السويداء.. حكاية "شوك ناعم" يؤرق دمشق

كانت الاحتجاجات قد انطلقت في النصف الثاني من شهر أغسطس الماضي، في أعقاب إصدار الحكومة السورية قراراً رفعت بموجبه أسعار مادتي البنزين والمازوت.

لكن المفاجأة أن شرارة الغضب التي أشعلها القرار لم تنحصر ضمن دائرة احتجاجية تطالب بتحسين المعيشة وظروف الحياة اليومية، إذ تصاعد لهبها بالتدريج ليصل إلى حد المطالبة بإسقاط النظام السوري ورحيل رئيسه.

وتمثلت المفاجأة أيضا بمواقف رجال الدين المؤيدة لمطالب الشارع هناك، وازدياد أعداد المحتجين يوماً بعد يوم، فضلاً عن تنوع انتماءاتهم المجتمعية.

يوضح الصحفي ومدير شبكة "السويداء 24" الإخبارية المحلية، ريان معروف أن استمرار الاحتجاجات في المحافظة ذات الغالبية الدرزية "يدل على تعطش السوريين للتغير وإنقاذ سوريا من محنتها".

وتضيف الناشطة والمهندسة السورية، راقيا الشاعر لـ"بلينكس" أن الاستمرارية ترتبط بعدة أسباب، على رأسها "الوضع الذي وصلت له كل سوريا".

"مؤسسات معطلة... فساد.. انتشار العصابات المسلحة بغطاء أمني. تغول الأجهزة الأمنية. غياب السلطة بشكل كامل"، وتضيف الشاعر: "وصلنا إلى نقطة لا حلول فيها.. الشبان يهاجرون والأسر تغادر بأكملها. لا يمكن أن يتم أي شيء في البلد بدون رشوة. التعليم في الحضيض. جيل كامل يتدمر بالتسرب من المدارس والمخدرات".

وتتابع الناشطة السورية، لبنى الباسط أنهم مستمرون في الاحتجاج "حتى يصل الشارع إلى تحقيق مطالبه بتأسيس دولة مدنية ودولة مواطنة وقانون".

منذ اليوم الأول لانطلاقتها تعاطت السلطة في دمشق مع احتجاجات السويداء بسياسة خاصة، قامت على "التجاهل واللامبالاة".

يشرح الصحفي معروف ذلك بقوله: "النظام أدار ظهره للشارع وتعامل بسياسة اللامبالاة في سياسة تهدف إلى إيصال المتظاهرين لحالة يأس"، لكن هذه السياسة "كانت نتائجها على عكس التوقعات"، كما يضيف الصحفي.

ويعتبر أنها "أدت لاستمرار الحراك السلمي فترة طويلة وقياسية، بل وتنويع تكتيكات الكفاح اللاعنفي لدى المحتجين، الذين بدأوا يحضرون لتكتيكات سلمية جديدة في فصل الشتاء القادم".

يصف معروف المحافظة بـ"الشوك الناعم الذي يؤرق النظام"، ويؤكد أن ما يحصل فيها سيشكّل محطة مختلفة عن السابق.

"النظام منذ انطلاق الاحتجاجات حاول اللعب على الوقت والمماطلة والتهرب"، كما ترى الناشطة لبنى الباسط أيضاً.

ومن وجهة نظر المهندسة الشاعر فإن السلطة في دمشق تعاملت أولا "بتجاهل تام، مع محاولتها إيصال فكرة أن المظاهرات ثانوية وبلا قيمة".

لكن الاستمرارية "دفعت النظام السوري لفتح قنوات تواصل مع قيادات دينية من بينها الشيخ حكمت الهجري والشيخ حمود الحناوي. أرسل وفوداً وعرض استعداداه لبعض المطالب من ماء وكهرباء"، وفق الشاعر.

وبعدما فشل بالسياسة المذكورة "اتجه إلى شيطنة الحراك وحرف مطالب المتظاهرين إلى مزاعم تتعلق بنيتهم الانفصال"، وهو ما تراه المهندسة السورية بعيداً عن الواقع.

باتت المضافات والساحات منتديات مفتوحة للعمل المدني والعمل السياسي، فالشارع ذاهب نحو تنظيم نفسه، وتفعيل العمل السياسي والعمل المدني.

يتحدث معروف عن "مجموعات أهلية وشبابية تتولى عمليات التنظيم والحشد والحماية والتنسيق من مختلف مناطق المحافظة، وحتى النساء بات لهن دور بارز في التنظيم".

"هناك شخصيات مؤثرة في الحراك، لا نستطيع وصفهم بقادة الحراك، لكنهم مؤثرين بشكل كبير، وعلى رأسهم الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري، وشيخ العقل حمود الحناوي".

بالإضافة إلى أبو عمر عاطف هنيدي، زعيم آل هنيدي إحدى عائلات المحافظة البارزة، وغيرهم من القادة الدينيين والوجهاء، الذين لعب انحيازهم للحراك دوراً بارزاً في خلق حالة تأثير لهم، حسب ما أورده الصحفي معروف.

رغم عدم تحقيق أي مطلب معلن للمظاهرات الشعبية في السويداء، ترى المهندسة والناشطة راقيا الشاعر أن "الحراك حقق أهم نتيجة وهي كسر تابو الخوف".

وتعتبر الشاعر أن "الحراك أربك النظام، كونه كان يحمل ورقة حماية الأقليات ويلوح بها أمام المجتمع الدولي".

لكن "عندما نادت الأقليات بإسقاطه اتضح أنه كان يحتمي بالأقليات وليس العكس"، وفق ما تضيف المهندسة السورية.

وتتابع الناشطة لبنى الباسط أن "ما يميز السويداء وجعل من احتجاجاتها نقطة مفصلية هي شكل المظاهرات التي تم الخوض بها بطريقة سلمية ومدنية".

وتوضح: "خلال السنوات الماضية حاول النظام أن يصبغ الثورة بأشياء بعيدة تماما عنها. السويداء نقطة مفصلية بأن الثورة هي حياة وصوت الشعب".

وفق حديث المحتجين لـ"بلينكس"، لم تكن السويداء بعيدة عن أحداث 2011 ولم تكن محيدة عنها، ولو أنها كانت بزخم أقل من درعا وحمص وريف دمشق".

وتقول المهندسة الشاعر: "حراكنا امتداد للثورة في 2011، ويمكن القول إنه خلاصة تجارب الثورة على مدى 12 عاماً. نحن مدينون للثورة الأولى واستفدنا من الأخطاء والتجارب، ونحاول أن نتلافى ما حصل سابقاً كي يكون الحراك نقطة تحول".

مع ذلك تتحدث الناشطة لبنى الباسط بنبرة يأس، بقولها: "مستمرون بالاحتجاجات لكننا نرى أمراً واقعاً مفروض على الشعب السوري".

"سوريا الآن مناطق نفوذ وصراعات. أحلامنا شيء والواقع شيء آخر"، لكنها تختم حديثها بعبارة يشوبها الأمل: "خطابنا وطني بحت لأننا نريد الخلاص لكل سوريا وليس فقط للسويداء.. انتفاضتنا الآن لكل السوريين. يمكن أن تخرج الحلول من محافظتنا لكل سوريا ونطمح لذلك".