تحذير وأمل.. ما هو سفر إشعياء الذي ذكره نتنياهو؟

وفقاً للعهد القديم، عاش النبي إشعياء في القدس في القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد، أي في النصف الثاني من مملكة يهوذا الأولى، ووعظ بعض حكامها منذراً إياهم بأن نقض العهد والميثاق مع الرب والفساد في الأرض وظلم الفقير والضعيف سيؤدي لتدمير مملكتهم وحرقها لتطهيرها من الظالمين.

سفر إشعياء مكون من 66 إصحاحا، النصف الأول (1-39) يتحدث عن دمار وخراب مملكة إسرائيل القديمة، والنصف الثاني يتحدث عن الأمل والخلاص وهداية العالم إذا عاد بنو إسرائيل لعهدهم مع الرب (40-66).

السفر موجود في التناخ اليهودي كالسفر الثاني عشر، وهو أيضاً جزء من العهد الجديد للمسيحيين كالسفر 23 عند البروتستانت و26 عند الأرثوذكس والكاثوليك.

يعتبر سفر إشعياء من جهة وثيقة تاريخية عن ملوك يهوذا عزيا ويوثام وآحاز وحزقيا، وفي نفس الوقت يحمل في طياته عدة مواعظ وعبر ونبوءات عامة بالتحذير والأمل وعواقب العمل الصالح والخبيث. ويقول بعض المؤرخين أن سفر إشعياء كان أكثر المخطوطات التوراتية شعبية بين اليهود في فترة الهيكل الثاني 515-70 قبل الميلاد.

الإصحاحات 1-12 من سفر إشعياء تتحدث عن إنذار ووعد إلهي بأنه إذا لم يتوقف حكام مملكة يهوذا عن الوثنية ونقد العهد والظلم، فإن الرب سيسلط عليهم الأمم المجاورة لغزو إسرائيل "كنار مطهرة" تحرق كل ما هو خبيث في إسرائيل من أجل إنشاء قدس جديدة يقطنها من تابوا وعادوا إلى الله.

يقول إشعياء بأنه إذا حافظ الإسرائيليون التائبون على عهدهم، فإن القدس الجديدة ستجذب الأمم من حول العالم لزيارتها والتقرب منها، وهو ما سيخلق عهداً من السلام حول العالم.

في الإصحاح السادس من سفر إشعياء، يعطي النبي تشبيها بأن إسرائيل ستكون مثل الشجرة التي ستقطع وتنهار، يبقى جذعها المحترق في الأرض "كبذرة" لينبت منه نبات جديد.

بحسب السفر، استمر النبي في تحذير بني إسرائيل، ولكن ذلك غلظ قلوب حكام مملكة يهوذا، مثل الملك آحاز من أحفاد داوود الذي تنبأ إشعياء بسقوط حكمه ودمار إسرائيل على أيدي الأشوريين.

بالضبط كما تنبأ إشعياء، هاجم الأشوريون مدينة القدس في عهد الملك حزقيا، الذي سارع للتضرع للإله وطلب الغوث منه، لتنجو المدينة من الغزاة، وهو ما تشير له الأجزاء 36-38 من السفر.

لكن بعد نجاة القدس، انحرفت بوصلة حزقيا ودعا وفداً من البابليين للقدس ليريهم كنوزها ومعمارها وازدهارها لكسب تحالف معهم، وهو ما اعترض عليه إشعياء وحذره من أن هذا الحليف سيتحول إلى عدو يغزو القدس، ينفي سكانها اليهود وسيحمل جميع كنوزها لبابل ولن يبقي فيها شيئاً.

وبالفعل تحققت نبوءة إشعياء بعد 100 عام وغزت بابل مملكة يهوذا ودمرت الهيكل وطردت أهلها للمنفى في عام 587 قبل الميلاد، بحسب العهد القديم.

في المنفى، عاد اليهود لقراءة ودراسة نبوءات إشعياء لإعطاء أنفسهم بعض الأمل فيما قاله عن القدس الجديدة بعد دمار مملكة يهوذا التي انحرفت عن العهد.

هناك اختلاف لاهوتي حول إن كان كل سفر إشعياء من كتابة ونبوءات إشعياء نفسه.

هناك رأي واسع يقول بأن الجزء الأول (1-39) كتبه إشعياء وربما أضيفت إليه بعض التعليقات في عهد يوشيا ملك يهوذا بعد 100 عام، وأن النصف الثاني (40-66) كتبه أتباع إشعياء وأنبياء من بعده قبيل وبعد انهيار مملكة يهوذا على أيدي البابليين وبعد العودة من الأسر البابلي.

بعودة اليهود إلى القدس، انقسم الإسرائيليون لفريقين، أحدهما تاب ورجع للعهد وهم من يسمون "بالبذرة" كناية عن جذع الشجرة المحترق الذي تنبت منه "القدس الجديدة" بعد قطع الشجرة نفسها.

والفريق الآخر فهم من غلظت قلوبهم وظنوا بأن دمار مملكة يهوذا على يد نبوخذ نصر هو "تجاهل إلهي" لهم وأن آلهة البابليين قد تكون أقوى.

هذا الفريق الثاني، يعطيه سفر إشعياء اسم "الخبثاء" أو "الأشرار". ويتحدث الإصحاح 56-66 من السفر عن مواجهتهم العدالة الإلهية والطرد من القدس للأبد بسبب شرورهم وأنانيتهم ونقضهم العهد.

وبذلك، تقول نبوءة إشعياء بأن من استقاموا على العهد والميثاق ورفضوا ظلم الضعيف والفقير ونبذوا الفساد والشر هم من سيعمرون القدس، وسيقومون بدعوة جميع الأمم لزيارة المدينة، والانضمام للميثاق والعهد الإلهي والإيمان بالخالق المخلص.

الآية التي اقتبسها نتنياهو هي رقم 18 من الإصحاح 60 من السفر، أي من النصف الثاني الذي يتناول الأمل والفرصة الجديدة في حال التوبة والاستقامة، وهو النصف الذي يُعتقد بأن الأنبياء بعد إشعياء هم من أضافوه.

بعض المحللين يعتقدون أن استعماله تلك الآية على وجه التحديد هي رسالة لاستعطاف الإنجيليين في أميركا، الذين يؤمنون بالعهد القديم.

الإصحاح 60 من سفر إشعياء يتحدث عن نهضة إسرائيل الجديدة المؤمنة والعادلة وكيف أن الرب سيعوضها عما خاضه شعبها من ويلات في القرون السابقة في أيام الضلال.

لكن أهمية هذا الإصحاح المعنون باسم "أمجاد صهيون" هو تناوله لإسرائيل كضوء ومنارة في الظلام على الأمم، وأن جميع شعوب العالم يجب أن تساعدها وتقف خلفها.

وبذلك، يسعى نتنياهو لتبرير كل ما تفعله إسرائيل حالياً في غزة كأمر ضروري لتحقيق نبوءة إشعياء.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يذكر الآية التالية لما اقتبسه في خطابه، وهي الآية 21 التي تعد بني إسرائيل بأن يرثوا الأرض بشرط أن يكون "جميع شعبك أبراراً خيّرون".