الطريق إلى "7 أكتوبر".. تفاصيل تقرير استخباراتي أهملته إسرائيل

كي نعرف ما الذي حدث في السابع من أكتوبر، علينا العودة أولا لديسمبر من العام ٢٠٢١، حينها أعلنت إسرائيل أنها انتهت من تدشين حاجز حدودي ضخم، يفصل بينها وبين قطاع غزة على مسافة تبلغ ٦٥ كيلومتر، وبتكلفة قدرها نحو ١.١١ مليار دولار أميركي.

استغرق بناء الجدار نحو ٣ أعوام ونصف، وذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية حينها أن الجدار مزود بأجهزة استشعار وجدران تحت الأرض وسياج فوقها، بالإضافة إلى أنظمة أسلحة يمكن التحكم فيها عن بعد وأنظمة رداد مزودة بكاميرات تغطي كافة قطاع غزة، كل ذلك معزز بغرف تحكم لتوجيه القتال وأنظمة استخبارات ومراقبة خصيصا لمنع التسلل عبر الجدار.

كل ذلك لم يجد نفعا في صباح الـ ٧ من أكتوبر، إذ تمكنت حماس من اختراق الجدار في عشرات النقاط والتسلل عبره.

فيما يشار الآن إلى ما يشكله الهجوم من فشل استخباراتي كبير لإسرائيل، يعتقد أن تحذيرا كان قد صدر عن المخابرات الإسرائيلية صباح يوم الهجوم، عندما لاحظ الضباط نشاطا كبيرا بين شبكات المسلحين، أعتقد حينها الضباط أن شيئا غير عادي يحدث، ومن ثم بعثوا بتنبيه إلى الجنود الإسرائيليين المكلفين بحراسة الجدار، وذلك وفقا لرواية مسؤولين أمنيين إسرائيليين تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية شريطة عدم ذكر أسمائهم.

إلا أن التجاهل كان مصير الرسالة، إذ لم تؤخذ خطوات لتنفيذ أي شيء حيالها، إما لأن الضباط لم يقرأوا الرسالة من الأساس، أو وصلتهم ولكن لم يفهموها بشكل صحيح.

كأن المعركة تدور على رقعة شطرنج، جاء دور حماس لتقوم بخطوتها الأولى، وهي استهداف النظام المتطور للجدار من خلال طائرات بدون طيار، استهدفت أولا محطات الاتصالات الخلوية وأبراج المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي، وبالطريقة ذاتها دُمرت أيضا المدافع الرشاشة التي يتم التحكم فيها عن بعد.

في خضم كل تلك الجلبة التي تحدث في الخارج، لم يتلق الجنود المتمركزون في غرف التحكم أي إنذارات متعلقة باختراق السياج.

لاحقا حان وقت الخطوة الأخيرة، وهي تفجير السياج العلوي وهدمه بالجرافات والتسلل للجهة الأخرى عبر حوالي ٣٠ نقطة اختراق، ويقدر تقرير الصحيفة الأميركية أن عدد المقاتلين الذين مروا حوالي ١٥٠٠ مقاتل، وصلوا إلى حوالي ٤ قواعد عسكرية دون أن يشعر بهم أحد، حتى أنهم باغتوا الجنود وأطلقوا عليهم الرصاص في غرف نومهم وأسرتهم.

يعتقد أن الأمر متعلق بفرط ثقة القادة في إسرائيل بالجدار وما يشمله من أنظمة مراقبة وأسلحة يمكن التحكم فيها عن بعد، مما يجعل تواجد أعداد كبيرة من الجنود في المنطقة أمر لا حاجة له.

ومن ثم وجه الجيش القوات إلى مناطق أخرى تثير اهتمامه، كالضفة الغربية.

ولكن سؤال كيف تسرب كل ذلك التخطيط والتنفيذ من بين أصابع إسرائيل؟ ما يزال مطروحا، وبلا إجابات واضحة، بحسب مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل سابقا، والزميل في الدبلوماسية الأميركية الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية، الذي أجرى حوارا مؤخرا مع مجلة فورين أفيرز وقال فيه: "نحن لا نملك إجابات جيدة حتى الآن، ولكنني متأكد من أن جزءا من السبب كان الغطرسة. الاعتقاد الإسرائيلي بأن القوة المطلقة يمكن أن تردع حماس، وأن إسرائيل لم تكن مضطرة لمعالجة المشاكل طويلة الأمد".

يعتقد إنديك أن هذا الهجوم شكل "فشل كامل" للنظام من جانب إسرائيل، التي اعتادت أن تكون على معرفة بما يفعله الفلسطينيين خلال أدوات التجسس المتطورة، بالإضافة إلى الاعتماد على السياج العازل شديد التكلفة.

بعد مضي حوالي ٥ أيام على الهجوم، ما يزال الوضع متأزما، فيما وصلت خسائر إسرائيل إلى حوالي ١٢٠٠ قتيل مقابل ٩٠٠ قتيل على الجانب الفلسطيني جراء الغارات الجوية المتتابعة التي تُمطر سماء غزة.

إلا أن التطور الأكبر قد يتمثل في عملية اجتياح بري لقطاع غزة، رجح مسؤول أمني إسرائيلي لوكالة رويترز صباح الأربعاء، أنها باتت أمرا "لا يمكن تفاديه" خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها إسرائيل، فيما يمكن اعتبار الهجمات الجوية الحالية وسيلة لاستنزاف الفصائل العسكرية.