سياسة
.
قبل أقل من شهر من اختراق مقاتلي حركة حماس "الجدار الحديدي" الإسرائيلي المتطور، وشنها ذلك الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي، أجرى مقاتلوها تدريبات علنية على مرأى ومسمع إسرائيل. ولكن لماذا لم تتوقع إسرائيل الهجوم؟ وكيف تجاهلته؟
الأمر لم يقتصر على التدريبات التي أجراها مقاتلو حماس، بل إن تسجيلا دعائيا مصورا مدته دقيقتان نشرته الحركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يوم 12 سبتمبر، لمقاتلين يستخدمون المتفجرات لتفجير نسخة طبق الأصل من البوابة الحدودية، واقتحام شاحنات صغيرة ثم الانتقال من مبنى لآخر، مطلقين نيران أسلحة آلية على مجسمات لأهداف بشرية.
كما شارك في التدريب بالذخيرة الحية الذي أطلقت عليه حماس اسم "الركن الشديد" ونفذه مسلحون يرتدون دروعا واقية للبدن وملابس قتالية ينفذون عمليات شملت تدمير نماذج بالأحجام الطبيعية للأبراج الجدار العازل الخرسانية وهوائيات اتصالات، في تنفيذ مطابق لما فعلوه خلال هجوم السبت الماضي.
راجعت أسوشيتد برس وتحققت من التفاصيل الأساسية من عشرات التسجيلات المصورة التي نشرتها حماس خلال العام الماضي، والتي كان معظمها عبر تطبيق التواصل تلغرام.
طابقت الأسوشيتدبرس، باستخدام صور الأقمار الصناعية، موقع مجسم المستوطنة التي أقامتها حماس بقطعة أرض صحراوية على أطراف بلدة المواصي الفلسطينية على الساحل الجنوبي لقطاع غزة.
ثمة لافتة كبيرة باللغتين العبرية والعربية عند البوابة مكتوب عليها "حورش يرون"، وهو اسم مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية.
قال بومان إن هناك دلائل تشير إلى أن حماس عمدت إلى دفع المسؤولين الإسرائيليين للاعتقاد بأنها تستعد لتنفيذ غارات في الضفة الغربية، وليس غزة.
مناورات الركن الشديد هذه تجريها حماس بشكل سنوي منذ عام 2020 في شهر ديسمبر، لكن تم التعجيل بها هذا العام لتتزامن مع ذكرى انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، وهو ما قد تكون له دلالة أيضا.
في تسجيل مصور منفصل نشرته حماس عبر تلغرام لمناورات "الركن الشديد" العام الماضي وتحديدا في الثامن والعشرين من ديسمبر، ظهر مقاتلو حماس وهم يقتحمون ما يبدو أنه نموذج بالحجم الطبيعي لقاعدة عسكرية إسرائيلية، مكتملة بنموذج بالحجم الكامل لدبابة وعلم إسرائيل يرفرف على برج القاعدة.
المسلحون يتحركون بين منشآت بنيت بالطوب امة من ويتحرك المسلحون عبر المباني المبنية من الطوب الخرساني ويختطفون رجالاً آخرين يلعبون دور الجنود الإسرائيليين كرهائن.
"واضح أن ثمة تحذيرات ومؤشرات كان ينبغي التقاطها .. أو ربما رصدها، لكنهم لم يطلقوا الاستعدادات اللازمة لمنع وقوع هذه الأعمال الإرهابية المروعة"، وفقا لبرادلي بومان، مدير مركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن.
تعود بذور فشل إسرائيل في توقع هجوم يوم السبت وإيقافه إلى ما لا يقل عن عقد من الزمن.
في مواجهة هجمات متواترة من قبل مقاتلي حماس الذين يحفرون أنفاقا تحت السياج الحدودي الإسرائيلي، اقترح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حلا فعالا ومجديا للغاية، بناء جدار أكبر.
بدعم مالي من دافعي الضرائب الأمريكيين، أكملت إسرائيل بناء مشروعها الذي بلغت كلفته 1.1 مليار دولار لتحصين دفاعاتها القائمة على طول حدودها البرية التي يبلغ طولها ٦٤ كيلومترا مع غزة، في عام 2021.
يشمل الحاجز الجديد المطوّر "سياجا ذكيا" يبلغ ارتفاعه 6 أمتار، تنتشر عليه كاميرات رؤية ليلية وأسلاك شائكة وأجهزة استشعار زلزالية قادرة على اكتشاف حفر الأنفاق على عمق أكثر من واحد وستين مترا تقريبا.
تم استبدال مراكز الحراسة المأهولة بأبراج خرسانية تعلوها مدافع رشاشة يتم التحكم فيها عن بعد.
كان نتنياهو قد قال في عام 2016: "في جوارنا، نحن بحاجة لحماية أنفسنا من وحوش برية" في إشارة إلى الفلسطينيين والدول العربية المجاورة "في نهاية المطاف، كما أرى، سيكون هناك سياج مثل هذا يحيط بإسرائيل بأكملها".
يقول خبراء عسكريون للأسوشيتد برس، إن الهجوم أظهر مستوى من التطور لم تظهره حماس من قبل، ما يشير على الأرجح إلى تلقيهم مساعدة خارجية.
يشير اللفتنانت كولونيل المتقاعد بالجيش الأمريكي ستيفن دانر، وهو مهندس مواقع قتال تدرب على بناء الدفاعات واختراقها إلى تخطيط حماس بالقول: "ما أذهلني هو قدرة حماس على استخدام المبادئ والأساسيات لتتمكن من اختراق الجدار.. لقد بدا أنهم قادرون على العثور على نقاط الضعف هذه والاختراق بسرعة ومن ثم استغلال هذا الاختراق".
علي بركة عضو قيادة حماس في الخارج، والمقيم في بيروت، أقر بأن الحركة تلقت على مر السنين إمدادات ودعم مالي وخبرات عسكرية وتدريبا من حلفائها في الخارج، بما في ذلك إيران وحزب الله في لبنان.
لكنه أصر على أن العملية الأخيرة لاختراق الدفاعات الحدودية الإسرائيلية كانت عملية محلية، وأن التاريخ والتوقيت الدقيقين للهجوم لم يعرفهما سوى عدد محدود من القادة في حماس.
قال بركة إن تفاصيل العملية ظلت سرية للغاية لدرجة أن بعض مقاتلي حماس الذين شاركوا في هجوم السبت كانوا يعتقدون أنهم بصدد إجراء تدريب آخر لا أكثر، حيث ظهروا بملابس الشارع بدلا من الزي الرسمي.
هجوم السبت الماضي المفاجئ والمدمر هز الدعم السياسي لنتنياهو داخل إسرائيل، الذي مضى قدما في إنفاق مبالغ كبيرة لبناء الجدران على الرغم من تحذير البعض داخل حكومته والجيش من أن ذلك النهج قد يكون مآله الفشل.
في الأيام التي تلت هجوم حماس، تجنب كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى حد كبير الرد على الأسئلة المتعلقة بالجدار والفشل الاستخباري الواضح.
اعترف الأدميرال دانييل هغاري، كبير المتحدثين باسم جيش الدفاع الإسرائيلي، بأن الجيش مدين للجمهور بتفسير، لكنه قال إن الآن ليس الوقت المناسب، مضيفا "نقاتل أولا، ثم نحقق".
خلال سعيه لبناء الجدران الحدودية، وجد نتنياهو شريكا متحمسا هو الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترمب، الذي أشاد بجدار نتنياهو الحديدي باعتباره نموذجا محتملا للحاجز الموسع الذي خطط لإقامته على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك.
في عهد ترمب، وسعت الولايات المتحدة مبادرة مشتركة مع إسرائيل بدأت في عهد إدارة أوباما، لتطوير تقنيات للكشف عن الأنفاق تحت الأرض بطول الدفاعات الحدودية لغزة.
خصص الكونغرس مبلغ ٣٢٠ مليون دولار للمشروع منذ عام 2016.
يقول فيكتور تريكو، كبير المحللين بشركة "كونترول ريسكس" للاستشارات والتي تتخذ من لندن مقرا لها، إن الجدار الحديدي الإسرائيلي بكل أدواته عالية التقنية، يبقى إلى حد كبير مجرد حاجز مادي يمكن اختراقه.
"السياج، بغض النظر عن عدد أجهزة الاستشعار. وبغض النظر عن مدى عمق العوائق تحت الأرض، هو في نهاية المطاف سياج معدني.. يمكن للمتفجرات والجرافات أن تخترقه في النهاية، ما كان لافتا هو قدرة حماس على إبقاء جميع الاستعدادات طي الكتمان".
اقتحم مقاتلو حماس الجدار في غضون دقائق، فجر السبت الماضي، وقد فعلوا ذلك بتكلفة زهيدة نسبيا، إذ استخدموا شحنات ناسفة لإحداث ثقوب في الحاجز ثم أرسلوا الجرافات لتوسيع الفجوات فيما تدفق المقاتلون عبرها على متن دراجات نارية وشاحنات صغيرة.
تعرضت الكاميرات ومعدات الاتصالات للقصف بطائرات مسيرة تجارية معدة لإسقاط القنابل اليدوية وقذائف الهاون، وهو تكتيك استعارته حماس بشكل مباشر من ساحات القتال في أوكرانيا.
حلق مسلحون حاملين بنادق هجومية فوق الدفاعات الإسرائيلية بطائرات شراعية وكأنهم قوات محمولة جوا، رغم افتقار الحركة للطائرات.
كما قامت الصواريخ محلية الصنع والتي تشهد تطورا متزايدا والقادرة على ضرب مدينة تل أبيب، بدور أسلحة المدفعية الثقيلة.
صور الأقمار الصناعية التي حللتها الأسوشيتد برس تظهر مدى الضرر الهائل الذي لحق بمعبر بيت حانون (إيريز) الحدودي شديد التحصين بين غزة وإسرائيل.
تظهر الصور التي التقطت يوم الأحد وتم تحليلها يوم الثلاثاء فجوات كبيرة في ثلاثة أقسام من الجدار الحدودي، أكبرها يبلغ عرضه أكثر من 70 مترا.
بمجرد اختراق الجدار، تدفق مقاتلو حماس عبره بالمئات. أظهر تسجيل مصور دبابة قتالية إسرائيلية وحيدة تندفع صوب موقع الهجوم، ليهاجمها مقاتلو حماس ويدمرونها بسرعة فتتحول إلى كرة من اللهب.
بعد ذلك عطلت حماس أبراج الراديو ومواقع الرادار، لتعيق قدرة القادة الإسرائيليين على رؤية وفهم مدى الهجوم.
قصفت قوات حماس أيضا قاعدة عسكرية قرب مستوطنة زيكيم، واشتبكت في قتال مكثف مع القوات الإسرائيلية قبل اجتياح الموقع.
أظهرت تسجيلات مصورة نشرتها حماس مشاهد مصورة لعشرات الجنود الإسرائيليين القتلى. بعد ذلك انتشر مقاتلو حماس عبر ريف جنوب إسرائيل، وهاجموا المستوطنات ومهرجان موسيقي.
وعلى جثث بعض نشطاء حماس الذين قُتلوا خلال الغزو، كانت هناك خرائط تفصيلية تظهر المناطق المخطط لمهاجمتها وطرق الهجوم، بحسب الصور التي نشرها عناصر الإسعاف والطوارئ الإسرائيليون الذين انتشلوا بعض الجثث.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة