وفق بيانات "دائرة الهجرة التركية" المعنية بمتابعة ملف اللاجئين السوريين فإن عدد الأطفال السوريين الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات يبلغ مليون و73 ألفاً و230 شخص.

وذلك بنسبة 30.23 % من عموم السوريين في البلاد، بينما نسبة من هم بالمدارس مرتفعة، حسب البيانات الرسمية.

تقول سمية محمد لاجئة سورية في إسطنبول إنها "استشعرت الخطر" مع بداية التحاق طفلتها بالمدرسة.

وتوضح في حديثها أن "طفلتها أتقنت اللغة التركية قراءة وكتابة، دون أن تعرف أي حرف من اللغة العربية"، وذلك ما اضطرها إلى تسجيلها في معاهد لتعليم "اللغة الأم" في إسطنبول، في مسعى منها للحفاظ عليها.

لكن ذلك تسبب بإرهاق للطفلة كونها تلتحق بمعاهد اللغة العربية بعد انتهاء دوامها في المدرسة التركية الرسمية وفق ما تضيف والدتها لــ"بلينكس".

يلجأ كثير من الأطفال السوريين المتقنين للغة التركية إلى استخدامها مع أشقائهم أو أصدقائهم خاصة في المواضيع التي لا يريدون لعائلاتهم أن يفهموها.

ويشير إلى ذلك أنور العبد أحد السوريين في تركيا، بقوله: "طفلاي حين يتشاجران يتكلمان التركية كي لا يفهم أحد ماذا يجري بينهما".

وتقول خلود الحلبي مديرة "منصة فصيح" المعنية بتعليم الأطفال السوريين في تركيا، إن بعض الأطفال يفضلون اللغة التركية على العربية سواء في شرح الدروس أو الامتحانات.

وتضيف لـ"بلينكس" أنهم يواجهون صعوبات في تعليم الأطفال السوريين للغة العربية كونهم تلقوا تعليمهم بشكل كامل باللغة التركية.

وتتحمل العائلات السورية جزءا من مشكلة "اندثار اللغة العربية" لدى الأطفال كونها تدفع أبنائها لإتقان التركية لرفع مستوياتهم في مدارسهم.

لكن ذلك، بحسب الحلبي "يكون على حساب اللغة العربية، والتي أصبحت محكية فقط لدى نسبة كبيرة من الأطفال السوريين الذين ولدوا في تركيا".

نتيجة عدم الاستقرار الذي رافق كثير من الأسر السورية اللاجئة في تركيا، ظلّ تعلم الأطفال للغة التركية حبيس التعامل بها داخل تركيا.

وما إن انتقلت العائلة السورية إلى بلد لجوء جديد، ولا سيما إلى الاتحاد الأوروبي حتى عاد الطفل إلى المربع الأول في التعليم.

وهنا يفقد الطفل لغته الأم واللغة التي تعلمها في محطة لجوئه الأول، كونها غير مستخدمة بكثرة خارج نطاق الخريطة التركية، بينما يباشر بتعلم لغة جديدة، من الممكن أن تشكل له إشكالية في تضارب تلقي المعلومة.

ويقول محمد الأحمد وهو سوري انتقل قبل عام إلى ألمانيا قادماً من تركيا التي بقي فيها 9 سنوات، إن أطفاله الثلاثة الذين يبلغون من العمر 13 و14 و15 عاماً بدأوا تعلم اللغة الألمانية من الصفر.

ويضيف أن "اللغة التركية التي كانوا يستخدمونها انتهت مع انتقالهم إلى مدينة شتوتغارت".

يشير الأحمد إلى أن أطفاله ما زالوا يربطون الأحرف الألمانية بالتركية، دون أي ذكر للغة العربية، وأن تلقيهم للغة الألمانية ما زال صعباً.

وكان الأحمد يظن في البداية أن أطفاله سيتكلمون 3 لغات في المستقبل، لكن الأمر شكّل لديهم تضارباً في تلقي المعلومة، كونهم ما زالوا يربطون أي معلومة من المدرسة الألمانية بما كانوا يتلقونه في تركيا.

ويتابع أن "اللغة العربية لدى أطفاله هي فقط داخل المنزل دون أي معرفة بأحرفها أو كتابتها"، معتبراً أن "رحل اللجوء هي السبب الرئيس وراء هذه الأزمة".

مشكلات اللغة العربية واندثارها البطيء لدى الجيل الجديد من السوريين الذين ولدوا في الخارج تعتبر "معضلة مؤجلة".

وكثير من العائلات السورية فرحة بتعلم أطفالها لغة غير لغتهم الأم، لكنها تصطدم بتأثيرات ذلك مستقبلاً.

يقول فايز المحمد وهو أستاذ لغة عربية في مدينة غازي عنتاب التركية، إن اللغة العربية لدى الأطفال السوريين "باتت شيء ثانوي".

ويضيف أنه يعمل على تدريس أطفال أقاربه في منزله وهدفه الوحيد أن يبقى هؤلاء الأطفال محافظين عليها.

كما يسعى لتصدير أطفال يحملون لغتين منذ الصغر لكي تكون لهم فرص أكبر في مجالات الدراسة والعمل.

لكنه يضيف أن كثير من العائلات اللاجئة تركز على تعليم أطفالها التركية دون العربية، "متناسية أنه في يوم من الأيام قد يعودون إلى بلدهم الأم سوريا وهم لا يكتبون لغتها الرئيسة، ما قد يشكل معضلة كبيرة".