زجاج النوافذ.. مشكلة جديدة في أوكرانيا مع اقتراب الشتاء

في بعض القرى الأوكرانية الشرقية والجنوبية، الزجاج المتناثر يغطي الشوارع بدلاً من النوافذ. العديد من المنازل والمدارس والكنائس وغيرها من المباني فقدت نوافذها بسبب القصف بينما هرب معظم السكان من تلك المناطق.

على سبيل المثال، قرية شيفتشينكوف الواقعة في إقليم خيرسون كانت تعد أحد خطوط المواجهة الساخنة بين الطرفين في بدايات الحرب وحتى شهر نوفمبر الماضي، حين نجح الأوكرانيون في تحريرها وانسحب الروس للجهة الأخرى من نهر دنيبرو.

القرية ما زالت تفتقد نحو ثلث سكانها الذين لم يعودوا لها حتى اليوم على الرغم من استعادتها في أيدي أوكرانيا قبل ما يقارب تسعة أشهر. وأحد الأسباب بحسب صحيفة الغارديان هو افتقار مبانيها للنوافذ التي تحطمت في فترة المعارك وبعدها مع قصف المدفعية الروسية بالقرب منها.

المشكلة متعددة الأوجه، فمثلاً هناك خطر أن زجاج النوافذ المحطم قد ينتشر في عموم المنزل ويتحول لشظايا تصيب الموجودين في المكان إذا كانت تلك النوافذ على مقربة من الهدف المقصوف. في الوقت نفسه، لا يستطيع الأوكرانيون ترك نوافذهم مفتوحة أو فكها وتنزليها عن مكانها في الشتاء القارس الذي تنزل درجات الحرارة فيه لتحت الصفر وتكتسي المدن الأوكرانية بالثلوج. صحيح أن الأجواء حالياً دافئة في كييف، ودرجات الحرارة تصل لنحو 32 درجة مئوية في الصيف. لكن ذلك يوشك على التغير في الأشهر القليلة القادمة.

المشكلة الثانية هي استمرار الحرب وتجدد القصف الجوي والمدفعي في بعض المناطق. فإذا خسرت عائلة زجاج منزلها وقامت بتركيب آخر، فلن يمضي سوى القليل من الوقت حتى تنكسر النوافذ الزجاجية الجديدة، وهكذا. وأما المشكلة الثالثة فهي ندرة الزجاج، وارتفاع سعره بشكل كبير بعد الحرب وانخفاض جودته وعدم توفره من الأساس.

قبيل الحرب الروسية الأوكرانية، شهد العالم ما يسمى "باضطراب سلاسل التوريد"، وهو ما رفع الأسعار في قطاعات مختلفة كان الزجاج أحدها. حيث جرى استخدامه في انتاج مئات الملايين أوعية اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19، وزاد استعماله كبديل للبلاستيك صديق للبيئة في العديد من المنتجات، بحسب صحيفة يورونيوز.

مع اجتياح روسيا لشرقي أوكرانيا في شهر فبراير من العام 2022، شهد العالم ارتفاعاً هائلاً في أسعار الطاقة واضطرابات أكبر في سلاسل التوريد وهو ما ساهم في رفع تكلفة وأسعار الزجاج بشكل دراماتيكي حول العالم كأحد الصناعات التي تحتاج لكميات طاقة عالية لصهر الرمال. بينما تضاعف ذلك السعر في أوكرانيا بشكل كبير نظراً لارتفاع الطلب على الزجاج لإصلاح أضرار الحرب.

صحيفة الغارديان تنقل عن قسطنطين سالي، وهو رئيس الاتحاد الأوكراني لمصنعي مواد البناء، بأن سعر الزجاج في أوكرانيا قبل الحرب كان يتراوح حول 3 دولار للمتر المربع الواحد للمستهلك و2.02 دولار للشركات المستوردة. بينما يصل سعر المتر المربع الواحد اليوم نحو 6-5 دولارات للمستهلك و4 دولارات للمستورد، أي ضعف سعره العام السابق.

بحسب قسطنطين سالي، فإن ما تحتاجه أوكرانيا من الزجاج حالياً يعادل 750 مليون متر مربع، لكن في الوقت نفسه، لا توجد شركات لإنتاج الزجاج في أوكرانيا والبلد الذي اعتمد عليه الأوكرانيون في استيراد الزجاج هو البلد الذي قوم بغزوهم اليوم.

فبعد حصول أوكرانيا على الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كان هناك فقط 10 مصانع لإنتاج ألواح الزجاج في عموم البلاد، وتناقص هذا العدد تدريجياً حيث تم إغلاق تلك المصانع واحدة تلو الأخرى. أحد آخر مصانع الزجاج تلك كان في منطقة دونباس الشرقية بحسب صحيفة نيويورك تايمز، التي تضيف بأن ذلك المصنع تعرض للقصف من المتمردين الموالين لروسيا قبل بضعة سنوات. وتضيف الغارديان بأن أوكرانيا خسرت مصنعها الأخير للزجاج في لوهانسك في إقليم الدونباس لروسيا بعد احتلالها لتلك المنطقة العام الماضي.

أوكرانيا اعتمدت بشكل كبير قبل الحرب على روسيا وبيلاروسيا في استيراد الزجاج، لكن العداء بين الأوكرانيين والبلدين الحليفين منذ الحرب تعني انقطاع الروابط التجارية بينهما وهو فاقم من الأزمة، ودفع أوكرانيا للبحث عن الزجاج في الأسواق الأوروبية الأغلى ثمناً وفي دول الاتحاد السوفيتي السابق الأقل جودة في هذا القطاع. بينما يقوم البعض بتهريب الزجاج من بيلاروسيا لبولندا ومن ثم لأوكرانيا وفقاً للغارديان.

في محاولة لتجنب برد الشتاء يحاول بعض الأوكرانيين تغطيه النوافذ المكسورة بألواح الخشب أو القماش أو مفارش الطاولة أو الأكياس البلاستيكية. بعض تلك الخيارات تجعل المنازل مظلمة طيلة اليوم وتحجب ضوء الشمس وتخلق جواً يبعث على الاكتئاب. وبعض الآخر لا يستر من البرد القارس، ما يدفع سكان تلك المنازل على الاختباء تحت العديد من البطانيات المتراصة فوق بعضها بحسب نيويورك تايمز.

شاب يبلغ من العمر 27 عاماً كان قد بدأ دراسة الدكتوراة في مجال التكنولوجيا البيولوجية في جامعة كامبيرج قبل الحرب، لكنه الآن انقطع عن الجامعة ليحاول ابتكار حل مؤقت لمشكلة ندرة الزجاج وتحطمه المستمر أثناء القصف. بحسب موقع الجامعة البريطانية العريقة، فإن الشاب هاري بلاكيستون هيوستن استخدم مادة البولي إيثيلين وأنابيب PVC ومادة عزل الأنابيب وشريط لاصق لإنشاء أربع طبقات من العزل لن غير قابلة للتحطم والكسر نتيجة القصف الجوي والمدفعي ويمكن تحضيرها في 15 دقيقة فقط بتكلفة 15 دولار للمتر المربع.

المنتج النهائي هو حل مؤقت بحسب هيوستن لحين انتهاء الحرب. لكنه يسمح بدخول ضوء النهار بينما يعزل برد الشتاء. ويقول الشاب بأن شركته الجديدة Insulate Ukraine ركبت حتى اللحظة نحو 6000 نافذة جديدة من تلك المادة. وكانت إحدى المستفيدات من المشروع سيدة أوكرانية عجوز في مدينة ميكولايف الجنوبية، والتي اضطرت للنوم في حوض الاستحمام في منزلها لمدة شهرين لأنه كان المكان الأكثر دفئًا في البيت بعد تحطم النوافذ. حيث يقول هيوستن بأن حياتها تغيرت بعد تركيب النوافذ الصناعية تلك وتمكنت من إعادة ترتيب منزلها والعيش فيه بطبيعية مرة أخرى.