سياسة
.
أنهت الحرب الدائرة في غزة الهدنة بين ما يعرف بـ "فصائل المقاومة" في العراق والقوات الأميركية، التي استمرت قرابة العام، وتحديدا منذ تشكيل حكومة محمد شيّاع السوداني، في نوفمبر 2022 من قبل الإطار التنسيقي الذي تنتمي إليه الكثير من الفصائل المسلحة، وقادة في الحشد الشعبي.
لكن منذ الأسبوع الماضي استهدفت هجمات عديدة القواعد التي تستضيف قوات أميركية في شمال وغرب العراق، ما تسبب بإحراج للحكومة العراقية، التي عبرت عن رفضها لتلك الهجمات.
وفي ظل هذا الاستهداف المعلن من بعض الفصائل المعروفة بكونها مدعومة إيرانياً، يبقى السؤال: هل سيتورط العراق في مواجهة أكبر مع الأميركيين، وهل سترد واشنطن بإعادة الحشد العسكري في المنطقة؟
عملية استهداف جديدة تعرضت لها قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق، بطائرة مسيرة صباح الخميس، تبناها فصيل مسلح جديد يحمل اسم "المقاومة الإسلامية في العراق".
ومنذ يوم الأربعاء 18 أكتوبر، استُهدفت قاعدتي عين الأسد، بمحافظة الأنبار غرب العراق، وحرير في محافظة أربيل شمال العراق، إذ تتواجد فيهما القوات الأميركية.
العديد من الهجمات كانت بالصواريخ والطائرات المسيّرة وتبناها التنظيم الجديد الذي دأب على نشر البيانات عبر صفحات مواقع التواصل التابعة للفصائل المسلحة، وأشار فيها إلى أن تلك العمليات تأتي انتقاما لدعم ومساندة الولايات المتحدة لإسرائيل في الحرب الدائرة بغزة.
ودائما ما تتركز استهدافات الفصائل المسلحة على قاعدة عين الأسد، حيث يتمركز وجود قوات الحشد الشعبي في محيط محافظة الأنبار، وكذلك على طول الحدود العراقية - السورية بمحيط محافظة الانبار.
وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعلنت الثلاثاء أن قواعد جيشها في العراق وسوريا تعرضت لـ13 هجوماً على الأقل الأسبوع الماضي بمسيرات وصواريخ.
وقال المتحدث باسم البنتاغون العميد باتريك رايدر أن 10 من تلك الهجمات استهدفت القوات الأميركية في العراق و3 في سوريا حسب وكالة رويترز.
وقال تقرير لرويترز في وقت سابق، إن الجيش الأميركي يتخذ خطوات جديدة لحماية قواته بالشرق الأوسط مع تزايد المخاوف من هجمات تشنها عليه جماعات مدعومة من إيران، وأضاف أنه يترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية إجلاء عائلات العسكريين إذا لزم الأمر
وسيتم هذا الأسبوع نشر حوالي عشرة أنظمة دفاع جوي ودفاع صاروخي في العراق وسوريا والخليج، وسط زيادة حادة في الهجمات على القوات الأمريكية قبل عملية إسرائيل البرية بقطاع غزّة.
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، حاول طمأنة الجانب الأميركي خلال اتصالات جرت الاثنين الماضي مع وزيري الخارجية والدفاع أنتوني بلينكن ولويد أوستن، بحثت عمليات الاستهداف وتواجد المستشارين العسكريين وطواقم التحالف الدولي في العراق.
كما أكد البيان على دعم قوات الأمن العراقية بالمشورة والتدريب، وأكد السوداني في الاتصال التزام العراق حماية المستشارين العسكريين والبعثات الدبلوماسية العاملة في البلاد.
ووجه السوداني باتخاذ الإجراءات القانونية بحق مستهدفي القوات الأميركية في البلاد، مؤكداً أن قوات التحالف الدولي تتواجد في العراق بدعوة رسمية من قبل الحكومة.
المحلل الأمني أحمد الشريفي يقول لـ "بلينكس" إن الاستهداف المباشر من قبل فصائل مسلحة للقواعد العسكرية، يضع رئيس الحكومة في حرج كبير.
وأكدّ بأن قرار السوداني بضبط تلك العمليات والتزام الحكومة بحماية المستشارين العسكريين والبعثات الدبلوماسية واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المستهدفين هو قرار "وطني وحكيم".
الشريفي أضاف أن على العراق ضبط النفس والابتعاد عن الانفعالية، كما تفعل الدول العربية الأخرى المعنية كمصر والأردن والتي لديها حدود مع إسرائيل.
محذراً من خطورة الإنجرار في أفعال قد تكون خطيرة على مستقبل العراق والمنطقة، أوضح الشريفي أن المنطقة اليوم على صفيح ساخن وقد تنزلق الأمور نحو حرب طاحنة.
أما بخصوص الاستهدافات، فبيّن الشريفي أن الفصائل المسلحة تشاغل الأميركان كما يفعل حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، واصفا إياها بأنها عمليات تستهدف الضغط من أجل إيقاف الحرب في غزة، لكنها قد تؤدي في النهاية إلى صراع فتاك في المنطقة.
يبلغ عدد القوات الأميركية في العراق 2500 حسب التصريحات الرسمية، منها 2000 في قاعدة عين الأسد في الأنبار.
القاعدة تضم عدداً كبيراً من عنابر الطائرات المقاتلة، ومدرجين لهبوط وإقلاع الطائرات، ومنشآت عديدة من قاعات تدريب ومستودعات ومساكن جنود ومخازن أسلحة وذخيرة تبلغ مساحتها 3 كيلومترات مربعة.
يمكن للقاعدة استضافة نحو 5 آلاف جندي، وقد بنيت عام 1980 من قبل شركة يوغسلافية وسميت حينها بالقادسية.
الباقي من الجنود الأميركيين وعددهم قرابة 500، تستضيفهم قاعدة حرير في أربيل التي تقع في قضاء شقلاوة على بعد 75 كلم عن مركز المدينة من جهة الشرق، وتعد أقرب قاعدة أميركية من الحدود الإيرانية، حيث لا تبعد عنها أكثر من 115 كلم.
القاعدة مزوّدة بصواريخ دفاعية وطائرات مقاتلة هجومية ورادارات متطورة.
كذلك توجد قوات أميركية أخرى بصفة دبلوماسية في السفارة الأميركية وفي مطار بغداد الدولي ولا يتم الإعلان عن عددها.
السفارة الأميركية في بغداد هي الأكبر للولايات المتحدة في دول العالم، وكلف تدشينها قرابة 750 مليون دولار، إذ تقام على مساحة 104 فدادين وتستوعب 16 ألف موظف ونصب عليها منظومة سي رام المتطورة لاعتراض الصواريخ.
وتقوم بحمايتها من الداخل ومحيطها قوات المارينز، ولم يتم الكشف عن عددهم.
احتلت القوات الأمريكية العراق في 2003، وأسقطت نظام الرئيس صدام حسين ونشرت آلاف الجنود في العراق، وفي 2008 أبرم العراق والولايات المتحدة اتفاقية الإطار الاستراتيجي، التي انسحبت القوات بناء عليها في نهاية 2011.
وعقب احتلال تنظيم داعش لأجزاء من العراق، عادت الكثير من القوات الأميركية بطلب من الحكومة العراقية ضمن التحالف الدولي لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي.
وفي مطلع عام 2020 قرر البرلمان العراقي إخراج القوات الأميركية والأجنبية من العراق عقب مقتل نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، والجنرال الإيراني قاسم سليماني، بضربة أميركية استهدفتهما في مطار بغداد الدولي.
وفي 2021، وعقب لقاء رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي بالرئيس الأميركي جو بايدن، وعقد الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، تم خفض أعداد القوات الأميركية في العراق من 3000 إلى 2500، وتحويل مهامها من "قتالية" إلى "استشارية"، لدعم قدرات القوات العراقية، ما لاقى ترحيباً سياسياً واسعاً في الساحة السياسية المحلّية.
لكن القوى السياسية والفصائل المسلّحة القريبة من إيران، تصف تلك النتائج بالاحتيالية، ودائماً ما تقول إن القوات الأميركية هي قوات محتّلة، وأن أعداد هذه القوات أكبر بكثير من المعلن، إذا تتواجد آلاف المقاتلين الآخرين في مقر السفارة الأميركية ومطار بغداد الدولي، بحسب زعمهم.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة