حرب 200 مليار شيكل.. اقتصاد إسرائيل يواجه "سيناريو كارثي"

بنك هبوعليم الإسرائيلي كان أحد أول من عرض تقديرات دقيقة حول تكلفة الحرب الإسرائيلية في غزة، حيث قال إن أقل وأدنى مبلغ تحتاجه إسرائيل لخوض تلك المعركة هو 27 مليار شيكل (6.8 مليار دولار)، وهو ما يمثل ما قيمته 1.5% من الاقتصاد الإسرائيلي.

وبالفعل قام الجيش الإسرائيلي بتخصيص 30 مليار شيكل للحرب، 20 مليار منها ذهبت للجيش، و5 مليارات ذهبت للحكومة لمساعدة السكان بما في ذلك عمليات الإجلاء، و4,5 مليار شيكل كخطة تعويض أولية للمتضررين.

هذا المبلغ لا يشمل الأضرار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة مثل تراجع إيرادات الدولة وانخفاض الإنتاجية الاقتصادية لانشغال الأيدي العاملة الشابة بالحرب، وانهيار قطاعات السياحة والمطاعم والمشاريع الصغيرة نتيجة لأجواء الحرب مع حماس والتصعيد في الشمال مع حزب الله.

للمقارنة، حرب إسرائيل الأخيرة على غزة في عام 2014 كبدت الإسرائيليين خسائر بنحو 2.5 مليار دولار بالمجمل، بينما كلفتهم حرب لبنان في 2006 نحو 2.4 مليار. أي ثلث مبلغ نفقات الجيش والحكومة في الحرب الحالية.

صحيفة يديعوت أحرونوت قالت إن الكلفة الأولية لجنود الاحتياط فقط قد تبلغ 5-10 مليار شيكل أي حوالي 1.2-2.5 مليار دولار في حال تجنيدهم لثلاثة أشهر فقط. هذا التقدير لا يشمل جنود وضباط الجيش الرسميين والحوافز والبدلات التي يحصلون عليها في أوقات الحروب.

وفي تقدير آخر لسي إن إن، أوضحت الشبكة الأميركية أن كل يوم تستمر فيه الحرب الإسرائيلية في غزة يكلف الجيش الإسرائيلي أكثر من 46 مليون دولار فقط لرواتب 360 ألف جندي، أي حوالي 1,4 مليار دولار شهرياً لبند الرواتب.

لكن الأمر الأكثر تكلفة هو فاتورة انقطاع جنود الاحتياط عن سوق العمل الإسرائيلي لأشهر، وهو ما يعني انخفاض إنتاجية الاقتصاد، وتداعي الشركات والمشاريع الصغيرة، وانخفاض إيرادات الحكومة من ضرائب الدخل اللازمة لتمويل الحرب.

نحو 70 ألف من موظفي قطاع التكنولوجيا الإسرائيلية انقطعوا عن عملهم بسبب التحاقهم بصفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يعادل تقريباً 20% من القوى العاملة في هذا القطاع البالغ عددهم نحو 400 ألف. ويعد قطاع الهاي تيك أهم وأبرز القطاعات الاقتصادية الإسرائيلية لحجم إيراداته العالية وكونه يجذب الاستثمارات الخارجية.

لذلك، غياب هذا العدد الكبير من موظفي القطاع التكنولوجي قد يكبد إسرائيل المزيد من الخسائر الاقتصادية في حال طال أمد الحرب لأشهر.

بحسب القناة 12 العبرية، يأتي جزء كبير من المنتجات الزراعية في إسرائيل من الأراضي المحيطة بغزة. على سبيل المثال يتم إنتاج 70% من الطماطم و35% من البطاطس والجزر في منطقة "غلاف غزة" أي الكيبوتسات والمدن المحيطة بالقطاع المحاصر.

بعد هجوم 7 أكتوبر وإجلاء أغلب سكان تلك المناطق بسبب الحرب ورحيل آلاف العمال الأجانب عن إسرائيل، تأثر قطاع الزراعة بشكل كبير. بعض الإسرائيليين المتطوعين يحاولون مساعدة المزارعين وتعويض نقص الأيدي العاملة، لكن المخاطر الأمنية في تلك المنطقة تجعل من الصعب على المزارعين الوصول إلى مناطق زراعة المحاصيل الشتوية مثل البطاطس والجزر، أو زراعة محاصيل جديدة، وهو ما ينذر بشح وارتفاع أسعار تلك السلع بسبب النقص.

وتضيف صحيفة Global الإسرائيلية أن حالة التوتر في الشمال مع حزب الله أدت أيضاً لإضعاف الإنتاج الزراعي، نظراً لإخلاء أغلب تلك المناطق الزراعية.

من قبل السابع من أكتوبر، عانى سوق العقارات الإسرائيلي من انخفاض المبيعات بنسبة 40% وبوادر انخفاض الأسعار بسبب رفع البنوك الإسرائيلية لأسعار الفائدة لمواجهة التضخم ما أدى لانخفاض الإقبال على القروض لشراء العقارات.

لكن مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، سارعت إسرائيل لاعتقال آلاف العمال الفلسطينيين القادمين من غزة وطردتهم للقطاع بعد 25 يوما من الاعتقال والتعذيب بدون أي تهمة. بالإضافة لذلك، أغلقت السلطات المحلية في عدة مدن إسرائيلية مواقع أعمال البناء بسبب الخوف من وجود عمال فلسطينيين (بما في ذلك من يحمل منهم جنسية إسرائيلية) وقامت بطرد هؤلاء العمال.

وتقول القناة 12 العبرية إن نحو 75% من عمال قطاع البناء في إسرائيل "مفقودون"، بينهم نحو 84 ألف عامل فلسطيني ونحو 16 ألف عامل أجنبي، 6000 منهم غادروا إسرائيل منذ بداية الحرب، وهو ما يعني أن مواقع البناء مشلولة ولم تبدأ أي عمليات بناء جديد.

نتيجة ذلك، سجلت المصانع المرتبطة بقطاع البناء (الخرسانة والطوب والحديد وغيرها)، والتي توظف حوالي 100 ألف عامل، انخفاضاً في إيراداتها بنسبة 65% بحسب القناة العبرية، كما وتأثرت الصناعات المكملة في قطاع البناء بالسلب وبشكل حاد، مثل السيراميك والأدوات الصحية وتكييف الهواء.

قطاع البناء في إسرائيل يبلغ حجمه نحو 667 مليار شيكل (نحو 171 مليار دولار)، لكن أغلب شركات البناء الإسرائيلية (60-70%) هي من الشركات الصغيرة التي يصل حجم مبيعاتها إلى نحو 40 مليون شيكل سنوياً، أي 10 ملايين دولار بحسب القناة 12 العبرية التي تقول إن الحكومة الإسرائيلية لا تعوضهم وترفض إدراج المقاولين في خطة تعويض الشركات.

لذلك، تلك الشركات هي أكثر عرضة للانهيار والإفلاس نتيجة تقلبات السوق المفاجئة وتداعيات الحرب. وقد يعني إفلاس شركات البناء تلك تخلفها عن تسديد القروض المستحقة للبنوك الإسرائيلية، وبالتالي قد يؤدي ذلك لانهيار بعض البنوك أو إضعافها.

الأمر الآخر هو ضعف إيرادات الحكومة الضريبية في ظل انخفاض إنتاجية وإيرادات قطاعات الزراعة والتكنولوجيا والبناء. فقطاع البناء وحده، كان يدر على خزينة الدولة نحو 80 مليار شيكل سنوياً من ضرائب شراء الأراضي والبناء، بالإضافة لعشرات المليارات الأخرى عند بيع الشقق والوحدات السكنية. لذلك، من المتوقع أن تواجه ميزانية الحكومة الإسرائيلية عجزاً كبيراً نظراً لانخفاض الإيرادات في ظل الحرب.

كل هذه التداعيات الاقتصادية قد تؤدي لإضعاف ثقة المستثمرين الأجانب في الأسواق الإسرائيلية، خاصة بعد خفض تصنيف إسرائيل الائتماني، وهو ما يعني هروب رؤوس الأموال، هذا بالإضافة لانخفاض قيمة الأسهم الإسرائيلية في البورصات العالمية.

قبيل هجوم حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر، عانى الشيكل الإسرائيلي نزيفاً حاداً بسبب تعديلات نتنياهو القضائية المثيرة للجدل، حيث وصلت قيمته لنحو 3.8 شيكل لكل دولار بعد أن كانت قيمته نحو 3,4 شيكل لكل دولار العام السابق. أي أنه انخفض بقيمة 12%.

أما بعد الحرب، فقد وصل الشيكل حالياً لقيمة 4.08 لكل دولار، وهو ما يعني انخفاضه بنسبة 20% مقارنة بالعام الماضي. وقد يستمر هذا النزيف في حال استمرار المعارك لأشهر.

في الوقت نفسه، خسرت الأسهم الإسرائيلية نحو 20 مليار دولار من قيمتها السوقية بعد هجوم حماس، وهو ما يدق ناقوس الخطر لدى الاقتصاديين الإسرائيليين حول آثار وتبعات الحرب الطويلة في غزة.