"ضيافة لا دمج".. حياة السوريين في تركيا بعد 10 سنوات من اللجوء

على غرار ملايين السوريين، وصل النجار محمد عبدي إلى تركيا في العام 2014 على أمل العودة يومًا ما إلى بلده، وبعد ١٠ أعوام يحلم النجّار الثلاثيني بفتح مشغل في شانلي أورفا في جنوب شرق تركيا، حيث يشكل السوريون ربع السكّان البالغ عددهم مليونا شخص.

يحضر عبدي حصصا تعليمية حيث يطور من مهاراته الحرفية، يقول لفرانس برس "تعلّمت كيف استخدم الآلات الجديدة. عندما تنتهي الحصص التعليمية، سأعمل في مشغل لصنع الأثاث".

بمساعدة الاتحاد الأوروبي، تعمل تركيا بهدوء على وضع برامج دمج من خلال التوظيف، وفق مسؤولين فضلوا عدم ذكر اسمهم، فيما يقر بعضهم بأن العديد من السوريين سيبقون في تركيا.

يؤكد رئيس بلدية كاراكوبرو الواقعة في منطقة شانلي أورفا متين بيديلي أن "التوظيف يلعب دورًا رئيسيًا في ضمان الوئام بين اللاجئين السوريين والسكان المحليين".

بتمويل من الاتحاد الأوروبي يقدر بعشرة مليارات دولار، أُسست مدارس ومراكز صحية ومراكز تدريب، بتمويل من الاتحاد الأوروبي منذ العام 2011 لمساعدة تركيا على استقبال اللاجئين وتوفير الحد الأدنى من مقومات العيش لهم.

رغم هذه الأموال، فلا يزال الأتراك لا يفضلون استخدام كلمة "دمج"، حيث إن الظروف لا تسمح بعودتهم، لكن "الوئام" هو المصطلح الأكثر استخداما في تركيا.

الشهر الماضي، قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى تركيا نيكولاوس ميير-لاندرون خلال زيارة لشانلي أورفا "لا يستخدم المسؤولون الأتراك كلمة الدمج. لكنهم يقرّون بأن الظروف في سوريا لا تسمح اليوم بعودة اللاجئين، وأنه يجب فعل كل شيء لتوفير العيش في "وئام" وهو المصطلح الذي يستخدمونه".

وأضاف "في الحقيقة، تُبذل الكثير من الجهود في سبيل الدمج، حتى لو أن احتمال العودة قائم لأسباب سياسية".

في العام 2016، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع تركيا يهدف إلى الحدّ من وصول المهاجرين إلى أوروبا مقابل حصول أنقرة على مساعدة مالية كبيرة.

ولا يزال يتعيّن على بروكسل أن تدفع لأنقرة قسماً من الستة مليارات يورو التي وعدتها بها آنذاك.

وأكّد السفير الأوروبي لدى أنقرة أن "الأمور تسير على نحو أفضل ممّا يمكن أن نتخيل"، مشيرًا إلى أن دمج "مثل هذا العدد الكبير من الأشخاص في اقتصاد متعثّر هو أمر أصعب بالتأكيد".

يتواصل الدمج الاجتماعي في المدارس الحكومية التركية التي تستقبل ما يصل إلى 800 ألف طفل سوري ومن بينهم بن يمين عبدالله، 11 عامًا، اللغة التركية في فصل متخصص مدعوم من تمويل أوروبي.

تساهم الفصول الإضافية المدعومة من الاتحاد الأوروبي في تهدئة أهالي الأطفال الأتراك الذين يشتكون من اكتظاظ الصفوف "بسبب الأطفال السوريين"، حسبما تفيد السلطات.

ويقول "أمّي لا تتحدّث اللغة التركية. أساعدها عندما تذهب للتسوّق".

في شوارع شانلي أورفا تقوم حدود غير مرئية بالفصل بين اللاجئين السوريين والسكان الأتراك والأكراد والعرب في المدينة، ليس هذا فحسب فقد اكتسبت أحياء في شانلي أورفا بأسماء سورية.

ويقول تاجر السيارات التركي مصطفى أصلان لفرانس برس "هناك أحياء سُمّيت الرقّة أو دمشق. في المدرسة التي يرتادها حفيدي، ثلاثة من أصل 27 تلميذًا هم أتراك، الباقون سوريون".

ويضيف "ثقافتهم تختلف كثيرًا عن ثقافتنا. لا نريدهم هنا".

هناك 17,557 فقط من السوريين مسجلين كموظفين في شانلي أورفا، فيما يعمل الباقون بشكل غير قانوني وغالبًا ما يتقاضون أجورًا زهيدة، الأمر الذي يقوّض سوق العمل المحلية.

ويعتمد اقتصاد منطقة بشكل أساسي على الزراعة، ويكافح من أجل التعامل مع هذا التدفق السكاني، وتبلغ نسبة البطالة فيه 15%، وهي أعلى بكثير من المعدل الوطني الرسمي البالغ 9,2%.

تستقبل تركيا نحو 3.5 مليون لاجئ سوري على أراضيها، وقد أظهر استطلاع أجراه معهد "ميتروبول" في العام 2021 أن 81% من الأتراك يرغبون في عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

وأظهر تقرير نشرته مؤسسة البحوث حول السياسات الاقتصادية في العام 2021 أن 48% من اللاجئين السوريين في تركيا يعملون بشكل غير قانوني و41% يتقاضون أجورًا منخفضة.