سياسة
.
في ظلام دامس ابتلع كل الأحياء، وبلا ماء أو كهرباء أو وقود أو غذاء، هذا هو حال قطاع غزة المحاصر بالكامل منذ اندلاع حرب إسرائيل وحماس؛ لكن في تلك العتمة الحالكة، هناك أضواء خافتة كادت تختفي هي الأخرى لولا كفاح فلسطينيين ليبقوا على اتصال بالعالم الخارجي، وحتى لا تُمحى غزة، فكيف يفعلون ذلك؟
زكريا يسكن في معسكر الشاطئ مع زوجته وأولاده وأقاربه الذين نزحوا من مختلف مناطق القصف الإسرائيلي، ويقول إنه تمكن من الحصول على ساعتين من الكهرباء الضعيفة يومياً، لا تكفي سوى لشحن الهواتف والبطاريات وإنارة بعض الأضواء الخافتة.
لا يستطيع زكريا تشغيل أي ثلاجة أو سخان كهربائي أو مضخات المياه بتلك الطاقة الكهربائية الضئيلة.
مصدر تلك الكهرباء هو مولد كهربائي خاص ومشترك للحي. خزن القائمون عليه كمية لا بأس بها من الوقود قبيل وفي أول أيام الحرب. لكن الكمية المتبقية لن تكفي سوى بضعة أيام قليلة، وستنفذ مع انتهاء الأسبوع الجاري على أبعد تقدير.
قبل الحرب، كان العديد من أهالي غزة يحصلون على الكهرباء من تلك المولدات الخاصة لسد العجز في الطاقة. فالكهرباء القادمة من محطة التوزيع الحكومية متوفرة فقط لثماني ساعات وصل مقابل ثماني ساعات قطع يومياً.
لذلك، تتشارك كل بضعة بيوت في مولد كهربائي صغير للاستخدامات الخفيفة في وقت انقطاع التيار الرسمي، مثل الإنارة وشحن الهواتف دون تشغيل سخانات الماء أو الثلاجات.
لكن القصف الإسرائيلي العنيف أدى إلى تدمير العديد من تلك المولدات وشبكات الكهرباء المرتبطة بها. ومع فرض الحصار الإسرائيلي المطبق على كل ما يدخل أو يخرج من غزة أصبحت هناك طوابير لا نهائية أمام محطات الوقود في محاولة يائسة للتزود ببعض السولار للمولدات المتبقية.
العديد من الفلسطينيين يؤمنون بأن الإنترنت هو الوسيلة الوحيدة المتبقية للاتصال مع العالم الخارجي ونقل صورة ما يحدث أملاً في أن يؤدي ذلك للضغط على إسرائيل لإيقاف الحرب وتدمير أحياء بالكامل وإبادة عائلات كاملة.
لكن إسرائيل قصفت مقر شركة الاتصالات الفلسطينية "بال تل" التي تزود معظم القطاع بتغطية الهواتف المحمولة والإنترنت. وتضاءلت بشكل كبير سبل التزود بالطاقة لإبقاء كاميرات الهواتف في الخدمة لتوثيق ما يحدث.
مستشفى الشفاء هو أكبر مجمع طبي في قطاع غزة منذ عام 1946. في أوقات الحروب، تمتلئ أسرة المستشفى عادةً بالمصابين والجثث.
في الوقت نفسه، يتخذ العديد من النازحين والصحافيين من المشفى مقراً آمناً لهم أملاً في الاحتماء من القصف ولاحتواء المجمع الطبي على مولد طاقة خاص به ومخزون من الوقود الذي يكاد أن ينفذ قريباً.
الأمر للعديد من الفلسطينيين، مثل زكريا، متعلق بالنجاة. فالهاتف ضروري جداً ليس فقط للاطمئنان على الأحبة وطلب النجدة والإسعاف في حال حدوث قصف، بل أيضاً لتوثيق ما يفعله الجيش الإسرائيلي، خاصة وسط تقاعس الحكومات الغربية وإعطاء أغلبها الضوء الأخضر لإسرائيل لدك غزة، وشعور الغزيين بأنهم وحدهم في مواجهة الطوفان.
تجسد أحد تلك المشاهد في لندن يوم السبت عندما شاركت أعداد قدرت بعشرات الآلاف للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين.
في مشهد آخر وثقته"بلينكس، اصطف العشرات أمام محطة وقود عل أمل التزود ببعض الطاقة لتشغيل مركباتهم للإخلاء ومواتير الكهرباء لإنارة البيوت ومعرفة الأخبار وشحن الهواتف.
وفق آخر إحصائية صادرة من غزة، يشير عدد القتلى إلى 2808 فضلا عن 10 آلاف و950 مصابا. هذا الرقم صدم المراقبين باعتبار أن الحرب دخلت للتو يومها العاشر، وما خلفته تجاوز هؤلاء الذين راحوا في الانتفاضة الأولى بسنواتها السبع مجتمعة، أو في الأيام الـ51 لحرب عام 2014 الأشد عنفاً على غزة، أو حرب 2008 التي تخللها اجتياح بري كامل ودامت لـ22 يوما أو أي من الحروب الأربع الأخرى بين عامي 2008-2023.
من ضمن من قتلوا في القصف الإسرائيلي، نحو 1030 طفلا، وهو ضعف من قتلتهم روسيا في حربها على أوكرانيا خلال عامين كاملين.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة