إرباك وتأهب أمني.. ماذا يجري في فرنسا؟

منذ بدء حرب غزة وسقوط آلاف القتلى والمصابين، وجدت فرنسا نفسها في خضم جدل سياسي، رغم موقف الحكومة الرسمي المساند بقوة لإسرائيل.

وعقب هجوم حماس المباغت على إسرائيل، سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الحكومة إليزابيث بورن ووزيرا الداخلية والخارجية جيرالد درامانان وكاترين كولونا إلى "التنديد بالأعمال الإرهابية التي ارتكبها مقاتلو حماس وتأكيد الدعم المطلق لإسرائيل وعلى حقها المشروع في الدفاع عن النفس"، بحسب تصريحات رسمية.

وتبع هذا الموقف مظاهرة حاشدة الاثنين الماضي دعا إليها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف)، وشارك فيها 16 ألف شخص لدعم إسرائيل، بينهم شخصيات بارزة كالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي.

وشذّ عن الموقف الرسمي، حزب فرنسا الأبية ورئيسه جان لوك ميلينشون الذي رفض إدانة حماس، وكتب في تغريدة على موقع إكس: "كل أعمال العنف التي أُطلق لها العنان ضد إسرائيل وفي غزة تثبت أمراً واحداً فقط، وهو أن العنف لا ينتج ولا يعيد سوى نفسه".

وشكل موقف ميلينشون وحزبه، حالة من الجدل في فرنسا، إذ تلقى الكثير من الانتقادات على رأسها تلك التي وجهتها له رئيسة الوزراء إليزابيث بورن.

بدا واضحا تخوف السلطات الفرنسية من خطورة انعكاس الجدل السياسي على الداخل الفرنسي، إذ يحتضن البلد الأوروبي أكبر جاليتين عربية وإسلامية، ويهودية في القارة، ما دفع وزير الداخلية جيرارد دارمانان لحظر المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في عموم البلاد.

وجاء قرار المنع، بعد تأكيد دارمانان على تسجيل أكثر من 100 "عمل معاد للسامية" في فرنسا منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، موضحا أنه تم توقيف 24 شخصاً على خلفية تلك الأعمال.

لكن سرعان ما تحدت مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين قرار وزير الداخلية لتشق طريقها إلى ساحة الجمهورية بوسط العاصمة باريس الخميس 12 أكتوبر.

وعشية ذلك اليوم دعا الرئيس ماكرون مواطنيه على البقاء متحدين والامتناع عن جلب الصراع بين حماس وإسرائيل إلى عقر دارهم.

وصباح اليوم التالي الجمعة، كانت فرنسا على حدث أكبر من خرق قانون المنع، إذ صحت على وقع حادثة اعتداء بالسكين في مدرسة ثانوية بمدينة أراس شمال فرنسا، قتل على إثرها المدرس دومينيك برنار، وأصيب 3 أشخاص بجروح، قام بارتكابها شخص من أصول شيشانية.

وتم إيقاف المعتدي من قبل الشرطة، بحسب ما أكد وزير الداخلية دارمانان عبر موقع إكس، وكان شاباً مولوداً في جمهورية إنغوشيا الروسية ذات الأغلبية المسلمة.

ووقع الهجوم بعد 3 سنوات على عملية قتل الأستاذ صامويل باتي بقطع رأسه في 16 أكتوبر 2020 قرب مدرسته في المنطقة الباريسية لعرضه رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد.

وفي اليوم ذاته، أكدت تقارير فرنسية توقيف امرأة من قبل الشرطة الفرنسية، إثر سماع جارتها في المبنى التي تسكن فيها لها وهي تردد تحية "السلام عليكم"، قبل أن تفرج عنها الشرطة لاحقاً.

رفعت حادثة الطعن التأهب في فرنسا إلى مستوى "الهجوم الطارئ"، وهو أعلى مستوى في هذا النظام الأمني، والذي يسمح بتعبئة الموارد بشكل استثنائي، كما قام الجيش الفرنسي بنشر 7 آلاف جندي إضافي لتعزيز الدوريات الأمنية في فرنسا، بطلب من الرئيس ماكرون.

لكن رغم ذلك، قامت السلطات الفرنسية مساء السبت الماضي، بإخلاء متحف اللوفر وقصر فرساي وأغلقتهما، وذلك بسبب ورود تهديدات تهدد اللوفر، وقنبلة في فرساي.

وأوقفت السلطات أيضا 11 شخصاً في فرنسا احتياطاً وخوفاً من تنفيذهم أعمال عنف.

بالموازاة مع التأهب الأمني، ورغم الحوادث التي ترتبت على دعم إسرائيل، يبدو أن الموقف الفرنسي مستمر؛ إذ أعلن وزير الجيوش سيباستيان لوكورنو، الاثنين، تقديم بلاده "معلومات استخباراتية" لتل أبيب، نافياً أن يكون قد طلب منه مساعدات عسكرية.

وبحسب تصريحات لوكورنو التي نقلها موقع (فرانس إنفو)، فإن "المعلومات الاستخباراتية المقدمة تأتي في إطار الشراكة المعتادة بين بلدينا".

وأضاف: "لدينا خبرة طويلة في مكافحة الإرهاب لسوء الحظ، ولدى استخباراتنا وسائل وأجهزة استشعار فعّالة بشكل خاص".

يرتبط الدعم الفرنسي الحالي لإسرائيل من استخبارات وتأييد سياسي، بعلاقات قديمة، وتقدير متبادل بين الطرفين.

ويرى البروفسور يوجين روغان، الخبير في تاريخ الشرق الأوسط الحديث في جامعة أكسفورد، أن إسرائيل تنظر لدور فرنسا تاريخياً تجاهها بتقدير جنباً إلى جنب مع بريطانيا، خصوصا فيما يتعلق بقيامها.

واشار في تصريحات لشبكة سكاي نيوز البريطانية إلى دور فرنسا في "وعد بلفور" في 1917، الذي كان سبباً في قيامها، والذي جاء جراء اتفاقية سرية بين فرنسا وبريطانيا على تقاسم مناطق النفوذ بعد الحرب العالمية الأولى.

وحديثا كان للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية دوراً وتأثيراً كبيراً في الحياة السياسية الفرنسية.

وبلغ عدد اليهود في فرنسا عام 2020 نحو 449 ألفا، بحسب ستاتيستا، وارتفع في 2022 إلى 550 ألفا، وهي أكبر جالية لليهود في أوروبا، كما تعتبر فرنسا ثالث أكبر بلد يتواجد فيه يهود بعد إسرائيل وأميركا.

ويقوم المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، ويضم 73 ألف جمعية يهودية، بدور فعّال في دعم المرشحين لرئاسة فرنسا، سواء مالياً او انتخابياً.

وفي الانتخابات الرئاسية الفرنسة عام 2022، لعب المجلس اليهودي دوراً حاسماً في الحشد لفوز ماكرون بولاية ثانية، ولهذا ظلت الطبقة السياسية الفرنسية تكن التقدير للمجلس، وذلك عبر دعم إسرائيل.