هل بدأ العد العكسي لمسيرة نتنياهو السياسية؟

كي ندرك حساسية موقف نتنياهو السياسي، ربما علينا العودة لماض شبيه نسبيا، بالتحديد منذ ٤٩ عاما، في اجتماع مغلق على أعضاء حزب العمل الإسرائيلي في "البرلمان" حضرته آنذاك رئيسة الوزراء غولدا مائير لتعلن قرارا خاصا، بحسب ما ورد في أرشيف صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

لم يكن قد مر على مواجهة إسرائيل للجيشين المصري والسوري في ١٩٧٣ سوى أقل من عام، حين قررت رئيسة الوزراء المنتخبة حديثا حينها، أن تتخلى عن منصبها بشكل نهائي، معللة قرارها بـ"الانقسامات العميقة داخل الحزب" ووصوله لطريق مسدود.

قالت رئيسة الوزراء آنذاك في الاجتماع التاريخي، إنها لم تعد تشعر بأنها تحظى بـ "الدعم الكافي داخل حزبها" مضيفة: "هذه خطوة حتمية بالنسبة لي.. هذا عبء لم أعد أرغب في تحمله".

بالعودة للعام ٢٠٢٣، البعض لا يريد أن يترك لبنيامين نتنياهو مهلة من الوقت كي يغادر المشهد السياسي بهدوء بعد أن تمر الحرب بصرف النظر عن نتائجها، إذ يُعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي هو المسؤول عن الموقف، يؤيد وجة النظر تلك كاتب الشؤون الخارجية والصحافي في الغارديان البريطانية، سيمون تيسدال وذلك في مقال حديث له، تسائل من خلاله لماذا ما يزال نتنياهو في السلطة.

يقول تيسدال إن نتنياهو فشل فشلا ذريعا، إذ كان واجبه الرئيسي هو منع وقوع حرب جديدة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، إلا أن ذلك هو ما حدث بالضبط، ويُضيف: "مقياس فشله هو العدد غير المسبوق من القتلى المدنيين.. لقد وعد بالأمن وخلق بحرا من الدموع".

ويرى المحلل أن على نتنياهو الاستقالة بشكل فوري، دون انتظار نتائج للتحقيقات التي سوف تُجرى بالتأكيد.

مدى مسؤولية نتنياهو عن تفاقم الوضع يناقش داخل إسرائيل أيضا، حسبما يصف تيسدال مستعينا بأحد المقاطع في صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي أشارت إلى أن سياسة نتنياهو التي "تتجاهل علنا وجود وحقوق الفلسطينيين" جعلت الصدام أمرا حتميا.

ولاية نتنياهو الطويلة لم تخلُ من مواجهات فلسطينية إسرائيلية، أغلبها كان محدودا، ولم يقترب أي منها من حجم مواجهات الحرب الحالية، فولايته شهدت ٨ أيام من المواجهات في نوفمبر ٢٠١٤ في أعقاب مقتل القائد العسكري لحماس أحمد الجعبري، ثم حرب الأيام السبعة في العام ٢٠١٤، وحرب السياج الحدودي في ٢٠١٨ وغيرها.

بالرغم من ذلك بدى نتنياهو على مدار ولايته التي بلغت ١٥ عاما الأكثر ترددا بشأن الشروع في عمليات عسكرية واسعة النطاق، بحسب تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية.

عمد نتنياهو إلى سياسة مغايرة عن القتال، وهي محاولة تحقيق الهدوء النسبي على الحدود، مع تعميق الانقسامات الفلسطينية، وتجاهل القضية برمتها باعتبارها هامشية، تقتبس الصحيفة الفرنسية عن كاتب سيرة نتنياهو أنشيل فيفر قوله: "لقد حاول نتنياهو تجاهل غزة طوال السنوات التي قضاها في منصبه.. ولم يضع خططا لمستقبله،والآن سوف يتذكره الإسرائيليون إلى الأبد بسبب هذه الكارثة القادمة من غزة. وهذا هو إرثه الآن".

بالرغم من شدة الهجوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما يزال هناك سبيلا واحدا للتراجع وربما إنقاذ مسيرته السياسية، كما يطرح تحليل نشرته مجلة بوليتيكو.

إلا أن نتنياهو عليه أن يدفع ضريبة للبقاء، عبر استبدال حكومته اليمنية الخالصة بإتلاف وسطي يضم التيار الليبرالي، بالتحديد بعض الشخصيات البارزة كرئيس الوزراء السابق يائير لابيد من حزب يش عتيد، ووزير الدفاع السابق بيني غانتس.

على أرض الواقع، أبدت الأحزاب المعارضة انفتاحا على تلك الاحتمالية، إذ أصدرت بيانا موحدا أعلنت فيه أنه في مثل تلك الظروف "لا توجد معارضة ولا يوجد ائتلاف"، وأعلن الحزب الذي يضمه غانتس انفتاحه على تأسيس ائتلاف جديد يركز على القضايا الأمنية، كما أعلن لابيد أنه على استعداد أن ينضم لـ"حكومة طوارئ" شريطة ألا تضم الشخصيات "المتطرفة" في الحكومة الحالية.

ويشير التحليل أيضا إلى أن انضمام معارضي نتنياهو لائتلاف جديد يمكنه من خوض مخاطر عسكرية أكبر، خاصة لدى الحديث عن غزو بري لقطاع غزة، إذ أن الائتلاف سيقلل من مخاوف نتنياهو الانتخابية، في حال وقوع الغزو الذي يتطلب الإعداد أولا وقد يكلف خسائر بشرية بالمئات، خاصة في حال انحرفت الحملة العسكرية أو طالت أكثر من اللازم.