وهم مجموعات من الشرطة تتنكر بلباس مدني مطابق لما يرتديه الفلسطينيون لكنه يخفي تحته أسلحة نارية صغيرة.

توكل للمستعربين مهمات اغتيال واعتقال في مناطق مكتظة بالفلسطينيين أو ما تسمى بـ"مناطق الاشتباك بين الحجر والرشاش".

يدخل المستعربون بين الشبان يرتدون كوفية فلسطينية وخلال العشر دقائق الأولى من تواجدهم بين الشبان، يلقون الحجارة على أصدقائهم في الجيش الإسرائيلي في محاولة للتقرب من الفلسطينيين أكثر.

وما أن تحين لحظة الحسم، تظهر سيارات الجيب الإسرائيلية تتقدم نحو الشبان، ويبدأ المستعربون إخراج أسلحتهم واعتقال الفلسطينيين وزجهم في الآليات العسكرية.

يتلقى المستعربون تدريبات مكثفة في اللغة العربية واللهجة الفلسطينية خاصة، ويتعلمون لغة الشارع الفلسطيني حتى يتقنوا كلمات شعبية متداولة، وطريقة الحديث بين الشباب من صغار السن التي يتداولونها عن الجيش الإسرائيلي.

بحسب تقارير، يقضي المستعرب ٣ سنوات في التدرب على اللهجة الفلسطينية مستعيناً بمعلمين تابعين للشرطة الإسرائيلية وأعضاء سابقين في هذه الفرقة.

حسب الأمم المتحدة، الضفة الغربية أرضٌ فلسطينية محتلة، والمستعربون يتبعون الشرطة التي يُمنع تواجدها في الضفة قانونيا.

مع أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية من ١٩٦٧ إلا أنها ما زالت تواجه صعوبات في القبض على المطلوبين الذين يتواجدون في أماكن تكتظ بالفلسطينيين وبيوتهم، كمخيم جنين، وبلاطة، ونور شمس، وغيرها من المخيمات.

بعد ظهور كتيبة جنين في ٢٠٢١ وما تبعها من كتائب كثيرة في مناطق مختلفة في الضفة الغربية، بدأ نشاط المستعربين الإسرائيليين في اتخاذ مسارات تختلف عن ذي قبل في تنفيذ عمليات الاغتيالات.

أصبحوا يدخلون إلى المخيمات عن طريق سيارات شحن مرسيدس خفيف تتسع لحوالي 10 جنود في الخلف. بينما سائقه يبدو فلسطينياً بشكله ولباسه.

بعد ظهورها بعدة أشهر، بدأ المسلحون الفلسطينيون تنظيم وحدات رصد مكونة من 10 شباب من منتسبيها كأقصى حد يقومون بمراقبة مداخل المخيمات، لذلك تحولت مهمة المستعربين من اغتيال أو اعتقال المطلوبين الأمنيين، إلى تأمين دخول الجيش الإسرائيلي للمنطقة.

أصبح المستعربون يدخلون إلى بنايات على مشارف المنطقة المراد اقتحامها ويصعدون نحو آخر طابق وينصبون قناصاتهم ليضمنوا حماية وحدات الجيش المقتحمة.

في المقابل، يسهر مسلحون فلسطينيون لمراقبة كل سيارة تبدو مشبوهة بالنسبة لهم، مع كاميرات هواتفهم لتصوير السيارات، وحزمة إنترنت تمكنهم من إرسال الصور والفيديوهات على مجموعات التلغرام لتحذير أصدقائهم.

في نابلس ينتهج المسلحون الفلسطينيون ثقافة الشك في كل شيء، حتى أنهم تتبعوا ذات مرة سيارة فلسطينية شكوا أنها تحمل بداخلها مستعربين إسرائيليين، وتداولوا صورها بكثرة على مجموعات التلغرام، حتى شعر السائق بالضجر وأخبرهم أنه فلسطيني.

طوّر الفلسطينيون ثقافة خوض مواجهات بشكل جديد، بحيث يمنع على الفلسطيني خوض مواجهات بالحجارة مع الجيش الإسرائيلي وهو يخرج قميصه خارج بنطاله.

كل من يلقي الحجارة أصبح يضع القميص داخل البنطال. الهدف من ذلك كشف جنود المستعربين الذين يتسللون بين المشتبكين.

دائماً ما يضع المستعرب قميصه خارج البنطال لأنه يخبئ مسدساً في بنطاله ويغطيه بالقميص، ويشتهر بين الفلسطينيين عبارة "القميص جوا" لتسهيل كشف المستعربين.