دراسة عسكرية أميركية: اجتياح غزة هدف قد لا يتحقق

الدراسة أشارت إلى أنه في 12 أكتوبر، حذّر الجيش الإسرائيلي سكان غزّة، ودعاهم إلى إخلائها في غضون 24 ساعة، مما يدل إلى أن تنفيذ عملية برية في المنطقة الحضرية أصبح وشيكاً على الأرجح.

ومن المتوقع أن تبدأ إسرائيل المرحلة البرية من حملتها في غزّة والتي تهدف على الأرجح إلى تدمير "القدرات العسكرية وقدرات الحُكم" التي تتمتع بها حركة "حماس" على حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وشددت الدراسة، على أن كل معركة حضرية هي معركة فريدة بحدّ ذاتها يحددها مخطط المدينة والتضاريس البشرية والقوات فيها، فقطاع غزة تبلغ مساحته 363 كيلومتراً مربعاً، ويشير تعدد المناطق شبه الحضرية وذات الكثافة الأدنى التي تقع ضمنه، إلى أنه في الغالب ستكون ساحة المعارك الرئيسية الحضرية، مؤلفة من أربع إلى ست مناطق، وأكبرها مدينة غزة التي تغطي نحو ٥٢ كيلومتراً مربعاً.

بالإضافة إلى عددٍ من المناطق التي تبلغ مساحتها ١٣ كيلومتراً مربعاً (على سبيل المثال، خان يونس ورفح)، وهذا يجعلها أصغر حجماً إلى حدٍ ما من ساحتَي المعارك الحضرية السابقة في شرق الموصل وغرب الموصل في العراق (حوالي 77.7 كيلومتراً مربعاً لكل منهما)، وذات مساحة موازية تقريباً لمساحة الرقة في سوريا، إلا أن عدد سكان غزة البالغ نحو مليونَي نسمة يعادل عدد سكان الموصل في عام 2014 تقريباً، عندما سقطت المدينة في أيدي تنظيم داعش، وفق الدراسة.

وحملت الدراسة تحذيرات من أن غزة تتفوق إلى حدٍ كبيرٍ على غيرها من بيئات المعارك الحضرية الأخيرة في الشرق الأوسط من حيث الكثافة السكانية، كما تعتبر ساحة معركة حضرية معقّدة بشكلٍ غير عادي، حيث تضم المدينة نحو ستين مبنى بارتفاع ستة طوابق أو أكثر، مقارنةً بعدم وجود أيٍ من هذه المباني تقريباً في معركة الموصل بين عامَي 2016 و2017 ومعركة الرقة في عام 2017.

كما استثمرت حركة "حماس" جهداً هائلاً في تطوير أنفاق عسكرية تحت القطاع، مما أدى إلى توسيع مساحة المعركة المحتملة إلى حدٍ غير معروف.

وشددت الدراسة على أنه للاستيلاء على كافة البقع الحضرية في غزّة، سيتطلب من الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية معادِلة لمعركة واحدة بحجم معركة غرب الموصل بالإضافة إلى معركة أو معركتين بحجم معركة الرقة ومن غير المؤكد ما إذا كانت هذه المعارك ستتطور بالتتابع أو بالتوازي.

أضافت الدراسة، أن حركة "حماس" تختلف عن الخصوم في معركتَي الموصل والرقة وغيرهما من المعارك الحضرية الأصغر حجماً مثل معارك عين العرب "كوبانى" ومنبج والرمادي والفلوجة، محذرةً من أن الحركة لديها قدرة على تنفيذ تفجيرات انتحارية مثل تنظيم "داعش"، وربما تتفوق عليه في الحرب المضادة للدروع وعمليات الطائرات بدون طيار والدفاع الجوي.

وفي حين أن تنظيم داعش، كان لديه نحو عامين للاستعداد على الصعيد الدفاعي في الموصل والرقة، أمضت حركة "حماس" خمسة عشر عاماً لإعداد "دفاع في العمق" ومكثَّف يجمع بين التحصينات الأرضية وتحت الأرض وفوقها وأنفاق الاتصالات ومنصات المَدافع ومواقع القتال، بالإضافة إلى حقول الألغام المحتملة والعبوات الناسفة المطوّرة والألغام المضادة للدروع والعبوات المتفجرة الخارقة والمباني المفخخة.

وأشارت الدراسة، إلى أن حركة "حماس" تحتجز عددا كبيرا من الرهائن الإسرائيليين والأجانب، بما في ذلك بعض الأميركيين، وهو الأمر الذي يتسم بتعقيد لم يسبق له مثيل.

ففي 13 أكتوبر، زعمت "حماس" أن 13 سجيناً، "بمن فيهم أجانب"، قتلوا في غارات جوية للجيش الإسرائيلي خلال الأربع والعشرين ساعة التي سبقت ذلك اليوم، في محاولة واضحة لردع إسرائيل عن استخدام قوتها الجوية.

وحذرت الدراسة، من أن موقف سكان غزة غير مؤكد، ففي العراق وسوريا، سعى معظم سكان المناطق الحضرية جاهدين إلى الابتعاد عن الجيوب الدفاعية لتنظيم داعش، لكنهم مُنعوا من القيام بذلك وتم استغلالهم كدروع بشرية.

وعلى الرغم من أن "حماس" قد تستخدم الرهائن الأجانب بنفس الطريقة تقريباً، إلا أن بعض مواطني غزة على الأقل قد يميلون إلى البقاء في المناطق الحضرية بمحض ارادتهم، بل ويدعمون حماس بشكل إيجابي أو سلبي، الأمر الذي قد يشكل تعقيداً كبيراً على مسرح العمليات.

الدراسة شددت على أنه من شبه المستحيل تجنب تدمير المناطق الحضرية في معارك المدن. وتشير الأيام الأولى التي شن فيها الجيش الإسرائيلي ضرباته على غزّة، إلى أن إسرائيل مستعدة لإحداث أضرار مادية هائلة سعياً لتحقيق أهدافها العسكرية.

وحذّرت الدراسة أنه في معارك غرب الموصل - التي تعتبرها الوكالات الإنسانية معركة مدمرة للغاية - أكدت الأمم المتحدة أن أكثر من 13 ألف مبنى قد تم هدمها أو أصبحت غير صالحة للسكن خلال حوالي 180 يوماً من المعارك.

وفي منطقة الرقة بلغ العدد 11 ألف (أو 80 % من مباني المدينة) خلال 90 يوماً.

وفي غزة، أفادت السلطات المحلية أن 535 مبنى قد تم تدميرها أو أصبحت غير صالحة للسكن بعد خمسة أيام من الحرب - وهذا العدد ليس بعيداً على الأرجح عن الصور الجوية التي رصدت الوضع في غزة، بعد نحو 2000 غارة جوية إسرائيلية على القطاع، (الاعداد التقريبية 400 غارة إسرائيلية كل يوم في فترة بداية الصراع، وزيادتها إلى 750 غارة في 12 أكتوبر).

ويميل الدمار إلى التسارع عندما تبدأ العمليات البرية، لذا من المرجح أن تشمل الأضرار في غزّة تلك التي لحقت بالموصل والرقة أو ستفوقها في النهاية.

لفتت الدراسة إلى أنه في أغلب معارك المدن ضد تنظيم داعش، غالباً ما كان يتم توفير مخرج للعدو، وتكرر الأمر في منبج والرقة والفلوجة وعدة معارك صغيرة أخرى، حيث عادةً ما كان يُترك لعناصر تنظيم داعش ممر للهروب، وبالرغم أن هذا الأمر لم يكن مريحاً للتحالف الذي قادته الولايات المتحدة، والذي أراد القضاء بشكلٍ حاسمٍ على تهديد داعش.

لكن كانت تلك التقنية مفيدة فساهمت في إنقاذ الأرواح وتقليل الأضرار وتقصير المعارك، وفي المقابل، لم يستغل التنظيم الإرهابي فرص الهروب في بعض المعارك مثل معارك الموصل وهجين والباغوز؛ وكنتيجة لذلك، حُوصر بعض المقاتلين، بينما اندمج آخرون مع السكان المدنيين.

وحذرت الدراسة من المعارك الحضرية الطويلة والمدمّرة، وحتى لو حققت إسرائيل نجاحات في بداية حملتها البرية، فأن الحملة ستصبح أبطأ وأكثر تكلفةً وغير شعبية بمرور الوقت، ليس فقط في العالم العربي، ولكن أيضاً في أوروبا، وفي النهاية في الولايات المتحدة، فالحرب ضد تنظيم "داعش في المدن، بلغت 277 يوماً في الموصل، و90 يوماً في الرقة، و23 يوماً في منبج.

شددت الدراسة، على أنه بالرغم أن طرد معظم عناصر "حماس" من غزة، مكسب جدير بالاهتمام للمجتمع الدولي بأكمله، وليس فقط لإسرائيل، حيث أن هجمات "حماس" الأخيرة كشفت أنها تشكل تهديدا متزايدا للاستقرار الإقليمي والمصالح الأمريكية.

كما أن معارضة الحركة للتعايش الإسرائيلي-الفلسطيني، ودورها النشط في تعزيز مصالح إيران، كلها أمور تجعل من واشنطن تؤيد رغبة إسرائيل في القضاء على القدرات العسكرية وقدرات الحُكم التي تتمتع بها هذه الحركة في غزّة.

الأمر نفسه سيكون هدف إسرائيل النهائي من العملية البرية، إلا أن الدراسة تستدرك وتقول أن تحقيق ذلك غير مضمون، بل قد قد تتحمل إسرائيل نفسها وسكان قطاع غزّة التكاليف الباهظة الناتجة عن العملية البرية من دون تحقيق أي منافع تُذكَر.

كما من المؤكد أن حركة "حماس" ستنفّذ بعد العملية البرية جولات مستقبلية من الأعمال الإرهابية والحربية، وفق الدراسة.