سياسة
.
ما أن انطلقت الدعاية الانتخابية لانتخابات مجالس المحافظات "الحكومات المحلية" في العراق قبل أيام، حتى امتلأت الشوارع بالآلاف من صور المرشحين ووعودهم المكررة.
التنافس الانتخابي الساخن، والذي يقام للمرة الأولى منذ عقد، شهد في أقل من 10 أيام فقط على انطلاقه، خروقات واستغلال للمال العام والمناصب وتمزيق لافتات وتوزيع أموال وحتى توزيع مولدات كهربائية، ما تسبب في حالة من السخط بين المواطنين لعدم السيطرة على ضبط إيقاع الدعايات رغم كل الوعود.
بلينكس حاولت نقل المشهد للمتابعين، وسط الحديث عن شراء أصوات الفقراء، وسعي أحزاب جديدة لإثبات وجودها، فماذا يحدث؟
أمام لافتة كبيرة نُصبت في وسط الكرادة بالعاصمة بغداد لأحد مرشحي انتخابات مجالس المحافظات التي ستجرى في الـ18 من شهر ديسمبر المقبل، يقف حسين أحمد (40 سنة) متأملاً لفترة طويلة. يقول الوالد لأربعة أطفال، إن تكاليف هذه الصورة تكفيه وعائلته لمدة شهر كامل.
وأعرب عن استغرابه من الوعود بالمستقبل الأفضل، والخدمات وتحويل بغداد إلى جنة، وهي الوعود التي تُطرح في كل مرة وتنتهي بحصول المرشح على المنصب وعلى رتل الحمايات، بينما تبقى شوارع مدينته كما هي، ويبقى هو عاطلاً عن العمل، وفق وصفه.
أحمد أشار إلى أن الكثير من المرشحين عرضوا عليه الأموال لانتخابهم، وآخرين أقسموا بتوظيفه كما يحصل قبل كل انتخابات في العراق، والتي سئمها هو والكثير ممن يرون بأن الانتخابات هي للأحزاب، والشعب متفرّج لا مستفيد، وأن الأحزاب الكبيرة ستفوز، والوجوه الجديدة سيتم إغراؤها بالمال والمنصب، والفقراء أمثاله سيبقون كما هم دائماً "أغلبية صامتة"، بحسب تعبيره.
تجرى انتخابات مجالس المحافظات في العراق للمرة الأولى منذ 10 سنوات، بعد أن تم إيقاف إجرائها نتيجة المشاكل الأمنية عقب احتلال داعش الإرهابي، والاحتجاجات التي انطلقت في 2019، وكان من بين مطالبها إلغاء مجالس المحافظات باعتبارها حلقة زائدة.
ومع تشكيل الحكومة من قبل الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران، فإن أول ما عملت عليه، هو إعادة تلك المجالس وإجراء انتخاباتها، وهو ما تحقق بالفعل.
قبل أيام قليلة انطلقت الدعايات الانتخابية الخاصة، لكن منذ ساعاتها الأولى شهدت العديد من الخروقات والشجارات والوعود التي أصبحت محل سخرية لدى الكثير من العراقيين.
في بغداد تم تمزيق الكثير من اللافتات من قبل جماعات مجهولة، حيث قامت بنشر مقاطع لها وهي تمزّق صور الدعايات الخاصة بقائمة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.
ونشرت إحدى المرشحات فيديو لها وهي تتصل بالناخبين، لإبلاغهم بحصولهم على بطاقة الرعاية الاجتماعية التي يحصل من خلالها الفقراء على رواتب إعانة شهرية من الحكومة، وهو ما أعتبره ناشطون استغلالا للسلطة ومؤسسات الدولة في مخالفة لقانون الانتخابات.
كذلك نُشرت مقاطع فيديو لمرشحة أخرى تحصل على صور بطاقات الناخبين للتأكد من انتخابها.
ونُشرت مقاطع أخرى عن شجار بين مرشحين في الأنبار حول وضع الدعايات الانتخابية لهما في نفس المكان.
استغلال المال السياسي والمناصب والنفوذ استبق الدعايات الانتخابية واعترفت الحكومة العراقية بوقوعه.
وثيقة صادرة عن الهيئة العامة للتنسيق بين المحافظات التابعة لرئاسة الوزراء بتاريخ 21 من أكتوبر الماضي، كشفت عن استخدام جهات سياسية لنفوذها في دوائر الدولة الرسمية لتحقيق مكاسب انتخابية.
وبحسب الوثيقة فإن مرشحين للانتخابات المحلية ممن يشغلون مناصب رسمية في الدولة، يستغلون مواقعهم وموارد الدولة لأغراض انتخابية.
وأشارت الوثيقة إلى أن المنسق العام لشؤون المحافظات أحمد الفتلاوي، أوصى بتأجيل توزيع قطع الأراضي وإعلان الدرجات الوظيفية من العقود التشغيلية إلى ما بعد الانتخابات المحلية لمنع استغلالها في الدعاية الانتخابية.
تنص ضوابط وتعليمات مفوضية الانتخابات على منع استغلال أبنية الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة وأماكن العبادة، لأي دعاية أو أنشطة انتخابية للمرشحين والأحزاب والتحالفات، ويُحظر استعمال شعار الدولة الرسمي في الاجتماعات والإعلانات والنشرات الانتخابية والكتابات والرسوم التي تُستخدم في الحملة الانتخابية.
كما يحظر الإنفاق على الدعاية الانتخابية من المال العام، أو من موازنة الوزارات، أو من أموال الأوقاف الدينية، أو من أموال الدعم الخارجي، ويُحظر ممارسة أي شكل من أشكال الضغط، أو الإكراه، أو منح مكاسب مادية، أو معنوية، أو الوعد بها، بقصد التأثير على الناخبين ونتائج الانتخابات.
من الناحية القانونية، فإن استغلال الدولة لمصالح حزبية وانتخابية، تعد مخالفة يحاسب عليها القانون العراقي النافذ، ولكن تلك المحاسبات عادة ما تكون غير مفعّلة، وإن تمّ تفعليها، فهي غير رادعة.
الخبير في الشأن القانوني علي التميمي، أكد أن "قانون الانتخابات الجديد رقم 4 لسنة 2023، عالج ملف الدعاية الانتخابية ابتداءً من المادة 24 إلى المادة 34 بتفاصيل وشروط، منها أن يحدد موعدها بقرار من المفوضية، وأماكن الدعاية، وعدم استغلال موارد الدولة وأبنيتها، ومنع إعطاء الهدايا، وينتهي موعدها قبل 24 ساعة من الانتخابات.
وقال التميمي إن "المواد أعلاه في قانون الانتخابات منعت استخدام موارد الدولة أو دور العبادة أو موارد الوزارات أو موارد الموازنة في الدعاية الانتخابية"، مبيناً أن "المواد حددت عقوبة على المخالف لتلك المحظورات".
وأضاف التميمي أن "المادتين 41 و42 من القانون أعلاه، أوقعتا عقوبات جسدية وغرامات تراوحت بين الحبس لمدة تصل إلى سنة، وغرامات تبدأ من 500 ألف دينار وتصل إلى 50 مليون دينار عراقي كحد أعلى"، لافتا إلى أن "تلك العقوبة تطال الكيانات السياسية والأفراد أيضاً وتصل إلى استبعاد المرشحين عن طريق مجلس المفوضين".
وشدد التميمي على أن "هذه العقوبات، وخصوصاً الغرامات تحتاج للتفعيل، للسيطرة على الدعاية الانتخابية، وتحقق أهداف العقوبة الجنائية وهي الردع وتحقيق العدالة الاجتماعية"، حسب تعبيره.
يتنافس في الانتخابات القادمة لمجالس الحكومات المحلية في المحافظات العراقية، قرابة ستة آلاف مرشّح ثلثهم من النساء. وبحسب مفوضية الانتخابات، فإن أكثر من 16 مليون ناخب يحق لهم الاقتراع في انتخابات مجالس المحافظات.
ورغم غياب التيار الصدري عن تلك الانتخابات، يتوقع كثيرون أن تشهد تنافساً هو الأشد منذ سنوات طويلة، عنوانه إثبات الوجود بين الأحزاب التقليدية والأحزاب الناشئة.
ووفق عصام الفيلي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، فإن غياب التيار الصدري عن المشاركة نتيجة انسحابه من العملية السياسية العام الماضي، جعل المنافسة على أشدها بين الأحزاب الحاكمة والأحزاب الجديدة الناشئة، ولاسيما المنبثقة عن الاحتجاجات، والعنوان الأبرز بين الإثنين هو إثبات الوجود سواء الأحزاب التقليدية التي تريد إثبات قوتها وبقائها، أو الأحزاب الناشئة التي تريد أن تقول أنا هنا".
في المقابل تقول المحللة السياسية ظمياء الربيعي، إن "المال السياسي قال كلمته مبكراً في ترجيح كفة الأحزاب التي تظفر بالسلطة والمال عبر دعايتها المكلفة، وذلك بمساندة قانون الانتخابات الذي أقرته القوى الحاكمة على قياسها بجعل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، وليس عدة دوائر كما حصل في الانتخابات السابقة، وهو ما سيتيح للأحزاب الكبيرة الهيمنة على الأصوات".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة